جبهة تيغراي تفرمل التحالف الصاعد بين أديس أبابا وأسمرة

عززت جبهة تحرير تيغراي مكاسبها السابقة على الأرض في إقليم تيغراي الشمالي بدخولها الثلاثاء بلدة شير المهمة، في حين انسحب الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية المتحالفة معه. وتقوض سيطرة قوات تيغراي على العاصمة ميكيلي أجندات التحالف بين أديس أبابا وأسمرة.
أديس أبابا - قلب دخول الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي العاصمة ميكيلي الكثير من توازنات الحرب التي يخوضها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالتعاون مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ووضع التطور المفاجئ مصير الرجلين على المحك، وبدت الخطوة أول محاولة جادة لفرملة التحالف بينهما.
وأعلنت جبهة تيغراي الاثنين طرد قوات الحكومة الفيدرالية والقوات الإريترية الحليفة لها من الإقليم بعد نحو ثمانية أشهر من معارك ارتفع فيها صوت المجتمع الدولي اعتراضا على الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت.
وكشفت تقارير دولية عن مخاوف من تصاعد التحالف العسكري بين آبي أحمد وأفورقي، فلكل منهما أهداف إقليمية يمكن أن تزيد من السخونة في منطقة القرن الأفريقي، وقد تنتهي بصدام بينهما بسبب تعارض المصالح والطموحات والأطماع.
وبات النظام الإريتري منبوذا من جهات دولية عديدة عقب ارتكابه انتهاكات كبيرة ضد المواطنين وتقييد حركة المعارضة في الداخل، ما فرض عليه عزلة دولية، حتى وجد في حرب تيغراي وتطوير التحالف مع آبي أحمد بعد توقيع اتفاقية سلام بينهما مدخلا لاستعادة البريق الإقليمي عندما كان الرجل القوي في المنطقة.
وتعرض آبي أحمد إلى انتقادات حادة جراء العلاقة الوثيقة مع أفورقي، والتي أخرجته من زمرة القيادات الديمقراطية الواعدة والساعية للهدوء والمطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام منه إلى مجرم حرب يشرف على مجازر بشعة في تيغراي.
وطلبت الولايات المتحدة وأيرلندا وبريطانيا الاثنين عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن إقليم تيغراي يعتزم أن تنعقد الجمعة، وهو ما يخرج الأزمة من إطارها المحلي الذي حاولت إثيوبيا الحفاظ عليه إلى إطار دولي واسع قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات وقرارات قاسية ضد الحكومة المركزية والنظام الإريتري الذي يعد أبرز الداعمين لحرب تيغراي.
وقدمت واشنطن تنويرا سابقا في مجلس الأمن حمّلت فيه قوات إريتريا مسؤولية ارتكاب انتهاكات في تيغراي، كوسيلة ضغط لإخضاع الأطراف المختلفة لمفاوضات سياسية يصعب التنبؤ بنتيجتها حاليا.
وطالبت منظمات دولية والإدارة المؤقتة للإقليم بوقف إطلاق النار لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى سكانه، غير أن الحكومة الاتحادية رفضت الانصياع لذلك استنادا إلى مزاعمها بأنها قضت تماما على قوات جبهة تحرير تيغراي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي وطرد القوات الإثيوبية والإريترية منه، أعلنت الحكومة الاتحادية وقفاً لإطلاق النار للإيحاء بأنها استجابت لنداءات المجتمع الدولي.
ويبدو أن قرار وقف إطلاق النار من جانب واحد محاولة متعمدة من الحكومة المركزية لتصوير المشهد أمام المجتمع الدولي على أن جبهة تحرير تيغراي هي من ترتكب انتهاكات بحق المواطنين وليست القوات الإثيوبية والإريترية الحليفة.
وقد يتبنى مجلس الأمن قرارات ضاغطة على الرئيس الإريتري لأن تمدده الحالي في إثيوبيا لن يخدم المصالح الأميركية التي تبحث عن توفير قدر مناسب من الهدوء والاستقرار في المنطقة، بل تركه يفتح المجال لتوسيع نطاق التوترات.
وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب لـ”العرب”، إن آبي أحمد لن يتخلى بسهولة عن حليفه الإريتري لإدراكه بأن قواته الفيدرالية بمفردها لن تكون قادرة على بسط سيطرتها على كافة الأراضي الإثيوبية التي تواجه حروبا في أقاليم متفرقة، وستجد في تقدم جبهة تحرير تيغراي مبررا للاستمرار.
وأصبحت أزمة تيغراي وما حوته من التباسات سببا لفتح صراعات عرقية كبيرة داخل إثيوبيا، لأن القوميات المعارضة للحكومة المركزية مثل الأورومو لديها جرأة على مواجهة القوات الفيدرالية وسيكون لذلك انعكاسات على الوضع الإقليمي لإثيوبيا، خاصة أن جبهة الأمهرا التي لعبت دورا محوريا في حرب تيغراي لن تقف صامتة.

ولم تستبعد الطيب أن تكون تأثيرات الضغوط الدولية التي تلاحق آبي أحمد كبيرة بما يدفعه لأن يأخذ خطوة إلى الوراء ويفسح المجال للمفاوضات مع جبهة تحرير تيغراي ما يسمح له بالحفاظ على بعض المكاسب وتجنب مزيد من الخسائر.
وحال تمكن المجتمع الدولي من ممارسة ضغوط عملية لسحب القوات الإريترية من الأراضي الإثيوبية سوف تحدث تغيرات نوعية في المعادلة الراهنة تميل إلى صالح جبهة تحرير تيغراي على حساب أفورقي.
وأكدت الخبيرة في الشؤون الأفريقية أماني الطويل، أن التحالف بين إثيوبيا وإريتريا يواجه تعقيدات، وتشير المعلومات إلى إقدام الطرفين على تبادل السيطرة على بعض الأراضي، وأن أفورقي تمكن من السيطرة على مثلث بادمي الذي دارت حوله حرب ضارية بين البلدين في تسعينات القرن الماضي، بينما نشر آبي أحمد قوات في منطقة جنيرة الإريترية أملا في إقامة قاعدة عسكرية بحرية هناك.
وأضافت الطويل لـ”العرب” أن تفكيك التحالف يأتي إذا اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بتوقيع عقوبات على القوى المتورطة في انتهاكات ضد المدنيين في تيغراي، لأن كل طرف يحاول إلصاق التهمة بالآخر.
ويمكن أن يقود المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان مفاوضات بين الجانبين لإعادة الهدوء إلى الإقليم بما يسهم في منع تحول المنطقة إلى بؤرة تتزايد فيها ملامح الفوضى العارمة بما يهدد المصالح الأميركية في العمق.
وأجرت الحكومة المركزية الانتخابات التشريعية في 21 يونيو الجاري بعد تأجيلها مرتين، وهي واثقة من أن الانتصار العسكري الذي حققته في تيغراي يعزز حظوظ حزب “الازدهار” الحاكم في أديس أبابا، بجانب الموقف الصلب الذي تتمسك به قيادته لعدم تقديم تنازلات في أزمة سد النهضة مع مصر والسودان.
ويقول مراقبون إن الخبرة المتراكمة لدى العناصر العسكرية المحترفة في جبهة تحرير تيغراي مكنتهم من تنظيم صفوفهم وخوض معارك ضارية على الأطراف وصولا إلى ميكيلي، وهو ما يفرّغ الخطاب الذي تبنته الحكومة من مصداقيته بعد أن حوى مضمونا أكد أن قادة الجبهة الميدانيين قتلوا أو خرجوا من الإقليم بلا رجعة.
وشنت الحكومة المركزية في نوفمبر الماضي هجوماً عسكرياً على تيغراي لنزع سلاح الحزب الحاكم في الإقليم (الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي)، وأدت أعمال العنف إلى سقوط الكثير من الضحايا ولجوء عشرات الآلاف من المهجرين إلى السودان.