جائزة سركون بولص تدشن رحلتها الأولى من الدار البيضاء

لجنة تحكيم جائزة سركون بولص تمنح جائزتها للمغربي مبارك وساط، كونه شاعرا مبدعا يمتاز بشحن قصيدته بطاقة تخيلية وبلاغية لافتة من عناصر مختبئة في مشهد واقعي.
الأربعاء 2019/02/20
مبارك وساط شاعر يمتاز بسعيه إلى إدماج العالم الواقعي في عالم المخيلة

الدار البيضاء (المغرب)- تم منح جائزة سركون بولص للشعر وترجمته في دورتها الأولى إلى الشاعر والمترجم المغربي مبارك وساط، خلال فعاليات معرض الدار البيضاء للكتاب 2019 في المغرب، التي اختتمت أخيرا.

وفي كلمته حول إرهاصات إخراج الجائزة للوجود، قال خالد المعالي، ناشر دار الجمل، إنه بعد فترة قصيرة من رحيل سركون بولص فكرت بيني وبين نفسي أن أفضل ما يمكن أن يقدم لذكرى هذا الشاعر ليس فقط نشر أعماله التي تركها متناثرة في بلدان عديدة، وإنما تأسيس جائزة تقديرية تحمل اسمه.

هذه الجائزة التقديرية حسب المعالي تمنح لأشخاص ذوي إنجازات على أصعدة مختلفة ويتم هذا الاختيار بشكل سري وليس عن طريق التقدم إليها من طرف الأشخاص الراغبين في الفوز بها. وهذا طبعا عكس ما هو سائد في العالم العربي حيث أن أكبر الجوائز العربية لا يمكن الفوز بها دون التقدم إليها.

وأكد الناشر أن سركون بولص الذي رحل عام 2007 لم يفز بجائزة عربية واحدة، مضيفا “نحن إذن نقدم جائزة باسم الشاعر بولص لتخليد مساره في الكتابة والترجمة، وقد مرت سنوات عديدة دون التمكن من تأسيس الجائزة فقد كنا نحاول اللجوء إلى مؤسسات عراقية على الأخص من أجل ترتيب هذه الجائزة، لكننا لم نفلح في ذلك. أي أن سركون بولص حتى بعد رحيله بقي خارجا عن التصنيف”.

من هنا يضيف المعالي، في الذكرى العاشرة لوفاة الشاعر العراقي، قلنا يجب الإعلان عن هذه الجائزة مهما كانت الإمكانيات وهي بسيطة تتحملها منشورات الجمل، لدينا لجنة تختار أسماء الشعراء والمترجمين ولديها قائمة تتجدد سنويا من أجل المرشحين لهذه الجائزة.

وبررت لجنة التحكيم اختيارها الشاعر المغربي مبارك وساط، كونه شاعرا مبدعا يمتاز بشحن قصيدته بطاقة تخيلية وبلاغية لافتة من عناصر مختبئة في مشهد واقعي، تبدو مكتملة في ظاهرها اليومي، لكنها عصية على الاكتمال في جوهرها الغائب، كما يمتاز بسعيه إلى إدماج العالم الواقعي في عالم المخيلة. كل هذا جاء برفقة ترجمات لأعمال شعرية ونثرية اتسمت بالأصالة في الاختبار والسلاسة في اللغة، وذلك في أجمل «خيانة» ممكنة للأصل.

الجائزة تمنح لأشخاص ذوي إنجازات على أصعدة مختلفة ويتم هذا الاختيار بشكل سري
الجائزة تمنح لأشخاص ذوي إنجازات على أصعدة مختلفة ويتم هذا الاختيار بشكل سري 

وبهذه المناسبة استحضر الشاعر المغربي نبيل منصر في كلمته تجربة سركون بولص باعتباره شاعرا مؤسسا، افتتح للشعر العربي آفاقا لا تزال تستدعي النقد العربي إلى أن يشتغل عليها بجدية لأنه كان شاعرا جادا، والشاعر المغربي وساط يسير في هذا الأفق ويشتغل أيضا على تجربته بكثير من الجدية والإخلاص وبكثير من الإبهار، لذلك فاقتران الجائزة في دورتها الأولى باسم الشاعر مبارك وساط يعد دلالة رمزية لافتة تشكر عليها دار الجمل ونعتز بها في حق شعرنا المغربي الذي له أبعاد عربية وآفاق كونية، وهذا ما يمثله بقوة الشاعر وساط.

وحول شعر وساط، أول شيء يوقفنا في هذه التجربة حسب الشاعر المغربي نبيل منصر، هو أنها تتجاوز مفهوم الجيل، فهو ينتمي إلى جيل الثمانينات، ولكن تجربته تستعصي على هذا التأطير الجيلي، فهو ينتمي كرونولوجيا إلى هذا الجيل ولكن شعريا ينادي على شجرة أنساب كبيرة ومهمة في الشعر المغربي والعربي والكوني.

وبالنسبة إلى شجرة الأنساب الشعرية يمكن أن نتحدث عن الشاعر محمد السرغيني وعبدالله زريقة في أعمالهما الأخيرة، وشجرة النسب لا تعني أن التجارب تستنسخ بعضها البعض، بل لكل شاعر منهم تجربته وأفق اشتغاله الخاص على مستوى المرجعيات وعلى مستوى الحفر في شعر النثر بين ما هو محلي وما هو كوني.

ونذكر أن مبارك وساط، هو شاعر ومترجم مغربيّ، وُلِد ببلدة مزيندة (إقليم آسفي، المغرب)، في 16 أكتوبر 1955. درس الرياضيات والفيزياء لسنتين في كلية العلوم بالرباط (1972-1974)، ثمّ انتسب إلى شعبة الفلسفة بكلية الآداب (بالرباط، أيضاً).

من مؤلفاته مجموعاته الشّعريّة على دَرَج المياه العميقة، محفوفاً بأرخبيلات، راية الهواء، فراشة من هيدروجين، رجل يبتسم للعصافير. وتتميز تجربة وساط الشعرية عن جيله وشجرة نسبه كما يرى الشاعر المغربي، نبيل منصر، بممارسة فعل التجربة فهو واحد من الشعراء الذين يشتغلون في مجال الترجمة الشعرية على الخصوص، لأنها تمثل نوعا من المختبر الشعري الذي يخصب اللغة الشعرية ويوسع آفاق المتخيَّل ويجذر شجرة النسب الشعرية ضمن آفاق كونية.

كما تتميز اللغة الشعرية عند وساط، بتوسيع مواردها وأفق حداثتها وذلك بإدماج ألفاظ منتقاة من المعجم الشعري العربي القديم، وتأمين هجرتها ضمن التركيب الشعري الحداثي في سلاسة وتميز، وبذلك تدمج هذه التجربة من هذه الزاوية آفاق الشعريتين العربية القديمة والحديثة، دون التفريط في الأفق الحداثي بوصفه بناء وتجربة، إنها جرأة شعرية تكشف عن المقروء الشعري الهام للشاعر المغربي ورغبته في الإضافة والتوسيع والاقتحام.

وختم منصر كلمته بقوله إن هذه الجائزة تستحق اسم حاملها ونرجو أن تكشف لنا في المستقبل عن أسماء شعرية نحن في حاجة إلى الاحتكاك بتجاربها.

15