جائزة ابن بطوطة تكشف سير شخصيات خلّدها التاريخ

يعتبر أدب الرحلات، الذي يذكرنا بديهيا بالرحالة الشهير ابن بطوطة، أحد أقدم الأنماط الأدبية، التي تم ضبط مفهومها مبكرا وأصبحت فرصة للتواصل بين كاتب يسرد رحلة مثيرة للانتباه وبين قارئ يبحث عن سبل لاكتشاف الآخر، ومثلت نصوص كثيرة في أدب الرحلة مساحة تاريخية خصبة تكشف سير زعماء ومفكرين وشخصيات خلّدها التاريخ، وصار المؤلفون في هذا الجنس الأدبي يتنافسون على نيل “جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة”.
أبوظبي – أعلنت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة أسماء الفائزين في دورتها التاسعة عشرة والتي يقدمها المركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق” في أبوظبى ولندن.
وفاز أربعة باحثين مغاربة بالجائزة من أصل عشرة فائزين توجوا في الدورة الجديدة، التي حملت اسم الباحث السوري الراحل قاسم وهب.
وجائزة أفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة بالإضافة إلى المغاربة بوسيف واسطي وربيع عوادي ومحمد المسعودي ومحمد عبدالغني، كانت من نصيب مصري وسوري وإماراتي وأردني.
وفاز في فرع “الرحلة المعاصرة” المصرية منصورة عزالدين عن “خطوات في شنغهاي – في معنى المسافة بين القاهرة وبكين” وفي فرع “اليوميات” فاز اللبناني شربل داغر عن “الخروج من العائلة”.
أما جائزة “الرحلة المحققة” ففاز بها الكاتب والصحافي السوري إبراهيم الجبين عن “الرحلة الأوروبية- من دمشق إلى روما، باريس، ميونخ، فيينا، بلغراد، بودابست، صوفيا، استانبول” 1911-1912 للسوري فخر البارودي، وفاز الإماراتي سلطان العميمي بجائزة عن “الرحلة الشابورية” 1936 للكويتي زين العابدين بن حسن باقر، والباحث اليمني محمد عبده مسعد عياش عن كتاب “سيرة الحبشة” للحسن بن أحمد صلاح اليوسفي الحيمي.
وفي تصريح لـ”العرب” حول فوز كتابه “الرحلة الأوروبية – رحلة فخري بك البارودي” بجائزة ابن بطوطة، قال الكاتب السوري إبراهيم الجبين، إنّ “بطل هذا الكتاب هو من يستحق في الحقيقة الفوز بهذه الجائزة والكثير من التكريم والاهتمام، بعد أكثر من خمسة عقود على رحيله، فهو يشكل ظاهرة توجّب استحضارها إلى زمننا هذا، بتوقه المثير للتحديث والتنمية والتنوير الثقافي والاجتماعي في سوريا”.
ويحكي الجبين، أنّ تحقيق هذا الكتاب تطلب منه “رحلة من نوع آخر في عالم البارودي وكتبه وقصاصاته المتناثرة ومواقفه وقصائده وأخباره المنشورة في الكتب وفي صحف ذلك الزمان، ومن ثم سبكها في سياق واحد شكّل رحلته الأوروبية”.
ويؤكد الجبين لـ”العرب”، أن “السوريين والعرب عموما في هذه اللحظة في أمسّ الحاجة إلى ذلك الفكر المتمدّن الذي جسّده البارودي، فمن دونه نصل إلى ما وصلنا إليه في بلداننا العربية المنكوبة. تلك البلدان التي كتب عنها البارودي قصيدته الشهيرة التي يحفظها ويرددها الملايين من العرب من المشرق إلى المغرب ‘بلاد العرب أوطاني من الشام إلى بغداد، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان”.
ومنحت جائزة ابن بطوطة في فرع الدراسات، لكل من المغربي بوسيف واسطي عن “الرحلة نسق أنساق- مقاربات تاريخانية وإبستيمولوجية”، وفاز مواطنه ربيع عوادي بجائزة عن “صورة مصر في كتابات الرحالة المغاربة”، ومواطنهما محمد المسعودي عن “الرحلة ما بعد الكولونيالية”.
وفي فرع “الرحلة المترجمة” فاز بالجائزة كل من الأردني عبدالكريم جرادات عن ترجمة كتاب “رحلة مكة- من طهران إلى الحجاز” من الفارسية إلى العربية، والمغربي محمد عبدالغني عن ترجمة كتاب “أميركيان يعبران آسيا على دراجة هوائية 1894” من الإنجليزية إلى العربية.
مشاركات قيمة
بلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 56 مخطوطة، تمثل عشرة بلدان عربية، وكالعادة نُزِعَتْ أسماءُ المشاركين من المخطوطات قبل تسليمها لأعضاء لجنة التحكيم لدواعي السريّة وسلامة الأداء.
وجرى استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عليها بالنسبة إلى التحقيق والدراسة، أو ما غاب عنها المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي يمنحها المركز للأعمال المعاصرة. ليبلغ عدد المخطوطات في المرحلة الثانية 22 مخطوطا.
وتصدر الأعمال الفائزة عن “دار السويدي” في سلاسل “ارتياد الآفاق” وذلك بالتعاون مع “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” في بيروت بالنسبة إلى “الرحلة المحققة” و”الرحلة المعاصرة- سندباد الجديد”، و”الدراسات”، أما الرحلة المترجمة و”أدب اليوميات” فيصدران بالتعاون مع “دار المتوسط” في ميلانو.
وقد تبنى “المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق” وجائزته نشر أعمال موازية، لعبدالنبي ذاكر وبوشعيب الساوري وعبدالسلام الجعماطي من المغرب، وشوقي برنوصي من تونس، وحسّان الحَديثي من العراق، والصدّيق حاج أحمد من السودان ونورهان علام من مصر وآخرين.
وقال الشاعر نوري الجراح مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي والمشرف على الجائزة في بيان، “إن الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فرع الدراسات وتعدد مستوياتها وموضوعاتها ومناهجها، إلى جانب اتساع نطاق الأعمال التي تنتمي إلى الرحلة المعاصرة، وهو ما حض لجنة التحكيم على اختيار أكثر من عمل في هذين الفرعين لنيل الجائزة”.
وشدّد على أن الجائزة ينبغي أن تشرع في المستقبل بنقل الخزانة العربية لأدب الرحلة التي تمتد على مسافة 10 قرون، إلى لغات أخرى ليتعرف القارئ الغربي عن قرب على طبيعة نظرة العربي إلى الآخر، ونظرته إلى نفسه من خلال سفره في دنيا الآخر.
بدوره اعتبر راعي الجائزة الشاعر محمد أحمد السويدي، أن هذه الدورة “كانت استثنائية بكل ما للكلمة من معنى كونها تأتي في سنة ألزمت الرحالة بيوتهم وحالت بينهم وبين خوض الأسفار”.
وتشكلت لجنة تحكيم الجائزة لهذه الدورة من الباحث المغربي الطائع الحداوي، والناقد السوري خلدون شمعة، والشاعر الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو، والباحث الفلسطيني-السوري أحمد برقاوي، والكاتب العراقي عواد علي، إضافة إلى الكاتب السوري مفيد نجم.
ومن المقرر أن يقام حفل توزيع الجوائز في مايو 2021 على أن تقام ندوة مصاحبة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة بمشاركة نخبة من الباحثين.
دراسات ثمينة
تميزت الأعمال المتسابقة هذا العام بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فرع الدراسات، كما تميزت باتساع نطاق الأعمال التي تنتمي إلى الرحلة المعاصرة، وهو ما حضّ لجنة التحكيم على اختيار أكثر من عمل في هذين الفرعين للتنويه بقيمته ونشره على جانب الأعمال الفائزة ومن ضمن منشورات الجائزة.
وقد نوه الشاعر نوري الجراح بالقيمة الاستثنائية لأولى الدراسات التي حازت على الجائزة هذا العام تحت عنوان “الرحلةُ نَسَقُ أنساق: مقاربات تاريخانية وإبستيمولوجية” للباحث المغربي بوسيف واسطي، واعتبرها عملا بحثيا ضخما، وغير مسبوق.
ونوه أيضا بالترجمة التي قدمها عبدالكريم جرادات لـ”هدايةُ السبيل وكفايةُ الدليل” التي وضعها في الفارسية مراد ميرزا “حسام السلطنة” في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكونها واحدة من أهم رحلات الحج التي وُضعت في العصر القاجاري، ولها مسار طويل عابر لثلاث قارات.
وأشار الجراح إلى فرادة أعمال التحقيق هذا العام، بدءا بمخطوطة “حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر” المشهورة بـ”سيرة الحبشة” للحسن بن أحـمد بن صلاح اليوسفي الحيمي، وحققها اليمني محمد عبده مسعد عياش.
كما تطرق الجراح إلى التحقيق القيّم الذي قام به الكاتب الروائي والباحث إبراهيم الجبين المتمثل في “الرحلة الأوروبية”، وهو عمل يستعيد الشخصية النهضوية السورية البارزة، والزعيم الدمشقي فخري البارودي في رحلته من الأوروبية، وصولا إلى “الرحلة الشابورية”، وهو ثالث النصوص المحققة الفائزة وعبارة عن تحقيق لنص رحلي شعري وضعه الكويتي زين العابدين بن حسن باقر يؤرخ فيه لرحلة قام بها من عربستان إلى أبوظبي سنة 1936. ويكشف النص والدراسة عن وقائع وأحداث مهمة تعود إلى ما قبل قيام دولة الاتحاد.
وإلى جانب هذه الأعمال هناك دراستان واحدة تتناول مصر في القرن التاسع عشر من خلال نصوص الرحالة المغاربة إلى مصر، والثانية تدرس الرحلة العربية المعاصرة من منظور ما بعد كولونيالي.
وأخيرا وقائع رحلة إلى شانغهاي بقلم الروائية المصرية منصورة عزالدين، ويوميات الشاعر والأديب اللبناني شربل داغر، التي يطوف بها على جملة واسعة من القضايا والتحولات، التي عصفت بالحياة العربية عبر سيرة ذات مبدعة في نصف قرن.