ثقوب إعلامية في جدار العلاقة بين القاهرة وأنقرة

استأنفت جماعة الإخوان نشاطها المحرض على مصر عبر قنوات ووسائل إعلامية تبث من تركيا، رغم محاولات أنقرة تسويق موقف رافض لعناصر التنظيم بإغلاق العديد من منصاتهم في وقت سابق، لكن يبدو أن الشكوك تلازم النوايا التركية مع الاستمرار في تقديم محتوى يستهدف مصر ويدعو لإسقاط النظام الحاكم فيها.
القاهرة - عادت بعض وسائل الإعلام التي تبث من تركيا التابعة لجماعة الإخوان إلى خطابها المحرض ضد مصر، على الرغم من تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وظهر عدد من العناصر المطلوبة قضائيًا في مصر على وسائل إعلام ومنصات رقمية تبث من تركيا مؤخرا، ما يوحي بوجود شكوك في نوايا النظام التركي تجاه مصر.
ويقدم محمد منتصر وهو أحد مؤسسي حركة حسم الإخوانية المسلحة المصنفة إرهابية في مصر، بودكاست يحمل اسم “مؤسسة ميدان”، استضاف فيه قيادات متورطة في جرائم عنف، بينهم يحيى موسى الصادر بحقه حكم قضائي بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، وأدين أيضا في محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية (شمال) الأسبق اللواء مصطفى النمر.
وحملت حلقات بثت من تركيا تحريضَا مباشراً ضد النظام المصري، واتهم موسى في إحدى الحلقات التي حل فيها ضيفًا على البرنامج الدولة المصرية بـ”محاربة الإسلام”، ودعا إلى استمرار ما أسماه “مقاومة النظام المصري”، وعقد مقارنة تخييلية- وهمية بين موقف النظام المصري من حرب غزة وبين موقف الإخوان لو كانت لا تزال في السلطة بهدف تحريض المواطنين ضد القاهرة.
واستضافت الحلقات القيادي الإخواني الهارب رضا فهمي، وهو أحد قيادات التنظيم المسلح، الذي أسس منذ حوالي عام ونصف جمعية “ميدان” التي يحمل البودكاست اسمها، وهدفت للتنسيق مع قيادات الجبهة السلفية الجهادية الهاربين في الخارج على تجميع شباب التنظيم لتبني إستراتيجية جديدة، وفي أثناء مؤتمر تأسيسها تحدث صراحة عن “عودة العمل المسلح في مصر من أجل العودة للمشهد السياسي”.
ولم تتوقف بعض المواقع الإخبارية والقنوات التي تبث من تركيا وتابعة للإخوان عن سياستها التحريضية ضد القاهرة، بينما التزمت وسائل الإعلام المصرية بالتهدئة منذ حدوث التقارب مع أنقرة ولا تتحدث بأي شكل يسيء لتركيا ونظامها.
ويرى متابعون أن محاولات تركيا تسويق تحركاتها لإبعاد عدد من عناصر التنظيم وإغلاق العديد من المنصات الإعلامية يتم دحضه مع الاستمرار في تقديم محتوى يستهدف مصر ويدعو لإسقاط النظام الحاكم فيها.
وترك هذا الاتجاه انطباعات بأن العلاقات بين البلدين تبدو في العلن كأنها تطورت سياسيا، وفي الحقيقة تظهر وجها مغايرا من خلال ما تبثه منابر الإخوان من تركيا.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب إن استمرار نهج قنوات ومنصات الإخوان يبرهن على أن تركيا لم تغير موقفها من الجماعة، مع أنها ذهبت باتجاه تطوير علاقاتها مع مصر، ووصلت إلى ما يشبه التوافق في العديد من الملفات.
وأضاف لـ”العرب” أن استمرار احتضان بعض التنظيمات الإسلاموية غير مطمئن، ولا تزال هناك عناصر إخوانية تورطت في أعمال عنف داخل مصر تعيش في تركيا وتلقى رعاية شبه رسمية، ورفضت تسليمهم للقاهرة بذريعة حصولهم على جنسيتها.
وأوضح أديب أن تركيا قدمت ردوداً غير مقنعة لمصر بشأن المنصات الإعلامية التي تبث من أراضيها أو تلك التي تمولها خارج حدودها، وقالت إنها أغلقت قنوات وطالبت بتخفيف لهجة الانتقادات في أخرى، وعاودت شخصيات مطلوبة قضائيًا للظهور بعد ادراكهم أن لديهم حماية أو حصانة من أنقرة، ولذلك ما يصدر من تحريض إعلامي على مصر يعبر عن سياسة يقتنع بها النظام التركي.
وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن مصر لن تتجاوز عن ظهور عناصر مطلوبة للقضاء المصري بشكل علني عبر منصات صادرة من تركيا، ولو توافقت أو تفاهمت مع تركيا في ملفات إقليمية أهم من ملف الإخوان، ما يشي بأن ظهور عناصر تنتمي للجماعة لا يؤثر مباشرة على العلاقات، لكنه سوف يصيبها مستقبلاً بالفتور.
وحافظت وسائل الإعلام الصادرة في تركيا قبل زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للقاهرة، على نبرة أكثر هدوءا نحو الانتقادات الموجهة لمصر، وكان التحريض غير مباشر، لكن تقديم بودكاست يحمل عداء واضحا بدا كأن النظام التركي يرسل إشارات جديدة للإخوان تؤدي لإنتاج المزيد من البرامج.
وزار الرئيس التركي مصر لأول مرة بعد قطيعة دامت أكثر من 11 عاماً في فبراير الماضي، ووقّع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتقرر إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وتوافق الرئيسان على أن يزور السيسي اسطنبول أبريل المقبل.
استمرار نهج قنوات ومنصات الإخوان يبرهن على أن تركيا لم تغير موقفها من الجماعة
وكشف الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان أن السماح لعناصر الإخوان بالظهور إعلاميا والتحريض على مصر من داخل تركيا لم يكن على مستوى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية فحسب، بل إن بعض القنوات التركية مثل القناة الخامسة تعمل بشكل مستمر على استضافة قيادات إخوانية، بينهم طلعت فهمي المتحدث باسم تنظيم الإخوان/ جبهة اسطنبول، ما يشير إلى أن ملف الإعلام يأتي ضمن وسائل احتضان وحماية تركيا للعناصر الإخوانية على أراضيها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن استمرار سياسات الإعلام الصادر من تركيا ضد مصر أمر متوقع، لأن أردوغان لم يغير موقفه من الإخوان، ويحاول التسويق إلى أنه عمل على تحجيم حضورهم دون أن يترتب على ذلك وقف التحريض بشكل كامل.
وقد شهد هذا الملف تعقيدات في المفاوضات الثنائية عندما طالبت مصر بتسليم مطلوبين أدينوا في جرائم عنف، بينما طالبت تركيا بتسليم عناصر تقيم في مصر محسوبة على جماعة عبدالله كولن، قبل أن يقرر الطرفان تجاوز هذا الملف.
وقالت أنقرة إنها اتخذت مجموعة من الإجراءات تزامنًا مع بدء التقارب مع القاهرة، ففي مارس عام 2021 شددت على القنوات التلفزيونية التابعة للإخوان وتبث من إسطنبول بميثاق شرف إعلامي وتجنب مناقشة الشأن السياسي في مصر، وعدم التطاول على الرئيس السيسي، والتخلي عن التحريض والإساءة للدولة المصرية.
وطالت التوجيهات في حينه قنوات ناطقة بلسان الإخوان، قامت بتغيير خريطة برامجها، وألغت بث جزء من المحتوى السياسي، وغادر الإعلامي معتز مطر إلى لندن بعد وقف برنامجه الذي اتخذه منصة للهجوم على مصر، وتبعه محمد ناصر ورحل أيضا عن تركيا، تلاهما حمزة زوبع وهشام عبدالله وهيثم أبوخليل.
وبقي الإخوان طيلة أشهر يشتكون من المعاملة التركية المسيئة لهم، وقبل فترة تم تداول قصيدة لإخواني مغمور يدعى أحمد بن راشد بن سعيد على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “لصالح من تطردون الجميع”، لقيت سخرية واسعة من تبدل مواقف الإخوان، بعد أن كانوا من أبرز المؤيدين لأردوغان وحزب العدالة والتنمية ضد خصومه.
وسبق أن كشف عاصم عبدالماجد، القيادي الإخواني الهارب إلى تركيا، تفاصيل عن استعدادات جناح من الجماعة وخططه للمواجهة تحسبا لغدر السلطات التركية والرئيس أردوغان الذي اتهم قيادات إخوانية أخرى بالخيانة والغدر، معلنا عن تحالفهم السري مع حزب السعادة التركي المحسوب على جماعة الإخوان لإسقاط أردوغان.
وكان عبدالماجد الذي يعتبر محسوبا على الجماعة وأحد مؤسسي حركة تجرد الداعمة للإخوان إبان حكمهم لمصر، أكد سابقا أن الإخوان تحالفوا مع حزب السعادة، ما أدى إلى سقوط مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان خلال الانتخابات البلدية التي جرت عام 2019 في أنقرة واسطنبول وأزمير وأنطاليا، حيث خاض الحزب الانتخابات بمرشحين كانت فرصهم في الفوز منعدمة، من أجل تفتيت أصوات الإسلاميين، وإخلاء الساحة لمرشحي المعارضة للتفوق واكتساح الانتخابات.