ثغرة في قانون العقوبات المغربي تتيح للآباء التنازل عن حقوق أبنائهم المغتصبين

يدعو الحقوقيون ورجال القانون في المغرب إلى الوقوف عند ثغرة قانونية تعطي الآباء حق التنازل عن حقوق أبنائهم المغتصبين في تتبع الجناة وذلك إما خوفا من الفضيحة أو عند حصولهم على تعويضات مالية. ويرون أن التنازل من شأنه أن يزيد من تعميق معاناة الطفل الضحية ويحرمه من بعض حقوقه. وطالب الحقوقيون السلطات القضائية بعدم التساهل مع مجرمي الاغتصاب أو التخفيف في أحكام قضايا اغتصاب الأطفال.
الرباط - يعطي القانون المغربي لأولياء أمور القاصرين الذين تعرضوا للاغتصاب الحق في التنازل عن حقوقهم سواء كانوا بناتا أو صبيانا ، وهو ما اعتبره حقوقيون ورجال قانون ثغرة قانونية يجب الالتفات إليها. ويتنازل الآباء عن حقوق أبنائهم بدعوى حمايتهم من الإساءة والتعرض للخطر، كما قد تحكم الآباء عدة اعتبارات اجتماعية حيث يحضر الخوف من الفضيحة والعار، أو مادية تتعلق بالوضعية الهشة التي تضطر الأسرة إلى قبول تعويضات مالية، ما يجعلها تلتمس طريق التنازل.
وأكد وزير العدل عبداللطيف وهبي، في مداخلة له بمجلس النواب، يوم 17 أبريل الجاري، أن الأطفال لا يملكون الأهلية ليتقدموا بتنازل للمشتكى به، ليصبح الأمر بيد أولياء الأمور الذين يملكون في نهاية المطاف الحق في هذا التنازل الذي يزيد من تعميق معاناة الطفل الضحية ويحرمه من بعض حقوقه.
ودعا وهبي إلى تغيير نص القانون الجنائي لمنع وليّ الأمر من التنازل عن حق الطفل الضحية، سواء كان هذا التنازل بسبب حصوله على تعويض مادي أو لاعتبارات أسرية واجتماعية لكون الجاني من الأقارب، وهو ما يتعارض مع حقوق الطفل التي تكفل له سلامته الجسدية والنفسية.
ومن وجهة نظر خالد الشرقاوي السموني رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال، يجب تعديل القانون الجنائي لأنه في حالة اغتصاب القاصرين يبقى للنيابة العامة الحق في متابعة المتهم بغض النظر عن تنازل الأب أو ولي الضحية، فالمتابعة تبقى قائمة ولا تسقط بقوة القانون نظرا لجسامة الفعل الجرمي والذي يخلف أضرارا جسدية ونفسية للضحية تبقى لصيقة به مدى الحياة.
وطالب السموني في تصريح لـ”العرب” السلطات القضائية بعدم التساهل مع مجرمي الاغتصاب أو التخفيف في قضايا اغتصاب الأطفال، اعتبارا لكون جريمة الاغتصاب تعد انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان وحقوق الأطفال والنساء، يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بعقوبة مشددة عندما تكون مقرونة بالعنف.
وقبل ثلاث سنوات كانت هناك قضية اغتصاب فتاة قاصر في إقليم طاطا جنوب المغرب حيث قرر قاضي التحقيق متابعة المتهم في حالة سراح، بمحكمة الاستئناف بأكادير جنوبا، وذلك بعد تنازل كتابي لصالح المغتصب، وقّعه والد الطفلة بعد يوم واحد من اعتقاله، وقبلها تم الإفراج عن مواطن كويتي اغتصب الطفلة جوهرة بمدينة مراكش، وأفرج عنه هو الآخر بعد تنازل والدي الضحية.
وتعود القصة إلى الرابع من شهر يونيو 2020، حين تمكنت عناصر الدرك الملكي بإقليم مدينة طاطا المغربية، الواقعة جنوب شرق البلاد، من اعتقال رجل أربعيني متورّط باغتصاب الطفلة إكرام التي لم تتجاوز ربيعها السادس، والتسبب لها بنزيف حاد في الجهاز التناسلي، وظل المتهم تحت تدابير الحراسة النظرية إلى أن تمت إحالة ملف قضيته إلى محكمة الاستئناف بأكادير، حيث قرر قاضي التحقيق، الإفراج عن المتهم ومحاكمته طليقاً بعد دفعه كفالة مالية.
ونظرا إلى أن القانون المغربي يعتبر الاغتصاب جريمة تتعلق بالأمن العام والآداب والأخلاق، فقد تم إلغاء فصول القانون الجنائي التي كانت تسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته، الشيء الذي عزز حماية الأطفال القاصرين ضحايا الاعتداءات الجنسية. وتتمسك النيابة العامة بمتابعة الجاني حتى لو تنازلت الضحية، لأنها تدافع عن الحق العام الذي لا يمكن إسقاطه، وهذا لا ينفي أن حماية الضحية القاصر يجب أن تتعزز بمنع وليّ أمرها من التنازل عن حقها الخاص.
وسجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في آخر تقرير له الشهر الماضي، أن التنازل وتزويج المغتصبة من مغتصبها يعد إفلاتا من العقاب، مشيرا إلى أن تنازل الضحية عن الشكاية في قضية العنف القائم على أساس النوع ينعكس على مآل القضية وعلى العقوبة المحكوم بها بغض النظر عن نوعية القضية وما إذا كانت من الجرائم العادية أو جرائم الشكايات، وهو ما يزيد من فرص تعريض الضحية لضغوط للتنازل ويسهم في الإفلات من العقاب.
ويعاقب القانون المغربي على اغتصاب الأطفال بالسجن من عام إلى خمسة أعوام، وقد يصل في الحالات المشددة إلى 20 عاما لدى اقترانه بالعنف أو التهديد، ورغم وجود قوانين عدة، لا يزال ناشطون كثر يلومون القضاء المغربي وقانون العقوبات، ويرون القوانين "متساهلة وضعيفة" في مواجهة ظاهرة التحرش والاعتداءات الجنسية المتكررة على الأطفال في البلاد.
ويدعو حقوقيون إلى القطع مع تولي الآباء وأولياء الأمور سلطة التنازل عن المتابعة القضائية ضد مغتصبي أبنائهم، مشيرين إلى أن ذلك يفتح الباب للمتاجرة بالأعراض وبيع كرامة الأبناء، لأسباب متعددة من ضمنها الفقر أو الطمع في ما يقدم لهم من مقابل مادي للتنازل عن حق أبنائهم في متابعة الجاني تطبيقا للقانون وحماية الطفولة.
وأكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش أن اليقين من حتمية المتابعة القضائية الصارمة ومحاربة الإفلات من العقاب يظلان أنجع وسيلة لمحاربة الجريمة، وأنه من دون رادع حقيقي يفلت كل يوم عدد من مرتكبي جرائم الاغتصاب من العدالة ومن العقاب، بسبب خزي التواطؤ أحيانا أو بعد تراجع والدي الضحية عن الشكاية، مقابل "تعويض" مالي أو زواج العار، و”هكذا يُشترى صمت الضحايا كل يوم بثمن باهظ، ثمن يدفعه ويتحمل تبعاته المجتمع بأسره" حسب قول بوعياش.
وأوضح وزير العدل، أن ضحايا الاغتصاب عموما، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، يحتاجون إلى تتبع مستمر ورعاية خاصة، مشيرا إلى أنه يعمل رفقة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على إعداد تصور لمؤسسات لإيواء ضحايا الاغتصاب، مشددا على أن الأطفال لهم حقوق وليست عليهم واجبات. لذلك يجب الحفاظ على هذه الحقوق التي من بينها ضمان السلامة البدنية والجسدية واحترام كينونتهم ووجودهم.
من جهتها أوردت بوعياش أن حماية الضحايا على النحو الأمثل تقتضي من وجهة نظر المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإسراع في تحقيق نقلة حقيقة في تأويل القانون وتطبيقه، بشكل يسمح، على وجه التحديد، باعتبار الاعتداء الجنسي بمثابة اعتداء على السلامة الجسدية وتشديد العقوبات في حالة الاعتداء على الأطفال وردع مثل هذه الجرائم بشكل لا مجال فيه لأي تراجع أو تنازل أو تواطؤ أو هروب من قبضة العدالة، من أجل أطفالنا ومن أجل مغرب جدير بأطفاله.
وقال السموني لـ"العرب" إن قضية تنازل أولياء الأمور عن حقوق أبنائهم الذين تعرضوا للاغتصاب ترتبط بالعديد من التحديات التي يتعين مواجهتها من أجل تحقيق عدالة أفضل في إعمال حقوق الطفل، ولا يزال الأطفال الذين يعيشون في المناطق القروية والهامشية أو ينتمون إلى أفقر شرائح المجتمع في أوضاع جد صعبة.