ثغرات بالقانون الجنائي المغربي تسهم في زيادة نسب الاعتداء على الأطفال

يرى مختصون وحقوقيون في المغرب أنه حان الوقت ليعمل المشرع المغربي على إعادة تشكيل القاعدة القانونية لأجل حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية ووضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تمس كرامة الطفولة وكرامة الأسرة والمجتمع. ويشير المختصون إلى أن إصدار أحكام مخففة لصالح الجناة يجعل المعتدين يمارسون أفعالهم الشنيعة دون التفكير في العقوبات.
الرباط - تتوالى حوادث الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب باستمرار، سواء من طرف أشخاص مجهولين أو من أقارب.
وقد ينتج عن حالات الاغتصاب حمل في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تفقد الضحية حياتها، ما يفسر بشاعة الجريمة.
ويدور نقاش عمومي واسع هذه الأيام، واهتمام من جمعيات حقوقية كبيرة، منها منظمة “ما تقيش ولدي” (لا تلمس ولدي)، التي أرجعت سبب الخط التصاعدي لاغتصاب الأطفال (3295 قضية سنة 2022) حسب ما كشف عنه مؤخرا رئيس النيابة العامة الحسن الداكي، إلى ما قالت إنه “ثغرات تشوب بعض مواد القانون الجنائي نتج عنها إصدار أحكام مخففة لصالح الجناة مع تمتيعهم بظروف التخفيف، الشيء الذي جعل المعتدين الجنسيين يمارسون اعتداءاتهم الشنيعة على الأطفال في المغرب دون التفكير في العقوبات والتبعات القانونية التي ستتبع الجرم الشنيع”.
وبينت المنظمة، في بيان، توصلت به “العرب”، أن هذه الثغرات نتج عنها “إصدار أحكام مخففة لصالح الجناة مع تمتيعهم بظروف التخفيف”.
وكشفت دراسة حديثة أنجزتها كل من جمعية “أمان” المغربية و”المبادرة العالمية للأولاد” أن أكثر المتعرضين للاستغلال أو الاعتداء الجنسي تتراوح أعمارهم ما بين 6 و10 سنوات، وفي المتوسط 40 في المئة من الأولاد في هذه الفئة العمرية تعرضوا للإصابة أكثر من الأولاد في الفئات العمرية الأخرى، والجاني في أغلب الأحيان يكون صديق العائلة أو الأب أو زوج الأم أو أحد الأقارب.
أكثر المتعرضين للاعتداءات الجنسية تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، والجاني يكون أحيانا صديقا للعائلة
وخلصت الدراسة إلى أن غالبية مرتكبي هذا الاستغلال حاملون للجنسية المغربية: 63 في المئة استغلوا ذكورا و70 في المئة استغلوا فتيات، وهم غالبا من ذوي القربى إذ إن 36 في المئة من المستغلين هم أصدقاء للعائلة أو أقارب، ثم الأب أو زوج الأم بنسبة 31 في المئة، أو شخص له سلطة بنسبة 25 في المئة، مؤكدة أنه فيما يرتبط بالفئة العمرية لهؤلاء المستغلين فإن 47 في المئة منهم تفوق أعمارهم 18 عاما.
وحسب الدراسة، فإن الأطفال المعرضين للاستغلال والاعتداء الجنسيين كانوا كذلك ضحايا التمييز والوصم، يعانون من أمراض جنسية، وفي بعض الحالات يعانون من اضطرابات نفسية وجسدية ومعرفية، فيما بعض الأطفال الضحايا شعروا بالتهديد، ولم يتم فهمهم، وكانوا يجدون صعوبة في تطوير علاقات ثقة أو تخلى عنهم آباؤهم.
ولفت رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، إلى أنه حان الوقت لعمل المشرع المغربي على إعادة تشكيل القاعدة القانونية لأجل حماية الطفولة المغربية ووضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تمس كرامة الطفولة التي هي من كرامة الأسرة والمجتمع.
الأطفال الذين تعرضوا للاستغلال الجنسي كانوا كذلك ضحايا التمييز والوصم وفي بعض الحالات عانوا من اضطرابات نفسية
وأشار لزرق في تصريح لـ”العرب” إلى أن توالي حوادث اغتصاب وقتل الأطفال في السنوات الأخيرة، يفرض على المشرع التدخل بجعل القوانين أكثر صرامة، وتأهيل القانون الجنائي المغربي للمعاقبة على هتك العرض أو المحاولة في حقّ كلّ طفل أو طفلة، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران هتك العرض بالعنف، فيُحكم على الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة، أمّا الاغتصاب المرتكب في حقّ فتاة تقلّ سنّها عن 18 سنة، أو العاجزة أو المعوّقة أو الحامل، فيعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، وتتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممّن لهم وصاية عليها.
وبخصوص العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تزيد من تعرض الأطفال للاستغلال والاعتداء الجنسي في المغرب، أكدت الدراسة أن الأمر يعود إلى الفقر، ثم قضاء الوقت في الشارع بنسبة 36 في المئة، ثم الهدر المدرسي بنسبة 31 في المئة، أو هجرة أسر الضحايا بنسبة 28 في المئة، أو هجرة هؤلاء الأطفال للعمل بنسبة 17 في المئة.
وبحسب رئيسة جمعية “ما تقيش ولدي” (لا تلمس ولدي) نجية أديب، فإن “مكمن الخلل يكمن في الأحكام القضائية التي يكون الكثير منها مخففا، فلا تكون لها الوظيفة الردعية الكاملة، وتشجع بالدرجة الأولى على تنامي هذه الجريمة البشعة. فما دامت هناك أحكام مخففة مخجلة إن صح التعبير، فلن نجد سوى تكرار لمثل هذه الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي تحدث داخل مجتمعنا، وذلك بسبب غياب رادع قانوني صارم لثني المعتدين عن القيام بذلك”.
وأظهر تقرير حديث صادر عن رئاسة النيابة العامة تسجيل 1155 قضية تتعلق بالعنف الناتج عنه عجز يقلّ عن عشرين يوما، و465 تتعلق بالعنف الناتج عنه عجز يزيد عن عشرين يوما، و728 قضية ترتبط بإهمال الأسرة، فيما بلغت الاعتداءات الجسدية ما مجموعه 1676 قضية، أي ما يناهز 27 في المئة من مجموع الجرائم المرتكبة في حق الأطفال، و343 قضية تتعلق باختطاف قاصر أو التغرير بها، و229 قضية تتعلق باختطاف قاصر، و82 قضية تتعلق بالقدوة السيئة.

وأرجع لزرق سبب استفحال هذه الظاهرة التي تزعزع الأسرة بفعل تفاقم حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال في المغرب، إلى ضعف المنظومة القانونية المتعلقة بحماية الطفل والتساهل التشريعي مع جرائم الاعتداء الجنسي في حق الأطفال إناثا وذكورا، الشيء الذي اضطر معه القضاء إلى الاجتهاد في قضية “بيدوفيل مدينة الجديدة” حيث كيفها قانونيا باعتبارها جريمة الاتجار بالبشر، وذلك كممارسة قانونية واجتماعية أيضا تساهم في احتضان الطفل وطمأنته، وجعله يشعر بالحماية والأمان.
وقالت جمعية “ما تقيش ولدي” إن العدد الحقيقي على أرض الواقع أكثر مما تم تسجيله على مستوى رئاسة النيابة العامة في مختلف جهات المملكة، مرجعة ذلك إلى “استمرارية ظاهرة إخفاء الجرم خاصة على مستوى المجال القروي في العديد من الأقاليم”.
ودعا المصدر ذاته إلى توحيد الجهود واعتماد مخطط وطني مستعجل من أجل القضاء على هذه العلة المجتمعية التي تنخر مستقبل المملكة المغربية، وإبعاد مجال الطفولة عن المزايدات السياسية من أجل احتواء هذا الوضع لضمان حماية شاملة للطفولة المغربية.
وتقول الجمعيات الحقوقية إن الأحكام القضائية في حق الذين يقومون بالاعتداء على أطفال أبرياء تجب إعادة النظر فيها، وإصرارها على الإعدام أو الإخصاء كأدنى عقوبة، والتي تراها فعالة في الحد من انتشار اغتصاب الأطفال الأبرياء بالمغرب، بالإضافة إلى توعية الأسر والناس من خلال إعلانات وحملات تحسيسية بهذه الجريمة التي تدمر الأطفال والأسر والمجتمع.