تيار المستقبل أمام تحدي إنعاش "الحريرية السياسية"

بيروت - كشفت مصادر قريبة من تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن جدل في صفوف القيادة العليا بشأن سبل الخروج من المرحلة السابقة والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي في البلد.
وأظهر الحريري بعد لقاء جمعه بكتلته النيابية الاثنين نية للسير في توجه جديد وهو “المعارضة البناءة” بيد أنه لم يحسم موقفه لجهة الأطراف التي يمكن أن ينخرط معها في هذا التوجه، خاصة وأن علاقته مع حزب القوات اللبنانية لا تبدو في أحسن فتراتها وقال الحريري في هذا الصدد “لاحقا سنقرر كيف ومع من”.
ويعتبر المستقبل أبرز المتضررين من الزلزال الذي ضرب لبنان منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر، حيث أصابت ارتداداته مباشرة هيكل الحريرية السياسية وبيئتها الحاضنة.
وتقول المصادر إن هناك همسا يطالب بإعادة تقييم المرحلة السابقة يلامس ما يشبه النقد الذاتي. وتضيف المصادر أن تيار المستقبل دفع أثمانا غالية جراء انخراط زعيمه في التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، وأنه دفع كثيرا من رصيده الشعبي كما دفع كثيرا من رصيده لدى الحلفاء الإقليميين، لاسيما السعودية.
وكان التيار الخاسر الأكبر من قبوله بقانون انتخابات فصل ليكون على مقاس ومصلحة الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، وأن خسارة المستقبل كانت متوقعة حسابيا جراء هذا القانون، إلا أنها كانت أقوى من المتوقع شعبيا لاسيما في حواضن أساسية مثل بيروت وطرابلس.
وواضح أن تيار المستقبل أخفق في نظرية جرّ عون إلى منطق الدولة عند دخول الأخير قصر بعبدا، وأن تلك النظرية التي سوق لها، والتي لم تقنع جهات عربية داعمة، كشفت عن قصور في فهم المنظومة السياسية التي يقوم عليها تحالف التيار العوني وحزب الله منذ عام 2006، كما عن عجز في إدراك الرهانات الكبيرة التي يعوّل عليها صهر عون رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من أجل تحقيق طموحاته في خلافة عمه في رئاسة الجمهورية.
المستقبل أبرز المتضررين من الزلزال الذي ضرب لبنان منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر الماضي
وتعترف المصادر أن “مشروع” سعد الحريري في إحداث قطيعة مع 14 آذار بعد سنوات المنفى في السعودية لاقى معارضة داخل المستقبل، وأن “خطأ” القبول بتحولات الحريري منذ دعمه لترشيح سليمان فرنجية (المتحالف مع حزب الله ويعتبر نفسه صديقا شخصيا للرئيس السوري بشار الأسد) وصولا إلى دعم عون كان يعود إلى الحرص على الحفاظ على اللحمة الداخلية للمشروع السياسي الذي أنشأه الرئيس الراحل رفيق الحريري.
وتوحي أجواء داخل التيار عن امتعاض في السنوات الأخيرة من تحول “المستقبل” إلى حزب سعد الحريري بمعنى خدمة طموحاته (المشروعة بصفته رجلا سياسيا) للعودة لرئاسة الحكومة والاحتفاظ بها مهما كانت الضغوط التي تمارسها العونية السياسية بالأصالة أحيانا وبالوكالة عن حزب الله. وهناك حالة سائدة داخل المستقبل بأن هذا السلوك أبعد التيار عن قواعده السنية في البلد، والتي استشعرت بأنها دون سقف يدافع عنها، وأن الزمن يعود بها إلى ما قبل ظهور رفيق الحريري حيث كانت مهمشة من قبل الوصاية السورية.
ونقل عن أحد المصادر داخل “المستقبل” أن التيار فقد بوصلته التي أنشئ من أجلها بحيث بات التعايش مع “فائض السلاح” الذي يملكه حزب الله حنكة سياسية تستوجب تنظيم طاولات حوار صورية، وعقد تحالفات انتخابية مع الحزب في بعض الدوائر.
والحريري الذي كان يدرك ترهل تياره سارع إلى تقديم استقالته إثر اندلاع الاحتجاجات ساعيا إلى قلب الطاولة، إلا أنه خسر هذا الرهان، ليس فقط بسبب انفضاض الشركاء عنه، بل، وكما يبدو، بسبب تخلي حلفاء وأصدقاء خارج لبنان عن التمسك به في موقع رئاسة الحكومة.
وتحذر بعض المراجع من الإفراط في المبالغة في التعويل على ما سيعلنه الحريري في خطابه بمناسبة إحياء ذكرى اغتيال والده في 14 فبراير لجهة إقناع القاعدة الشعبية والحلفاء الإقليميين والدوليين بوجاهة أي تحول قد يعلن عنه.
وتقول المراجع إنه لن يكون كافيا توجيه اللوم إلى الآخرين لتبرئة الذات، كما أن التباهي بعدم دعوة التيار العوني لهذا الاحتفال سيبقى غير مفهوم في حال بقي الضباب يحيط بمشروع تيار المستقبل وطبيعة تحالفاته الداخلية.
وعلى الرغم من كثرة الحديث عن ورشة داخلية لترشيق تيار المستقبل وتطهيره من الترهل التنظيمي الداخلي، إلا أن شكوكا تدور حول قدرة الحريري، الذي سبق وأن قام بإجراء بعض التغييرات الداخلية التي اعتبرت شكلية، على إعادة وصل أوردة حزبه بـ”جمهور رفيق الحريري”، خصوصا وأن الضائقة المالية للحريري وانقطاع الدعم المالي السعودي لن يسهّلا مهمة زعيم المستقبل في استعادة جمهوره.