تونس والسعودية.. نقاط الالتقاء في الاستراتيجيات والسياسات

هو تعاون مبني على أكثر من نقطة تقاطع في مستوى الاستراتيجيات والسياسات، تبدأ من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط المشتعل، ولا تنتهي عند منبر مجلس الأمن الدولي.
الأحد 2018/10/07
الرياض تنظر إلى العاصمة التونسية بالكثير من الاهتمام الاستراتيجي

المناورات العسكرية التونسية السعودية التي بدأت الأربعاء الماضي بين القوات الجوية للبلدين، تستوجب وقفة تأمل وقراءة سياسية شاملة، لا فقط لأن المناورات هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل لارتباطها بتطور التعاون والتنسيق بين العاصمتين.

كثيرا ما ارتبط التعاون العسكري بين القوات السعودية بنظرائها في الخليج العربي أو الولايات المتحدة الأميركية، وفي بعض الأحيان يمتد التعاون إلى الأردن ودول غرب آسيا على غرار باكستان وأفغانستان، وهو أمر يعود أساسا إلى العمق الاستراتيجي لتلك المناطق بالنسبة للمملكة وارتباطها بالصراع مع النفوذ الإيراني الممتد من الشرق الأوسط إلى الضفة الغربية من القارة الآسيوية.

في المقابل تعلق التعاون العسكري التونسي في مجال التدريب أساسا بالقوات الجزائرية التي تتقاسم معها الحدود والمخاطر الأمنية، وفي أحيان أخرى بالقوات الفرنسية والأميركية حيث كثيرا ما استفادت العناصر العسكرية التونسية من التجربة المتوفرة لديهما في مجالات محاربة التنظيمات الإرهابية وخوض حروب العصابات.

لا يعني هذا البسط أن القوات التونسية لم تشارك في مناورات عسكرية مشتركة بمساهمة العديد من الجيوش الأخرى وكانت نظيرتها السعودية جزءا أساسيا منها، ولكن اقتصار التعاون والتدريب بين تونس والسعودية يستلزم وقفة تحليل عميق، تتجاوز بالضرورة البعد العسكري الذي يبقى المنطلق والأساس ولكنه ليس النهاية والمآل.

من الواضح أنّ الرياض تنظر إلى العاصمة التونسية بالكثير من الاهتمام الاستراتيجي، فليس بمحض الصدفة أن تكون تونس الدولة العربية والإسلامية الأولى التي توجه لها وزير الخارجية عادل الجبير لاستدعاء رئيسها للحضور في القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزعماء العالم الإسلامي، فلا وجود للخواطر في عالم الخرائط والدبلوماسية.

ومن البين أيضا أن الرياض لم تعد تسمح بسياسة “المقاعد الشاغرة” في الجغرافيات الإقليمية المهمة صلب مكاسرتها مع التمدد الإيراني في منطقة شمال أفريقيا خاصة، والقارة الأفريقية عامة.

ولئن سمحت سياسة اليد الرخوة لطهران بتصدير قوتها الناعمة من خلال حصان طروادة المتمثل في نشر التشيع في المغرب الأقصى وفي بعض الأماكن في الجزائر، فإن هناك رغبة سعودية حقيقية اليوم في الاستفادة من توجهات الدبلوماسية التونسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، والتي تتقاطع في الكثير من النقاط مع السياسة السعودية، قصد الاستباق إلى مناطق قد تتسرب إليها طهران في خضم اهتمام الرياض بقضايا الشرق المشتعل.

صحيح أن تونس لم تنخرط يوما ضمن صراع المحاور، وصحيح أيضا أنها في أكثر من مرة، على الأقل منذ مجيء الرئيس الباجي قائد السبسي، أكدت على التزام الدبلوماسية التونسية بتقاليدها المتمثلة في احترام الشرعية الدولية والسيادة الوطنية للدول، وهو ما جعل المواقف والتوجهات الرسمية تكون أقرب للرياض من أي عاصمة عربية وإسلامية أخرى.

فالدولة التونسية منخرطة ضمن التحالف العربي والإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي تم الإعلان عن تأسيسه من الرياض في 15 ديسمبر 2015، كما أنها تتقاسم مع السعودية معظم التصنيفات في ما يخص الجماعات الإرهابية، سواء في ما يتعلق بالتنظيم الحوثي في اليمن أو حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزّة. ولئن اختارت تونس في مارس 2016 أخذ مسافة من قرار وزراء الداخلية العرب باعتبار حزب الله كحركة إرهابية بضغط من شرائح في المجتمع المدني، فإنها رفعت هذا التحفظ في قرارات وزراء الخارجية العرب في قمة 2017، والذي صنّف الحركة منظمة إرهابية.

يضاف إلى كل هذا التقارب، الإصرار التونسي على عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل مع النظام السوري، والذي يمثل طرف النقيض مع الرياض، إلا عقب قرار عربي جامع باستئناف العلاقات العربية مع دمشق.

وإذا أضفنا إلى هذا التقاطع السياسي والدبلوماسي، أوجه التعاون الثقافي من حيث استقطاب الكفاءات العلمية والطبية التونسية والاقتصادي من حيث الاستثمارات السعودية والتبادل التجاري المهم والحجم المعتبر للجالية التونسية في المملكة، يتبين جليا أن التنسيق العسكري يجد أرضية تأسيس عميقة.

في التفاصيل، هناك إدراك سعودي بقيمة الدولة التونسية من حيث أنها البوابة الأساسية والأحسن لإعادة إعمار ليبيا بالمقارنة مع كافة دول الجوار الأخرى، وأنها المطبخ العربي لاتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية من خلال احتضانها للمقر الدائم لمجلس وزراء الداخلية العرب، وأنها أفضل جدار فكري عازل للتشيع السياسي، وقد يفسر هذا الأمر خلفيات تمويل السعودية لترميم جامع الزيتونة المعمور.

وفي العمق أيضا، يقين مزدوج متبادل بقيمة الدور السعودي في أن تظفر الدبلوماسية التونسية بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، كممثلة للدول العربية والإسلامية والأفريقية، وبالحاجة السعودية بأن يصل الخطاب التونسي القريب من الرياض حيال الأحداث الإقليمية وخاصة في ملف التدخل الإيراني والميليشيات الشيعية من صنعاء إلى بيروت إلى أروقة مجلس الأمن.

في المكاسرة السعودية والإيرانية، كل الجغرافيات مجالات صراع وكل المنصات الإقليمية والدولية حلبات نزاع، وحتى مواقف التفهم والتأييد الناعم تصبح بيضة قبان إستراتيجية في سبيل تجيير الرأي العام الدولي وراء هذا التوجه أو ذاك، وهو بالضبط ما تريده السعودية من الدبلوماسية التونسية في مجلس الأمن الدولي. أما ما تريده تونس من السعودية فهو دعم لتوجهاتها الإقليمية في القارة الأفريقية، حيث تحظى الرياض بوجود استثماري معتبر وتطوير في العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي لا سيما مع الإمارات حيث تعرف العلاقات التونسية معها مدّا وجزرا.

هكذا يمكننا أن نفهم أسس المناورات العسكرية بين تونس والسعودية، وهو تعاون مبني على أكثر من نقطة تقاطع في مستوى الاستراتيجيات والسياسات، تبدأ من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط المشتعل، ولا تنتهي عند منبر مجلس الأمن الدولي.

2