تونس.. رسائل الشاهد للأب والابن والحزب

عندما تعجز الطبقة السياسية عن طرح أجوبة دقيقة ومحددة عن أسئلة المرحلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتقديم الاستراتيجيات الفعالة والسياسات الناجعة والناجحة والملموسة على أرض الواقع، فإنّ سؤال تونس إلى أين يصير من أكثر الأسئلة تداولا ليس فقط لدى الرأي العام المحلي، بل في أوساط المتابعين والمحللين وفي بعض الأحيان لدى الفاعلين الرسميين.
ذلك أنّ تعقيدا شائكا ومتشابكا بات ينسحب على معظم مفاصل المشهد المحليّ، فالأزمة السياسية الحالية يبدو أنّها تتجه نحو المزيد من الاستعصاء الهيكلي، والوضع الاجتماعي يمر بأصعب مراحله على مدى عقود ابتداء من نسب البطالة والجريمة وليس انتهاء بمعدلات الانتحار والهجرة غير الشرعية، أمّا السياق الاقتصادي فالناظر إلى تضخم الأسعار وانحدار سعر العملة والمديونية القائمة والقادمة سيصل إلى نتيجة مفادها أنّ البلاد تعيش وضعية جد حرجة إن رمنا تلطيف المفاهيم والمصطلحات.
المفارقة أنّ خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد الليلة قبل الماضية، زاد من منسوب القلق أكثر من تقديم جرعات أمل للرأي العام. فالخطاب أبان عن إشكاليات جدّ خطيرة وصلت إلى حدّ الاتهامات بالتقصير والقصور كالها الشاهد مباشرة لنجل الرئيس التونسي، حافظ قائد السبسي، إضافة إلى توصيف سياسي لواقع حزب نداء تونس هو أقرب ما يكون إلى تحميل المسؤولية منه إلى التشخيص.
حيث اعتبر الشاهد أنّ الحزب بنسخته الحالية لم يعد الحزب القديم الذي جمع بين جناحيه مختلف الأطياف والأطراف السياسية، وأنّ محنة النداء باتت اليوم محنة حكومة وأزمة دولة.
من الواضح أنّ الخطاب هو خطاب لا عودة من الشاهد حيال النداء في صبغته الحالية وحيال علاقته مع السبسي النجل، ولن نجانب الصواب إن قلنا بأنّ يوسف الشاهد سعى إلى قلب الطاولة عليه، أي على حافظ قائد السبسي، من خلال حشره في الزاوية وتأليب الندائيين المؤيدين للسبسي الرئيس ضده، عبر الإشارة إلى حكمة الأخير ورفضه إسقاط الحكومة.
يدرك الشاهد أنّ شرعية السبسي الابن من شرعية السبسي الأب، وانّ مكانة حافظ في النداء ما كان لها أن تكون بتلك الحظوة والثقل لولا الوزن الاعتباري والرمزي لأبيه، وبالتالي فتحجيم الفرع لا يكون إلا بتحييده عن الأصل، وهو ما أصرّ على فعله الشاهد في خطابه.
وعوضا عن عزل الشاهد وإسقاط حكومته، سعى الأخير إلى محاصرة حافظ ومجموعته، وتحويلهم إلى أقلية حزبيّة ضيقة من دون شرعية حقيقة سواء داخل مركزية الحزب أو في القواعد.
والتقدير أنّ رسالة الشاهد التلفزيونية كانت متجهة أساسا إلى قيادات النداء وقواعده أولا، وإلى الكتلة النيابية الندائية في البرلمان ثانيا وهي صمّام الأمان بالنسبة له، سيما وأنّه يدرك أنّه عاجز عن الحكم من دون حزام برلماني واسع من النهضة والنداء.
رسالة الشاهد التلفزيونية كانت متجهة أساسا إلى قيادات النداء وقواعده أولا، وإلى الكتلة النيابية الندائية في البرلمان ثانيا وهي صمّام الأمان بالنسبة له، سيما وأنّه يدرك أنّه عاجز عن الحكم من دون حزام برلماني واسع من النهضة والنداء
أما بالنسبة للقيادات والقواعد الندائية، فإن أهمية الشاهد تكمن بأنه ابن الحزب والابن الشرعي لأب الحزب (السبسي الكبير)، ولن يكون تابعا لحركة النهضة، وأنّ الحضن الندائي هو القادر الوحيد على كفّ جلباب النهضة الذي يمتدّ على ظهره وبدأ يلفّه ويطوّقه بإحكام.
أمّا رسالته للكتلة الندائية، فصبت في شقين اثنين، الأوّل التنبيه بأنّ سياسات حافظ هي التي أفضت إلى خسارة الحزب التقدم البرلماني وكأن لسان حاله يقول إنّ انشقاقه في حال سقوط حكومته قد يؤدي إلى تصدع ندائي كبير، والثاني أنّه من الخطير تحويل حكومة سياسية برئاسة النداء إلى حكومة تسيير أعمال، وأنّ سياسة وضع العصا في عجلة الحكومة الحالية لن تفيد أحدا وستكون لها أخطار على النداء قبل الأحزاب الأخرى.
يلوح في الأفق السياسي للحكومة، ثلاث مخاطر كبرى. السيناريو الأوّل متمثّل في سيناريو البطة العرجاء حيث تفقد الحكومة الغالبية في البرلمان وقد حاول الشاهد تبديد هذا الكابوس بالسعي إلى استجلاب تأييد الكتلة النيابية وإلحاقها بقرارات السبسي الأب وخياراته، والثاني متشكل في انسداد أبواب التفاوض الاجتماعي وقد رمى إلى إجلائه عبر تأكيد على سياسة الأيادي المفتوحة، لا يبدو أنّ المنظمة الشغيلة مرتاحة لهذا الخطاب. والثالث سيناريو الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة وقد حاول تقويضه من خلال التأكيد على الاستحقاقات الانتخابية القادمة للحكومة القائمة، سيما وأنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دخلت في أزمة قيادة جديدة.
هل سينجح الشاهد في مسعاه السياسي هذا، خاصة منه ذلك المتعلق بتحييد الأب عن الابن، وبتثوير الحزب عن الابن، هل ستضعه هذه الخطوة على مقربة من الأحزاب المنشقة عن النداء أم أنها ستتركه رهين الاجتماعات الرمضانية الليلية بين الشيخ والأستاذ؟