تونس تودّع ذاكرتها السينمائية خميس الخياطي

أغلب الأجيال الجديدة من عشاق السينما في تونس كانت لهم المصافحة الأولى مع عوالم السينما ونقد الأفلام مع برامج الناقد التونسي خميس الخياطي، الذي خط لنفسه تجربة طويلة في عالم الثقافة والفن والصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، مركزا بشكل خاص على السينما في ما قدمه من مواد إعلامية أو كتب نقدية وتوثيقية. وبرحيله تفقد الساحة السينمائية التونسية واحدا من أبرز رموزها.
ودّعت الساحة الثقافية والإعلامية التونسية الأربعاء الناقد السينمائي والكاتب الصحافي والإعلامي خميس الخياطي إلى مثواه الأخير، بعد إعلان وفاته الثلاثاء.
وذكرت وزارة الثقافة أن الراحل من أبرز الناشطين في نوادي السينما التي أسسها الطاهر شريعة، والتي أسهمت في نحت توجهه الفكري والفني والذوقي في عالم السينما والصورة الفوتوغرافية، إذ أقام عدة معارض لصور فوتوغرافية بعدسته، وخط له تجربة بارزة في عالم النقد والسينما.
تجربة راسخة
الخياطي بنى تجربة فريدة تجمع بين الكتابة النقدية والبرامج السمعية - البصرية المخصصة للفن السينمائي
ولد خميس الخياطي بمنطقة القصور في محافظة الكاف (شمال غرب تونس) في العاشر من ديسمبر 1946، وحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من فرنسا حول سينما صلاح أبوسيف، وعمل إلى سن التقاعد في إذاعة فرنسا الثقافية، وقدم العديد من البرامج حول السينما في التلفزة التونسية وكتب مقالات في النقد السينمائي في عدة صحف.
كما عمل بالقناة التلفزيونية الفرنسية الثالثة، وأدار المكتب الصحفي والاتصالي لمعهد العالم العربي بباريس، قبل أن يقرر العودة إلى تونس في بداية تسعينات القرن الماضي، ليلتحق بالقناة الوطنية معدا ومقدما لعدة برامج تهتم بالسينما التونسية والعربية والعالمية.
وكان الخياطي عضوا بهيئة تحرير مجلة “اليوم السابع” التي كانت تضم أقلاما مهمة مثل بيار أبي صعب ومحمود درويش وكاظم جهاد وغيرهم، وعضوا في نقابة كتاب السينما بفرنسا وفي لجنة اختيار الأفلام لأسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي.
وأصدر الخياطي مجموعة من الكتب باللغتين العربية والفرنسية عددها 15 كتابا منها “فلسطين والسينما، النقد السينمائي” عام 1982، و”عن السينما المصرية” عام 1985، و”صلاح أبوسيف” عام 1995، و”يائسًا من الصورة” عام 2002، و”تسريب الرمل” عام 2006، و”من ذاكرة أيام قرطاج السينمائية” عام 2016، الذي صدر عن المركز الوطني للسينما والصورة بمناسبة الاحتفال بخمسينية السينما التونسية.
ونعت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الراحل، مشيرة إلى أنه صحافي متخصص في السينما والشؤون السمعية – البصرية، عمل في عدد من وسائل الإعلام (المكتوبة والسمعية والبصرية) الفرنسية والعربية والتونسية وصدر له عدد من المؤلفات عن السينما والإنتاج السمعي – البصري والصورة المتحركة باللغتين العربية والفرنسية.
ويعتبر الخياطي واحدا من أهم النقاد الذين تربطهم علاقة وطيدة بالفنانين والمخرجين المصريين، كما أنه يعتبر من أهم الأقلام التونسية التي كتبت عن السينما المصرية.
ونعت الراحل المكتبة السينمائية التونسية علاوة على العديد من المؤسسات خارج تونس على غرار مهرجان القاهرة السينمائي الذي ذكر في بيان له أن “الراحل من أبرز النقاد السينمائيين العرب والناشطين في نوادي السينما العربية والعالمية وله إسهامات عديدة فى الحركة النقدية، حيث أصدر مجموعة من الكتب باللغتين العربية والفرنسية”.
مواقف الناقد
كان للخياطي موقف مهم من تمرير خطاب التطرف، كشف عنه في كتابه “تسريب الرمل”، الصادر عن دار سحر تونس 2006، الذي انتقد الخطاب السلفي في الفضائيات العربية، وقدم للكتاب رجل المسرح التونسي البارز فاضل الجعايبي، وقد أشار فيه إلى أن غياب الحرية والشفافية والحراك السياسي يهدد بهجرة المشاهدين إلى قنوات تمرر رسائل سلفية، “إلا أن هذا البديل، أي الخطاب السلفي الحاضر بكثافة على الفضائيات جراء غياب الحرية من جهة والغلاف الاتصالي البراق من جهة ثانية والاعتماد على قوة مالية صلبة وعلاقة أخطبوطية من جهة ثالثة، وجد صداه لدى شرائح مختلفة من المجتمع العربي.. شرائح فقدت الثقة في حكوماتها وفي مثقفيها فانجرفت وراء سراب الصحارى”.
ويعتبر رحيل الخياطي المفاجئ خسارة كبرى للساحة الثقافية والإعلامية التونسية والعربية وخاصة للإعلام الثقافي المتخصص وللنقد السينمائي، حيث كان الفقيد بمثابة ذاكرة للفن السابع في تونس والمنطقة العربية والأفريقية مع انفتاحه على السينما العالمية وإلمامه بتجارب كبار المخرجين وبمجمل القضايا الإنسانية التي تطرقت إليها أفلامهم.
وقال الناقد المصري طارق الشناوي “برحيل الناقد التونسي الكبير خميس الخياطي تفقد السينما العربية إحدى أهم علاماتها النقدية والبحثية في نصف القرن الأخير”، وأضاف “الأستاذ خميس له مئات من الحوارات والمقالات العميقة والملهمة التي أتمنى أن تصدر في عدة كتب قادمة، كما أتمنى أن كل المهرجانات العربية تحتفي بخميس الخياطي”.
وسيبقى للخياطي حضوره اللامع والعالي في المشهد الثقافي التونسي وخاصة في مجال نقد السينما والتأريخ لمنجزها الذي كان للراحل الكبير دور مهم في توثيقه وتقييمه وتصنيفه بمقاييس الذوق والمعرفة وأدوات التحليل النقدي العلمي المتطور بقدرته على تفكيك الصورة الذي طالما كان الاهتمام الأبرز لدى الخياطي.