تونس تواجه شح المياه مع اقتراب حر الصيف

انقطاعات متكررة وتحلية مياه البحر لا تكفي لتجاوز الأزمة.
السبت 2022/04/30
عطش الإنسان والحيوان

يعيش الوطن العربي أزمة مياه شرب بسبب الجفاف والاستهلاك المفرط للطبقة المائية الجوفية، وأمام هذا العطش المتزايد بسبب كثافة السكان وندرة الأمطار، تتهاون الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية على تونس في حل هذه المعضلة التي تزداد سوءا خاصة في محافظات الوسط والجنوب.

تونس - تصطدم السلطات التونسية بتحدي ندرة المياه بسبب شحّ الأمطار مع اقتراب حرّ فصل الصيف، حيث تشكو عدة مناطق من البلاد وخصوصا في جنوبها، من انقطاع متكرر لمياه الشرب عن السكان يتواصل لفترات طويلة أحيانا.

ويطرح تراجع الموارد المائية كيفية تعامل السلطات مع الاضطرابات المتواصلة والانقطاع اليومي لمياه الشرب في مختلف المناطق فضلا عن الاستراتيجيات المتبعة في ذلك، خصوصا مع تزايد الرهانات على الماء.

وفشلت حكومات ما بعد ثورة يناير 2011 في إيجاد حلول تقي سكان المناطق النائية بصفة خاصة من الجفاف والعطش وندرة المياه وانعدامها في أحيان كثيرة.

وتعاني مناطق عدة في تونس، خصوصا في جنوبها، من ندرة المياه التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب قلة الأمطار، ما يتسبب في انقطاع المياه أحيانا عن السكان فترات طويلة قد تتجاوز الشهر.

وتعتبر محافظة صفاقس إحدى أكثر المناطق التي تعاني من نقص في موارد المياه. وهو ما تعرفه مناطق كثيرة جنوبي تونس، لذا تبحث الحكومة عن حلول غير تقليدية لتعزيز موارد المياه، بينها تحلية مياه البحر.

وأنشأت أول محطة محلية لتحلية المياه في منطقة جربة (جنوب)، ودخلت في الخدمة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وتلتها محطة ثانية لتحلية مياه البحر في منطقة قابس التي لا تزال في طور الإنجاز، ثم أطلق أخيرا مشروع إنشاء محطة لتحلية مياه البحر في محافظة صفاقس التي تصل احتياجاتها من المياه الصالحة للشرب إلى 150 ألف لتر مكعب يوميا خلال فترة الذروة في الصيف، في حين تقدر الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه احتياجات المنطقة بنحو 125 ألف لتر مكعب يوميا، أي بنقص يقدر بأكثر من 20 ألف لتر مكعب يوميا.

محطات ضرورية
محطات ضرورية 

ودعا مراقبون إلى ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز هذه الأزمة التي ستتسبب في تزايد عطش السكان، وشدّد هؤلاء على وجوب توفر إرادة سياسية لازمة تضع خططا وبرامج واضحة لتوفير الماء للمواطنين.

وأفادت روضة القفراج الخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية أن "الوضعية لا يمكن أن تتغير في مدة قصيرة، وربما قد تتفاقم الأزمة مع اقتراب فصل الصيف، ويبدو أن الدولة لا تملك حلولا جذرية للاضطرابات المسجلة في توزيع المياه".

وأضافت لـ"العرب"، "منذ ما يزيد عن 10 سنوات ونحن ننبّه من التغيرات المناخية، وأمامنا تحديات كبيرة في ظل التصرف المختلف في المياه، وبعض محافظات الجنوب تشكو نقصا حادّا، وشركة استغلال وتوزيع المياه تستغل الماء في السدود التي لا تحتوي الكميات الكافية من المياه".

وأشارت إلى أنه "لا توجد إرادة سياسية واضحة وحوكمة لمعالجة هذه المشكلة، ووضع الماء في تأزم متواصل وإيجاد الحلول أمر صعب في ظلّ سوء إدارة الموارد المائية والمالية"، مؤكّدة أنه "يجب تخصيص موارد مالية لصيانة المنشآت المائية وإعادة هيكلتها".

ضرورة ترشيد الاستهلاك الشخصي للماء والمحافظة عليه، والبحث عن موارد مائية جديدة على غرار تحلية مياه البحر

ودعت الخبيرة إلى "ضرورة ترشيد الاستهلاك الشخصي للماء والمحافظة عليه، والبحث عن موارد مائية جديدة على غرار تحلية مياه البحر التي يجب أن تكون موجّهة وتتطلب تجهيزات عصرية لتجنّب تلويث البحر والمحافظة على الثروة الحيوانية، في ظلّ ندرة التساقطات وشحّ الأمطار".

وقال عامر الجريدي الخبير في شؤون البيئة والاستدامة إن "ندرة المياه مسألة مزمنة في تونس باعتبارها تشكو الشحّ المائي بسبب ندرة الأمطار وتزايد الطلب على الماء في الزراعة والصناعة والسياحة والاستهلاك اليومي مع التزايد السكاني والتبذير المائي والتغيرات المناخية واستنزاف الموارد المائية السطحية والتحت-أرضية والعميقة وغياب استراتيجية صارمة لتعبئة الموارد المائية والتصرف الرشيد فيها".

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن "الأزمة تتفاقم في كلّ فصل صيف، ولم يعد جنوب البلاد يشكو شحّ المياه، بل أصبح وسطها وساحلها متضرّرا من ندرة الأمطار، وأمام هذه الأزمة المائية، تجد السلطات نفسها في حيرة من أمرها في ظلّ احتجاجات المواطنين وتشكياتهم المشروعة وتلجأ إلى الحلول الآنية التي لا تحلّ المشكلة".

وأردف الجريدي “لعلّ الحلّ يكمن في تحلية مياه البحر التي لا تزال في بداياتها في تونس ولا تعوّض النقص الحاصل في الاحتياجات من المياه العذبة، وهو الحلّ الذي لا مهرب منه في أسرع وقت، ويتطلب تعبئة موارد في ميزانية الدولة هي محدودة أصلا مع الأزمة التنموية (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية) المزمنة وغياب سياسة بيئية تؤسس لرؤية تنموية مستدامة، وهذا التوجّه هو الكفيل الوحيد لضمان الحدّ الأدنى من حاجة البلاد والسكان للماء، ولا حلّ للمستقبل المائي والسيادة المائية غير إرادة سياسية وسياسة بيئية ورؤية تنموية واستراتيجية تصرف رشيد في المياه وبرنامج عملي يؤمّن حاجة المواطنين لهذا المورد الذي دونه لا حياة ولا تنمية ولا استدامة”.

إجهاد من أجل شربة الماء
إجهاد من أجل شربة الماء 

وسبق أن أعلن المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مصباح الهلالي أن المحافظات الكبرى في تونس ستواجه صعوبات في توفير المياه الصالحة للشرب هذا الصيف، وقد تصل إلى عجز مائي كامل عام 2023 نتيجة الجفاف وضعف إيرادات سدود الشمال التي تزود في الأساس محافظات إقليم تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) بالمياه.

وباشرت تونس منذ عام 2015 العمل بحلول بديلة لتوفير المياه، بينها إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصا في مناطق الجنوب.

وأعطت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان مطلع هذا الشهر إشارة انطلاق أعمال إنجاز محطة لتحلية مياه البحر في منطقة قرقور جنوب صفاقس بعدما تعطل تنفيذ المشروع بسبب شبهات بالفساد.

مراقبون يشددون على إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز أزمة المياه التي ستتسبب في تزايد عطش السكان

ويعتبر مشروع محطة تحلية مياه البحر في صفاقس أحد المشاريع الضخمة في البلاد بكلفة تتجاوز 210 ملايين دولار، وسيوفر في مرحلة أولى كمية مئة ألف متر مكعب من المياه الخاضعة للتحلية يوميا، وصولا إلى 200 ألف متر مكعب يوميا في المرحلة الثانية.

وأفادت الجهات الرسمية بأنّ الحل غير التقليدي لتوفير المياه يتمثل في اللجوء إلى تحلية مياه البحر، ونظرا إلى الكلفة العالية لهذه المشاريع تحتاج الدولة إلى دعم في التمويل من شركات خارجية وجهات أجنبية.

وتُصنّف تونس بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش. ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا. وتتزامن ظاهرة اضطراب المياه في تونس مع تحذيرات دولية من موجة جفاف تهدد البلاد.

الأرض تغير لونها جراء الجفاف
الأرض تغير لونها جراء الجفاف 

18