تونس تلجأ إلى سوق الدين المحلية لردم فجوة عجز الموازنة

يشكل تمويل عجز الموازنة التونسية أحد أكبر التحديات التي تواجه السلطات في ظل التغييرات التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أسبوعين، رغم بروز مساع لطرح سندات جديدة في السوق المحلية لمعالجة جزء من الاختلالات المالية المزمنة يرى خبراء أنها لن تحل المشكلة من جذورها.
تونس – أعلنت وزارة المالية أنها ستطرح سندات في السوق المحلية خلال الفترة القليلة المقبلة، وهي استكمال للجولة الأولى من العملية التي تمت قبل أشهر من أجل تمويل عجز الموازنة لهذا العام والمتوقع أن يبلغ 2.5 مليار دولار.
ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى المكلفة بتسيير وزارة الاقتصاد والماليّة سهام بوغديري نمصية قولها إن إنجاح العملية “يعتبر واجبا وطنيا تحتّمه المرحلة الصعبة التّي تمرّ بها البلاد”.
ورغم أنها لم تكشف عن حجم الطرح إلا أنها طالبت القطاع المالي والبنوك والأفراد والشركات بالمشاركة في هذا الطرح لمعاضدة مجهود الدولة في تعبئة موارد إضافية للموازنة.
وللعام السادس على التوالي تقوم السلطات بطرح سندات محلية لمواجهة مشكلة العجز في الموازنة السنوية بعد أن كانت آخر مرة يتم فيها ذلك خلال العام 1986 وقبل ذلك في العام 1964.
والاكتتاب المحلي هو عملية مالية تتم بين الدولة ورجال الأعمال والمؤسسات لشراء سندات من الدولة، بدلا من الاستثمار في البنوك، وعلى إثر ذلك تقوم الدولة بتسديد تلك الأموال لأصحابها مع نسبة العوائد المحددة بموجب الإصدار.
وكانت حكومة هشام المشيشي المقالة قد جمعت في أول طرح للسندات هذا العام والذي تم في يونيو الماضي حوالي 716.5 مليون دينار (256.9 مليون دولار)، وهو رقم اعتبره محللون ضئيلا بسبب عدم إقبال الأفراد المستثمرين على الإصدار نتيجة الأخطار التي قد يواجهونها بالنظر إلى ضبابية الوضع الاقتصادي للبلاد.
2.5 مليار دولار هو قيمة العجز المتوقع في موازنة 2021 بحسب التقديرات الرسمية
وقالت وزارة المالية في بيان إن “عمليّة الاكتتاب في الطرح الثاني من السندات ستكون بالشروط ذاتها للطرح الأول لاسيما على مستوى الأصناف ومدة السداد والفوائد وذلك حسب الأمر المتعلق بضبط شروط الإصدار والسداد”.
وتتراوح مدة السداد بين 5 و7 سنوات وتسدد الفوائد سنويا بحلول الأجل وهي تتراوح بين 8.7 و8.9 في المئة. وسددت تونس في أواخر يوليو الماضي قرضا أميركيا حصلت عليه في العام 2014 لسد عجز الموازنة، بقيمة 506 ملايين دولار.
وتعيش تونس إحدى أسوأ فتراتها الاقتصادية، بينما يسجل الدين العام مستويات تقترب من نحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري أي ما يعادل نحو 35 مليار دولار.
وشكلت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي بإقالة المشيشي وتجميد عمل البرلمان نقطة تحول مفصلية لبلد يعاني من أزمات متلاحقة منذ عشر سنوات انعكست على معيشة التونسيين في شكل غلاء الأسعار والخدمات وتعثر العديد من القطاعات الإنتاجية.
ويقول سعيّد إن تدابيره الاستثنائية مؤقتة وإنه اتخذها لـ”إنقاذ الدولة التونسية” إثر احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
وإثر هذه الخطوة، خفضت وكالة فيتش التصنيف السيادي لتونس من بي إلى بي سالب وهو ما يعني أنها بلد غير جدير بالاستثمار.
وقالت الوكالة حينها إن “الإجراءات قد تقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم تونس وامتداد الأزمة السياسية من شأنه أن يزيد في إرباك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج التمويل الجديد متعدد السنوات”.
ومنذ ذلك الحين ازدادت احتمالات تزعزع الثقة في المتانة المالية لتونس وعدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية نتيجة الرؤية الضبابية التي خلفتها التطورات السياسية المتسارعة في البلاد والتي أثرت بشكل لافت على قيمة السندات السيادية المقومة بالدولار.
وتعاني تونس أصلا من تحديات اقتصادية أذكتها جائحة كورونا بسبب السياسات الحكومية المرتبكة، مما نجم عنها تراجع الإيرادات وارتفاع النفقات، في وقت تذبذب فيه سعر صرف الدينار التونسي ضمن نطاق ضيق نزولا بنسبة 0.3 في المئة.وتراجعت قيمة السندات الصادرة عن المركزي بالعملة الصعبة إلى مستوى قياسي متأثرة بالقرارات التي اتخذها سعيد.
وأظهرت بيانات رسمية تراجع احتياطيات تونس من النقد الأجنبي بنسبة 2.8 في المئة إلى 20.5 مليار دينار (7.41 مليار دولار) في نهاية يوليو الماضي، من 7.6 مليار دولار في نهاية يونيو.
وذكر البنك المركزي التونسي الذي أبقى على سعر الفائدة الرئيسية دون تغيير عند 6.25 في المئة هذا الشهر في تقريره الشهري نشره مطلع أغسطس الجاري أن احتياطيات النقد الأجنبي تكفي تغطية واردات البلاد لمدة 129 يوما، انخفاضا من تغطية لمدة 140 يوما كما في نهاية الشهر السابق له.
وعزا المركزي تراجع الاحتياطي من العملة إلى انخفاض تعبئة الموارد بالعملة الأجنبية في شكل قروض واستثمار أجنبي، إضافة إلى “سداد جزء من الدين الخارجي خلال شهر يوليو 2021، ما انعكس على توازن المدفوعات الخارجية”.
ووفقا للبيانات، فقد تقلّص العجز في الحساب الجاري خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي ليصبح في حدود 3.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 3.9 في المئة قبل سنة.
وتعتمد النظرة المستقبلية لتونس جزئيا على قدرتها على تدبير تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، لكن المسار يبدو صعبا خاصة وأن لديها سابقتين منذ 2011 ولم تتمكن الحكومات في ذلك الوقت عمن استكمال الإصلاحات من أجل الحصول على الشرائح المتبقية من التمويلات.
وتسعى تونس للحصول على قرض مدته ثلاث سنوات بقيمة أربعة مليارات دولار للمساعدة في استقرار وضع ميزان المدفوعات بعد اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي.