تونس تستعد لمهرجان الأغنية بأسئلة الواقع والآفاق

كثفت إدارة مهرجان الأغنية التونسية تحركاتها من أجل تنظيم دورة جديدة ناجحة تقدم الإضافة إلى الساحة الغنائية والموسيقية في تونس عبر أغان ومواهب تعيد إلى الموسيقى المحلية حضورها في المجتمع الذي أثر انتشار الأنماط الموسيقية الغربية والهجينة في ذائقته الفنية، والذي بدوره ساهم في إفراغ الساحة من أسماء قوية قادرة على المنافسة عربيا.
تستعد تونس لتنظيم الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية في الفترة من السابع وحتى الحادي عشر من مارس القادم، في ظل اتساع دائرة التساؤل حول واقع وآفاق الفن التونسي الأصيل بعد أن تعرض لعملية تهميش متعمد من قبل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وعرف تراجعا للإنتاج بسبب انهيار تام لمنظومة الإنتاج العمومي وإغلاق الشركات الخاصة وإهمال الحقوق المادية والمعنوية للمؤلفين والملحنين.
ويتطلع المسؤولون عن الدورة الجديدة إلى تحديد رؤية تخترق الواقع، يتم من خلالها تكريس ملامح خطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك انطلاقا من كون الأغنية تعبّر عن الوجدان الشعبي العام وتؤرخ لحركة المجتمع وتساهم بدور كبير في الحفاظ على خصوصيات الهوية الوطنية التي يكاد عقدها ينفرط عبر الذوبان في الثقافات الوافدة والهجينة.
وستعرض الدورة الجديدة لمهرجان الأغنية أنشطة متعددة من بينها استضافة نخبة من جيل المخضرمين الذي عايش الدورات السابقة وتكريمه، وتمكن من تقديم إنتاجات غنائية تنهل من ينابيع المقامات والإيقاعات واللهجات المحلية، بالإضافة إلى مسابقتي الأغنية التونسية والأغاني المنخرطة في الأنماط الجديدة.
وترشح نحو 102 من الأعمال الغنائية للمشاركة في مسابقة الأغنية التونسية جرى فرزها واختيار 14 أغنية منها، وهي "هسّس عليّ" كلمات وألحان وتوزيع قيس الزائري وأداء عزالدين خلفة، و"تعبت" كلمات يسر الحمزاوي وألحان غانم البوسليمي وتوزيع مروان الزائدي وغناء أمير الخماسي، و"ما ننساش" كلمات وألحان عبدالرحمن القريشي وتوزيع أسامة المهيدي وغناء حمزة الفضلاوي، و"نغني" كلمات سيرين الشكيلي وألحان وتوزيع محمد علي كمون وغناء مريم العثماني وأسامة النابلي.
كما تضم القائمة أغنية "نادت عليّ باسمي" كلمات وألحان الحبيب المحنوش وتوزيع منير الغضاب وغناء حاتم نورالدين، و"محتاجة ليك" كلمات بشير اللقاني وألحان وتوزيع محسن الماطري وغناء نهلة الشعباني، و"دنيا الحب" كلمات بشير اللقاني وألحان حافظ العبيدي وغناء خامس الذوادي، و"منايا" كلمات بشير اللقاني وألحان نجيب المسلماني وتوزيع منير الغضاب وغناء منير المهدي، و"ظنيت نسيت" كلمات المولدي حسين وألحان خالد سلامة وتوزيع محمد الرواتبي وغناء رؤوف عبدالمجيد، و"توحشتك برشة" كلمات صادق شرف وألحان الحبيب المحنوش وغناء ردينة بن حسن، و"زعمة هي" كلمات حاتم القيزاني وألحان محمد علي بالشيخ وتوزيع عماد قنطارة وأداء محمد العايدي.
وتشمل لائحة الأغاني المبرمجة لسباق الأغنية التونسية أيضا أغنية "سلامي خذيه" كلمات مختار العلوي وألحان أنيس المليتي وتوزيع رواد رحومة وأداء سارة بن شيخة، و"أعاتبك" كلمات مصطفى بهية وألحان نجيب المسلماني وتوزيع رياض الصمعي وأداء أميرة عامر، و"غناية لبابا" كلمات صلاح الدين بوزيان وألحان لطفي بوشناق وغناء مهدي العياشي.
ويمكن من القائمة المذكورة ملاحظة حضور عدد من شعراء الأغنية المخضرمين الذين سبق وأن شاركوا في الدورات العشرين السابقة مثل الحبيب المحنوش وحاتم القيزاني وبشير اللقاني، مع سيطرة واضحة للأصوات الجديدة على مستوى الأداء.
أما في مسابقة الأنماط الموسيقية الجديدة فقد اختارت لجنة الانتقاء ثمانية أعمال هي "القلب الصافي" لمريم عزيزي من كلماتها وألحانها وتوزيع محسن الماطري، و"كلام الرجالة" لأحمد عنتر وعبدالله الخياط وهي من كلمات وألحان مشترك بين الفنانين عنتر والخياط، و”مرايا” لمحمد علي شبيل، وهي من كلمات سيرين شكيلي وألحان وتوزيع محمد بن صالحة، و"خليني نتنفس" لسحر مزيد من كلماتها وألحانها وتوزيع سفيان الحيدوري، و"روحي وين" لمحمد علي الطاهر كلمات وألحان صبري الحاجي وتوزيع أسامة المهيدي، و"ملامة عشقة" لبلال المطماطي من كلماته وألحان وتوزيع محي الدين قدور.
كما تشارك أغنية "سبعة سنين" لنور عمار وهي من كلماتها وألحانها وتوزيع عبدالمنعم عمار، و"مكتوب" لشيماء بن حسن من كلمات وألحان حاتم القيزاني، و"حكى لي بالليل" لأنيس الدريدي كلمات سيف الدين اللواتي وألحان أنيس الدريدي وتوزيع رشاد الأشهب، و”أداني زهري ” لحمدي السعفي من كلماته وألحانه وتوزيع محمد رياض بلغيث.
وستتوزع حفلات المهرجان على ثلاث سهرات إلى جانب سهرتي الافتتاح والاختتام، وستشهد استقبال عدد من ضيوف الشرف من الخارج ومن المناطق الداخلية للبلاد، فيما يجمع أغلب المراقبين على أن أهم ما يميز الدورة الجديدة هو وعي القائمين عليها بضرورة انتهاج سياسة إنقاذ لملامح الأغنية التونسية الأصيلة وخصوصياتها.
وفي ديسمبر الماضي، كلّفت وزارة الشؤون الثقافية محمد الهادي الجويني بمهامّ رئيس لجنة تنظيم الدّورة 21 لمهرجان الأغنية التّونسية، وذلك عوضا عن المطربة التونسية نبيهة كراولي التي أعلنت استقالتها من إدارة المهرجان قائلة إنها تتحفظ على تقديم الأسباب التي دفعتها للاستقالة. وكانت الفنانة أكدت أنها قبلت في فبراير 2022 بتولي مهمة إدارة المهرجان بعد حصولها على تطمينات من قبل سلطة الإشراف، لكنها اصطدمت بالواقع ووجدت عدة عراقيل وصعوبات.
ويعتبر الجويني، أحد أبرز الكوادر الإدارية بوزارة الشؤون الثقافية، وقد تولى عددا من المسؤوليات خلال العقدين الماضيين، وتم في يوليو الماضي تعيينه في رتبة متصرف رئيس للمصالح الثقافية، مديرا عاما لمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة.
وآلت الإدارة الفنية لهذه الدورة للفنان الملحن عادل بندقة الذي دشن تجربته الموسيقية منذ ثمانينات القرن الماضي، وقدم العشرات من الأعمال الغنائية بأصوات نجوم الأغنية التونسية البارزين، وكان آخر أعماله عرض "الخلد للفنان" الذي حظي بإعجاب النقاد بعد تقديمه على مسرح مدينة الثقافة.
◙ أغلب المتابعين يراهنون على أن تكون الدورة القادمة مفصلية في مسيرة المهرجان، وأن تقدم وجوها جديدة
وتأسس مهرجان الأغنية التونسية في العام 1986، وكانت دوراته الأولى شاهدة على تنوع مسارات الإنتاج الغنائي والموسيقى في البلاد وتعددها عندما كان يحتضن مشاركات الفرقة الموسيقية للإذاعة والتلفزة التونسية وفرقة إذاعة صفاقس والفرقة الوطنية للموسيقى، وفتح ذراعيه لأبرز الأصوات في تونس مثل لطفي بوشناق وأمينة فاخت وصوفية صادق وصابر الرباعي وعدنان الشواشي وصلاح مصباح والشاذلي الحاجي وغيرهم.
وفي 2010 تم تحويله إلى أيام قرطاج الموسيقية، لكن لوحظ أن هوية مهرجان الأغنية قد تعرضت للمسخ بسبب سيطرة المدارس الموسيقية الشبابية الوافدة والتغييب التام للخصوصيات المحلية التي ارتبطت باللون الغنائي لأساطين الطرب التونسي كصليحة وعلي الرياحي والهادي الجويني ومحمد الجموسي والطاهر غرسة والصادق ثريا ونعمة وعلية وغيرهم.
وبعد 12 عاما من الغياب، عاد مهرجان الأغنية التونسية بملامحه الأولى في أبريل 2021، ليواصل دوره في ظل مساع متواصلة لضبط مساراته بما يخدم الفن الغنائي والثقافة التونسية عموما عبر دعم المواهب الشابة وتكريم أصحاب التجارب المهمة والدفع بهم الى استعادة نشاطهم، وكذلك من خلال متابعة الإنتاج بتوفير المتابعة الإعلامية والتشجيع على الإنتاج وفسح المجال أمام التظاهرات الاحتفالية الكبرى لتقديم الأصوات المبدعة لأكبر عدد ممكن من عشاق الأغنية.
ويراهن أغلب المتابعين على أن تكون الدورة الحادية والعشرون دورة مفصلية في مسيرة المهرجان، وأن تقدم وجوها جديدة قادرة على تحقيق الإضافة المرجوة، وأن تسعى إلى تمتين العلاقات بين الأجيال بما يساعد على إثراء رصيد الأغنية التونسية وتمكينها من الإشعاع في الفضاءين المغاربي والعربي لاسيما أنها تمتلك كل المؤهلات التي تمكنها من ذلك باستثناء الإنتاج الذي يبقى في حاجة إلى دعم الدولة كأحد أسس الحفاظ على الهوية وتكريس الدور التنويري والحضاري للفن الموسيقى والغنائي.