تونس تدخل عالم تصنيع الأطراف الصناعية الذكية

شراكة بين "بكوش أورتوبيديك" و"أوتوبوك" الألمانية من أجل مستقبل أفضل لفاقدي الأطراف.
الأحد 2020/01/19
الإنسان محور عمل المركز الطبي

لا يمكن الحديث اليوم عن أي مجال فني أو علمي أو حتى طبي في معزل عن ارتباطه الوثيق بالثورة التقنية والتكنولوجية، واذا ما سلطنا الضوء على مجال مهم في القطاع الطبي ألا هو تقويم العظام سنكتشف بالضرورة أن هذا المجال يشهد تطورا كبيرا ومتسارعا إذ بفضل تطور الصناعات الحديثة أصبح بإمكان المريض التحكم بالطرف الصناعي بشكلٍ أفضل وأكثر عمليا من ذي قبل، وصارت الأطراف الصناعية "ذكية" بما يكفي لتسهيل حركة الانسان والتعامل معها كأنها أحد أطرافه الطبيعية.

افتتح مساء السبت مركز "بكوش أورتوبيديك" في العاصمة التونسية، والذي سيكون الممثل الرسمي لشركة "أوتوبوك" الألمانية الرائدة عالميا في مجال تصنيع الأطراف الصناعية الذكية، في شمال أفريقيا.

المركز الذي شارك في افتتاحه ممثلون عن السلطات الألمانية والتونسية، يتخذ مقره الرئيسي في العاصمة تونس ويتكوّن في جانبه الطبي من فضاءين أحدهما مخصص لصنع الأطراف الصناعية الذكية والآخر مخصص لتأهيل المرضى.

ويحتوي الفضاء الأول على قاعات مختلفة، كل قاعة مخصصة لصناعة نوع محدّد من الأطراف مع قاعة مخصصة لأخذ قياسات المرضى، أما الفضاء الثاني فيحتوي على كل المعدات الطبية الضرورية لإعادة تأهيل المريض كي يسترجع قدرته على المشي أو الكتابة، وتحتوي كل القاعات في الفضاءين على واجهات بلورية اختارها المشرفون على المشروع لتسمح للمارة برؤية سيرورة العمل في الداخل ليلا.

في كل مكان من المركز الطبي، تتوزع نماذج عديدة ومختلفة من الأطراف الصناعية، بينها أطراف تكنولوجية معدنية بحتة وأخرى مصنوعة من السليكون ومن مواد مختلفة تجعل الرائي يظنّ أنها أعضاء بشرية ملقاة هنا وهناك، وربما تلاقي أغلبها إقبالا من المرضى، أولئك الذين يرغبون في تقويم أعضائهم ولم يتقبلوا بعد فكرة الطرف المعدني ويرغبون في استعادة البعض من مظهرهم الجمالي الطبيعي.

وتتزين كل حيطان المركز بلوحات تشكيلية للرسام التونسي ماجد زليلة، التي رسمها خصيصا بما يتلاءم مع مميزات المركز فتراها تحتوي على مشاهد لأشخاص صغار وكبار، نساء ورجال، بأطراف صناعية أو يمسكون معدات لصناعة الأطراف أو تعديلها، وبألوان متناغمة تضفي جمالية فنيّة على المكان.

ويقول هشام البكوش مدير المركز "للعرب" إن هذه الشراكة بين "بكوش أورتوبيديك" و"أتوبوك" تأتي من "إدراكه الشخصي لتأخر تونس في هذا المجال ووجودها في موقع جغراسياسي يسمح لها بحسن الاستثمار في صناعة الأطراف الذكية خاصة مع الحرب الدائرة في ليبيا واختيار أغلب الليبيين السوق الطبية التونسية كحلّ للعلاج"، موضّحا أن الفكرة "انطلقت من خلال صعوبة وصول شركة 'أوتوبوك' لحرفائها الليبيين، إذ أن الأطراف الصناعية تستوجب صيانة دورية وهي مسألة غير متاحة لكل الليبيين لظروف اقتصادية وأمنية مما شجّع على التفكير في شراكة ألمانية تونسية تتيح لكل حرفاء الشركة العالمية صيانة مستمرة لأطرافهم الصناعية على أيدي طاقم عمل تونسي مئة بالمئة".

وكي يعمل المركز وفق الضوابط العالمية ويضاهي خبرة العاملين في الشركة الألمانية، خضع الطاقم الذي سيشرف على عمل المركز التونسي لتكوين أكاديمي بسنتين في ألمانيا وتحصل على شهادات دولية في المجال، إذ لا تدرّس الجامعات التونسية الاختصاصات المتطورة في مجال تقويم الأعضاء، وبذلك يكون التقنيون والمختصون في العلاج الطبيعي قادرين على مواكبة التطور التكنولوجي في هذا المجال.

ومن المقرر أن يبدأ المركز الطبي آخر سنة 2020 في مشروع أكاديمي يهدف إلى تأهيل التقنيين والمختصين في العلاج الطبيعي من تونس وكافة الدول الأفريقية، بافتتاح أكاديمية متخصصة ضمن المركز الطبي.

من جانبه، ثمّن نائب السفير الألماني كارستن ماير أهمية الشراكة التونسية الألمانية في مجال صناعة الأطراف الذكية لما فيه من خدمة الإنسان وتشجيع على الاستثمار بين البلدين في مجالات مبتكرة لا تقتصر فقط على المجال الاقتصادي والتجاري.

أما "أوتوبوك" فهي المؤسسة الألمانية الأولى عالميا والمختصة في صناعة الأعضاء الصناعية، وعمرها 101 سنة إذ تأسست في عام 1919 بمبادرة من أوتوبوك وبشراكة مع جهات تمتلك نفس الأهداف وذلك بهدف مساعدة المحاربين الألمان الذين فقدوا أطرافهم في الحرب على استعادة حياتهم الطبيعية بأطراف جديدة مجهزة وفق أحدث الطرق آنذاك.

وتقول الشركة منذ تأسيسها إن الانسان هو محور كل عملها في إطار مجموعة من القيم الأساسية وهي عمل "إنساني، موثوق، مبتكر" ويقول مسؤولو "أوتوبوك"، "نحاول أن نرى العالم من خلال أعين مستخدمينا وعملائنا، من خلال عمل دؤوب من أجل تحسين جودة حياة المرضى ومستخدمي الأطراف الصناعية وعيش حياة مستقلة"، إذ ترى "أتوبوك" أن جودة الحياة ترتبط ارتباطا وثيقا بالحرية الفردية والاستقلال الذاتي ولهذا السبب تساعد الناس على الحفاظ على حريتهم في الحركة أو استعادتها وذلك بتطويع التطورات التكنولوجية المبتكرة والخدمات المصممة خصيصا لذلك.

وطيلة مئة سنة، تحولت "أتوبوك" من مؤسسة أنشئت خدمة لجرحى الحرب إلى مؤسسة تعمل لتوفير حياة أفضل للإنسان أينما كان، وطورت تجاربها طيلة عقود حتى أن الباحثين في مراكزها صاروا يعملون على تطوير أطراف ذكية مغطاة بجلد صناعي لنقل أحاسيس بشرية طبيعية كالبرودة والسخونة لتحاكي الأعضاء الطبيعية من أجل تعويض مستخدمي الأطراف الصناعية عن فقدانهم لأعضائهم.

17