تونس أرض الفرص.. والكلمة السحرية "الاستقرار"

كيف تنفق 1.9 مليار دولار في يوم واحد؟
يمكنك شراء يخت تستخدمه مرة أو مرتين في العام، ولكن لن يكون باستطاعتك شراء اليخت “هيستوري سوبريم” المغطى بالذهب والبلاتين ومعادن ثمينة أخرى، ويقدر ثمنه بـ5 مليارات دولار.
حتى إن كان لديك مبلغ فائض يمكن أن تنفقه على شراء اليخت، عليك أن تجد مبلغا لا يقل عن مليار دولار سنويا لتغطية كلفة التشغيل وكلفة التأمين التي تتجاوز كلفة التشغيل.
ما أريد قوله هو أن مبلغ 1.9 مليار دولار رقم متواضع، سبق لفيلم أنتجته هوليوود (أفانجرز إنديغما) أن حقق عوائد أكبر من هذا الرقم بكثير بلغت 3.5 مليار دولار.
والحال هكذا، لماذا يُطلبُ من تونس، بزيتونها وفوسفاتها وبلحها وأعنابها، وبموقعها الجغرافي الذي لا يضاهيه موقع ’خر، وبشواطئها وآثارها ومسارحها َضمانة لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار لا يكفي لشراء ناد رياضي في فرنسا أو إيطاليا. ولماذا توضع شروط تعجيزية للحصول على القرض.
◙ ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة لا علاقة له بقيمة الدينار، وهو ما يروّج له البعض، دون أن يتوقف قليلا للتأكد من معلوماته. العالم كله يحارب للسيطرة على التضخم
يجب أن يفهم الأوروبيون أن تونس لن تقدم تنازلات مجانية، وأنها تنتظر منهم موقفا داعما لها للخروج من عنق الزجاجة التي ساهموا بطريقة أو بأخرى بحشرها داخلها.
لننس كورونا، وننسى المناخ، وننسى الحرب في أوكرانيا، عشر سنوات عجاف هي حصيلة “ربيع” هللت له الدول الأوروبية، قبل أن
تهلل له الشعوب العربية المخدوعة، وكانت من نتائجه فوضى وفساد وسوء إدارة.
سيجوع التونسيون، ولن يبيعوا كرامتهم مقابل قرض لا يكفي لشراء يخت أو ناد رياضي. كرامة تونس والتونسيين أكبر من أن تشترى بقرض من صندوق النقد.
سيجوع التونسيون لينهضوا من جديد، كما نهضوا يوم فرش الرومان أرض قرطاج بالملح حتى لا ينبت زرع فيها وحتى يجف الضرع.
ولكنهم لن ينسوا خذلان إيطاليا وفرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي لهم.
تونس بقدر ما هي دولة أفريقية – سبق أن أهدت اسمها للقارة – بقدر ما هي أوروبية، بحكم الجغرافيا والتاريخ. وأن تدير أوروبا ظهرها لها اليوم، فهذا يعني أنها أدارت ظهرها لشمال أفريقيا والقارة الأفريقية.
هل تستطيع أوروبا ذلك.
بإمكان تونس والتونسيين أن يشيحوا بوجههم عن الغرب، وينظروا شطر الشرق؛ هناك الصين والدول الآسيوية وهناك أيضا دول الخليج التي اكتشفت مؤخرا أهمية اتباع سياسة “تصفير المشاكل”، وتجاوز الخلافات الأيديولوجية، وهي عطشى للاستثمارات.
ولكن، معروف أن “رأس المال جبان”، ما يبحث عنه المستثمر هو الاستقرار الاجتماعي والسياسي. آخر ما يريده المستثمر وضع أمواله في بلد تهيمن فيه نقابات تهدد بشكل شبه يومي بوقف الإنتاج، وبين أبنائه من يصر على أن يغلّب الأيديولوجيا على المصالح الاقتصادية.
◙ سيجوع التونسيون، ولن يبيعوا كرامتهم مقابل قرض لا يكفي لشراء يخت أو ناد رياضي. كرامة تونس والتونسيين أكبر من أن تشترى بقرض من صندوق النقد
تونس رغم امتلاكها لمقومات كثيرة، إلا أنها بوضعها الحالي تفتقد عناصر جذب الاستثمارات، خاصة بوجود من أدمن تسويق صورة مشوهة لتونس وإعطاء فكرة مغلوطة عمّا يجري في البلاد.
عندما تغلق دول أوروبية حدودها في وجه المهاجرين، يقولون إنها فعلت ذلك دفاعا عن حقها الشرعي الذي يضمن لها حماية حدودها من طوفان بشري. وعندما تفعل تونس ذلك، يقال إنها عنصرية. والغريب أن شريحة من مثقفين أدمنوا الاحتجاج هم أول من وجه الاتهامات للحكومة التونسية بالعنصرية.
هناك من يقول إن سجون تونس مليئة بسجناء الرأي. وإن لا حرية للرأي في تونس. والحال أن من ينتقد غياب حرية الرأي، يفعل ذلك باسمه الصريح، دون أن يطرق بابه “زوار منتصف الليل”.
في دمشق، وهي واحدة من أقدم المدن التجارية في العالم، يقول الدمشقيون “لا أحد يقول عن زيته عكر”، حتى ولو كان الزيت عكرا. وفي تونس يتسابق، من يسمّون أنفسهم “معارضة” على تسويق صورة “عكرة” لتونس.
من يسمع ما يسوّق له هؤلاء يخال أن القيامة الآن، وأن المجاعة قد ضربت تونس، بينما التونسيون رغم أزمة الغذاء العالمية، لا يباتون على خواء.
رغم النقص الحاد في منسوب مياه السدود، لم يعطش التونسيون. ورغم التزايد الحاد في استهلاك الطاقة الكهربائية بفعل درجات الحرارة غير المسبوقة، انقطاعات التيار الكهربائي في تونس لا تقارن بدول أخرى غنية بالنفط والغاز.
كم هي مذهلة ردود فعل التونسيين. لقد أظهروا صبرا مدهشا على التحمل رغم زيادة الأسعار – وهي للمرة الألف ظاهرة عالمية لا تقتصر على تونس – ورغم نقص مواد غذائية من الأسواق.
هناك من يتحدث عن انهيار في سعر الدينار التونسي. لا أعرف حقا من أين استقى هؤلاء معلوماتهم.
في تاريخ 01 يناير 2021 كان سعر الدولار 2.6945 دينار تونسي، اليوم سعر الصرف هو 3.0888، أي بهبوط لا يتجاوز 4 في المئة.
◙ يجب أن يفهم الأوروبيون أن تونس لن تقدم تنازلات مجانية، وأنها تنتظر منهم موقفا داعما لها للخروج من عنق الزجاجة التي ساهموا بطريقة أو بأخرى بحشرها داخلها
اخترت تاريخ الأول من يناير 2021 عامدا، فهو بداية ظهور كورونا، وما تبع ذلك من انهيار في سوق السياحة والسفر، ليأتي بعد ذلك الاجتياح الروسي لأوكرانيا وما تسبب به الغزو من أزمة في الغذاء والطاقة. ويجب بالطبع ألاّ ننسى أزمة الجفاف التي تسبب بها التغير المناخي.
ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة لا علاقة له بقيمة الدينار، وهو ما يروّج له البعض، دون أن يتوقف قليلا للتأكد من معلوماته. العالم كله يحارب للسيطرة على التضخم.
رجل الشارع في تونس، يدرك أن الأسعار يتحكم فيها قانون العرض والطلب. لذلك أظهر التونسيون من الصبر ما لم يظهره “أيوب”؛ يقفون في الطوابير للحصول على الخبز، ويقتصدون بالماء والطاقة، ويتناولون نصف ما اعتادوا تناوله من طعام.
ما الحل إذا، وما هو السبيل للخروج من هذه الأزمة؟
الكلمة السحرية هي الاستثمار؛ تونس أرض الفرص؛ كل ما تحتاجه هو طرح مشاريع أمام المستثمرين.
ولكن، هذا كله لن يتحقق قبل رؤية الواقع كما هو لا كما نتخيله.
ما تحتاجه تونس هو تذليل الصعوبات التي قد تحول دون جذب الاستثمار.
من يريد أن يغامر “بتحويشة العمر” في بلد بين أهله من يبشّر بـ”خراب تونس”.