توفير الحبوب هاجس مصري يتصاعد مع توترات المنطقة

القاهرة– نوعت مصر تحركاتها الساعية لتحسين إنتاج زراعات القمح والذرة والأرز والشعير وفول الصويا، خشية مواجهة صعوبات في الاستيراد مع استمرار التوترات الإقليمية، وتريد بهذه الخطوة استباق حدوث أزمات في توفيرها للاستهلاك المحلي.
وأعلنت الحكومة المصرية الحصول على تمويل قيمته 40 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لمشروع دعم وتحسين إنتاح الحبوب، تشرف على تنفيذه الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي، بالتنسيق مع وزارتي التموين والزراعة في مصر.
كما أعلنت الحصول على منحة قيمتها 24 مليون يورو من برنامج التنمية الريفية المتكاملة، التابعة للاتحاد الأوروبي أيضا للغرض ذاته، على أن يتم تنفيذ المشروع في محافظات مصرية تتزايد فيها معدلات زراعة الحبوب.
مصر تنتج 9 ملايين طن من القمح سنويا لكنها تحتاج إلى 20 مليون طن فقط لتوفير الدقيق اللازم لإنتاج الخبز المدعم
وتتخوف دوائر رسمية من تقلبات أسعار الحبوب، خاصة القمح، حال توسعت الصراعات في المنطقة، وترى أن هناك احتمالا لاستئناف الحرب في قطاع غزة وعودة جماعة الحوثي في اليمن إلى تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ويرى مراقبون أن حاجة المصريين إلى القمح المستورد تعزز هواجس الحكومة بشأن عدم تراجع الكميات المطلوبة، لأن خططها لتعديل نمط استهلاك المواطنين الذين يعتمدون على الخبز المدعم باءت بالفشل حتى الآن، ولم تستكمل إجراءات الانتقال من الدعم العيني إلى النقدي، خوفا من ردود فعل الفقراء.
ولم تجد عملية جس النبض لتقليص الاعتماد على القمح ضمن مكونات رغيف الخبز مردودا شعبيا يدعمها، ومستوى الأبحاث الزراعية لم يتح بشكل نهائي فرصة لتبني هذا التوجه عبر دمج البطاطا مع القمح لإنتاج الخبز.
كما أن زراعة الحبوب بدأت تتراجع على مستوى الاهتمام الحكومي، ما يقود إلى مشكلات على مستوى توفير السلع الغذائية الحيوية، وفي مقدمتها اللحوم والدواجن، نتيجة استخدام الذرة الصفراء في صناعة الأعلاف واستيراد نصف الاحتياجات.
وتحتاج الحكومة المصرية إلى البحث عن سبل للحصول على دعم مادي يساعد في تحسين إنتاج الحبوب وتقليص الفجوة بين معدلات الاستهلاك والكميات التي يتم استيرادها من الخارج، وتعلم أن مشكلات سلاسل الإمداد والتوريد التي وصلت إلى ذروتها عند اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قد تجعلها أمام اتخاذ إجراءات صعبة تقوم على توفير السلع وتحمل موازنة الدولة أعباء مالية جديدة.
وقال نقيب المزارعين المصريين حسين أبوصدام إن التوجهات العامة للدولة على مدار السنوات الماضية تعمل من أجل زيادة الرقعة الزراعية واستيعاب الارتفاع في عدد السكان، مع مراعاة مشكلات شح المياه، ما ينعكس على مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية التي تبلغ نحو 4 ملايين فدان.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التوجه الآخر يتعلق بتحديد مساحات أكبر من المناطق المستصلحة والأراضي القديمة لزراعة الحبوب، وهو ما تؤكده أرقام زراعة القمح التي تصل إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون فدان من 10 ملايين فدان إجمالي المساحة الزراعية في مصر، وتسعى الحكومة لتحسين جودة الإنتاجية بما يساعد على زيادة الكميات المستخدمة للإنتاج المحلي، واستنباط أصناف جديدة من القمح وصلت إلى 22 صنفا في الموسم الواحد والوصول بإنتاجية الفدان الواحد إلى أكثر من 30 أردبا من القمح، مقابل 18 أردبا قبل عدة سنوات (الأردب = 150 كيلوغراما).
وأشار إلى أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تقليل الفاقد من القمح وتوريد الآليات الزراعية الحديثة والاستعانة بتجارب بعض الدول الأوروبية في مسألة بناء الصوامع وضمان التخزين لفترات طويلة وتوفير المبيدات اللازمة لمكافحة الصدأ ومقاومة الأمراض التي تعانيها التربة الزراعية، وتسهيل الاعتماد على التقاوي المعتمدة لزراعة الحبوب بدلا من اعتماد المزارعين على “كسر التقاوي”.
66
مليون دولار قيمة التسهيلات الممنوحة من دول الاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية لزيادة السعة التخزينية لصوامع الحبوب
وهناك أكثر من مليون ونصف مليون فدان من القمح تتم زراعته محليا بتقاو غير معتمدة، ما يؤثر على نسب إنتاجية الأراضي المزروعة، واتجهت الحكومة المصرية مؤخرا إلى إتاحة الزراعات المزدوجة، بمعنى إمكانية زراعة أكثر من صنف من الحبوب والمحاصيل الزراعية في فدان واحد، وقامت برفع السعر الاسترشادي لشراء القمح من المزارعين.
وتحتاج مصر نحو 20 مليون طن من القمح سنويا لتوفير الدقيق اللازم لإنتاج الخبز المدعم، فضلا عن احتياجات القطاع الخاص والمستهلكين من الأفراد، وتنتج محليًا نحو 9 ملايين طن فيما تعتمد على الاستيراد لتوفير باقي الكميات.
وأكد وفد المفوضية الأوروبية خلال زيارة إلى القاهرة مؤخرا أن دول الاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية وافقا على تقديم تسهيلات لمصر بقيمة 66 مليون دولار لزيادة السعة التخزينية لصوامع الحبوب.
وتواجه الحكومة المصرية مشكلات كبيرة في ما يتعلق بالحبوب، وإذا استطاعت توفير الكميات المطلوبة من القمح عبر الاستيراد وتحمل ميزانيتها نتائج أي تقلبات في الأسعار فإن الأمر يختلف بالنسبة إلى باقي الحبوب، وأبرزها الذرة الصفراء التي تستخدم في إنتاج الأعلاف، ويتم استيراد 50 في المئة من الاحتياج المحلي، إذ أن أسعار اللحوم والدواجن تتأثر بها مباشرة حال وجود مشكلات في استيرادها أو مع ارتفاع أسعارها.
وشدد حسين أبوصدام في حديثه لـ”العرب” على أن الحكومة المصرية بدأت التعامل مع باقي الحبوب، تحديدا الذرة والأرز وفول الصويا، مثلما تتعامل مع باقي الزراعات التعاقدية التي تحدد لها سعرا استرشاديا مسبقا لتشجيع المزارعين على زراعتها وتعمل بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وجهات أخرى على استقدام مجففات الحبوب بما يساعدها على تخزينها وتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وتقول الحكومة المصرية إن لديها خطة لزيادة السعات التخزينية للصوامع لتصل إلى نحو 5.5 مليون طن، عبر إضافة 50 صومعة جديدة، وزيادة الحقول الإرشادية لتزيد عن 7 آلاف حقل بهدف تحسين الإنتاج الزراعي لمحصول القمح، فضلًا عن إنشاء قاعدة بيانات لقياس خصوبة التربة لتقدير المعدلات السمادية المناسبة، والتوسع في تطبيق نظام البطاقة الذكية للمزارع، بإضافة نحو 400 ألف بطاقة جديدة.