توسّع الدبيبة في الإنفاق يربك علاقته بالصديق الكبير

بدأت بوادر أزمة تظهر بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير الذي انتقد الثلاثاء سياسة التوسع في الإنفاق التي انتهجها الدبيبة منذ وصوله إلى السلطة عام 2021.
جاءت انتقادات الكبير في رد على الدبيبة الذي كان قد اتهمه -في تصريحات بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير- بالوقوف وراء تعطل صرف الرواتب.
وأثارت تصريحات الدبيبة آنذاك استغراب المتابعين باعتبار أن العلاقة بين الطرفين كانت جيدة وأقرب إلى التحالف في بداية وصول الدبيبة إلى السلطة، حيث صرف الكبير ميزانيات للدبيبة دون إقرار من البرلمان الذي عارضها ووصفها بالمتضخمة.
وذهب البعض إلى اعتبار رفْض الكبير صرف الرواتب مؤشرا على قرب نهاية الدبيبة، مسترجعا ما حصل لرئيس الحكومة السابق فايز السراج الذي كان للكبير دور كبير في الضغط عليه للرحيل بعد أن قلّل له المصاريف، خاصة بعد حرب طرابلس في 2019.
ووجه الصديق الكبير مراسلة إلى الدبيبة تضمنت الرد على ما ورد في كلمته بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير من نقاط تتعلق بالأوضاع المالية وسعر الصرف وزيادة الرواتب.
وقال الكبير مخاطبا الدبيبة “لا نختلف معكم في أنَّ من حق الليبيين أن يحيوا حياة كريمة وأن يحصلوا على رواتب تكفل عيشا كريما، ولكن ذلك لا يتحقق إلّا بحسن إدارة الموارد المالية، مع ضمان استدامة تلك الحياة الكريمة”. وأضاف “لا يخفى عليكم أن النفط هو المصدر الوحيد للدخل في الدولة الليبية، والذي يمول الميزانية العامة بأكثر من 95 في المئة”. وتابع الكبير “أشرتم إلى الرغبة في أن يكون سعر الدولار 1.3 دينار للدولار، ولكن الرغبة وحدها لا تكفي لتحقيق ذلك، إذ إِنَ الممارسات الفعلية للحكومات المتعاقبة كانت عكس ذلك”.
وأكد الكبير أن الدولة أنفقت منذ عام 2021 حتى نهاية 2023 قرابة 420 مليار دينار، وُجه معظمها إلى نفقات استهلاكية على حساب الإنفاق التنموي، وولدت ضغوطا على سعر صرف الدينار الليبي.
وبخصوص إشارة الدبيبة إلى زيادة الرواتب وتقديم المزيد من المنح، قال محافظ مصرف ليبيا المركزي “إِنّ التوسع في الإنفاق قد يرضي بعض الفئات على المدى القصير، ولكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال القادمة، وهو ما تتطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام، وسؤالنا هو من أين ستوفر الحكومة تمويل هذه الزيادات خصوصا في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة لعام إلى مستوى 115 مليار دينار وفقا لتقديرات المؤسسة الوطنية للنفط و5 مليارات دينار إيرادات سيادية أخرى، بإجمالي قدره 120 مليار دينار، وإنّ الاستمرار بنفس السياسات المالية سوف يزيد الأمر تعقيدا، ويترتب عليه عجز مؤكّد. هذا يستوجب العمل معًا لاتخاذ السياسات الكفيلة بتفادي التمويل بالعجز”.
كما اعتبر الكبير أن اتساع الإنفاق الموازي ومجهول المصدر، الذي أثر بشكل مباشر على زيادة الطلب على النقد الأجنبي في الأشهر الأخيرة لعام 2023، نتج عنه ارتفاع سعر الصرف الموازي رغم ضخ مبلغ 5 مليارات دولار زيادة عن عام 2022.
واختتم الكبير مراسلته بالتأكيد على أنَّ “مصرف ليبيا المركزي وانطلاقا من واجبه الوطني ومسؤوليته أمام الوطن والمواطن سيعمل على المحافظة على الاستدامة المالية للدولة بكل ما أمكن، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع بقية مؤسسات الدولة، وإننا ندعو الجميع إلى العمل معا وإقرار السياسات الاقتصادية والمالية الضرورية للخروج من هذه الأزمة الخانقة، وذلك من خلال إيقاف الإنفاق الموازي مجهول المصدر، وإقرار ميزانية موحدة لكامل التراب الليبي”.