توسيع دائرة المحظورات تكمّم أصوات الصحف في السودان

أصبحت الصحف في السودان من ألد أعداء الحكومة التي تحاصرها بشتى الطرق والأساليب، وقد أضافت محظورات جديدة إلى قائمتها الحمراء، شملت حتى القضايا الاجتماعية، إلى جانب تحضيرات تقوم بها لحصر الصحف المستقلة في مؤسسات كبيرة واختزالها في ثلاثة فقط ليسهل مراقبتها وملاحقتها.
الأربعاء 2015/05/27
الصحف السودانية تشهد تدني نسبة توزيعها بشكل كبير

اتجه جهاز الأمن السوداني في حادثة غير مسبوقة إلى توسيع دائرة “الخطوط الحمراء” لما تتناوله الصحف في السودان لتشمل عددا من المحاذير الاجتماعية يحظر التطرق لها بالكتابة أو إدراج الصور، وذلك بعد أن استجاب رؤساء التحرير للمحاذير والخطوط الحمراء فيما يتعلق بالقضايا السياسية والفساد المالي في أجهزة الدولة.

وصادرت السلطات الأمنية في السودان، صباح الاثنين الماضي، (10) صحف يومية بعد اكتمال طباعتها. وهو ما اعتبره الصحفي السوداني عثمان شبونة، نوعا من الغباء لأنها ساهمت في انتشار أوسع للخبر نفسه، وقال في تصريح لـ”العرب”، إن حماية المجتمع تتم بالقوانين وبالتوعية وليست بمصادرة الصحف، كما أن القوانين تلزمها حكومة محترمة، فكيف تتحقق التوعية والقوانين مع (عصابة).

وحسب استطلاع أجرته “العرب” في الوسط الصحفي والإعلامي، فإن المصادرة في الغالب تمت بسبب نشر تلك الصحف خبرا حول تزايد حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي ضد الأطفال خاصة في رحلات المدارس ورياض الأطفال، لأن السلطات الأمنية عادة لا تقدم أسبابا لمصادرة الصحف، ويتسبب الإجراء في خسائر مالية كبيرة لإدارات الصحف .

ويقول محللون إن أجهزة الأمن تشن حملة صارمة على الصحافة والحريات السياسية بعد أن فاز الرئيس عمر حسن البشير بولاية رئاسية جديدة في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.

والصحف التي جرت مصادرتها صباح الاثنين، هي: (السوداني)، (الخرطوم)، (الجريدة)، (الأخبار)، (الرأي العام)، (آخر لحظة)، (الانتباهة)، (ألوان)، (اليوم التالي)، (التيار)، وهي جميعها صحف سياسية، مما يزيد من فرضية أن الحكومة ترتّب لدمج الصحف في مؤسسات كبيرة لنشر ثلاث منها فقط كي تسهل مراقبتها والسيطرة عليها .

وكانت الأواسط الصحفية في السودان قد تحدثت همسا عن دراسة تعدها الحكومة لتقليل أعداد الصحف السياسية بدمجها في ثلاث صحف فقط لتسهيل مهمة جهاز الأمن في فرض قيوده ونشر ما تراه حكومة البشير في دورتها الجديدة .

وأكد مصدر في جهاز أمن الدولة السوداني الرئيسي تكهنات بعض رؤساء التحرير بأن مصادرة الصحف مرتبطة بالموضوع الخاص بالاعتداءات الجنسية.

وقال المصدر “أوقفنا توزيع عشر صحف… لأنها نشرت دون أي إحساس بالمسؤولية موضوعات عن جرائم اعتداء جنسي واغتصاب”.

وأضاف أن أربع صحف ستمنع من النشر لعدة أيام وأن الدولة ربما توجه اتهامات لبعض الصحف.

السلطات الأمنية عادة لا تقدم أسباباً لمصادرة الصحف ويتسبب الإجراء في خسائر مالية كبيرة لإدارات الصحف

وسارعت شبكة الصحفيين السودانيين إلى التنديد بالحادثة في بيان حصلت “العرب” على نسخة منه، تؤكد فيه تضييق الأجهزة الأمنية يوما بعد يوم على ما تنشره الصحف، وما وصل إليه الواقع الاجتماعي والسياسي من تأزم بفعل الحصار الإعلامي الذي تمارسه السلطة السياسية خاصة فيما يخص الأخبار التي تتناول التحرش الجنسي واغتصاب الأطفال وإهدار حقوق الإنسان.

وأشار البيان إلى أن شبكة الصحفيين السودانيين تثمّن عاليا الموقف المتقدم للصحف السودانية وهي تمارس سلطتها وتقدم التوعية رغم التضييق الممارس عليها من قبل جهاز الأمن، الأمر الذي جعل الصحف تعمل في ظروف قاسية، ويتعرض الصحفيون بشكل يومي إلى الاستدعاء لمكاتب جهاز الأمن والنيابات .

ودعا البيان إلى وقفة قوية في وجه تلك الهجمة الشرسة ورفع التصعيد عبر خيارات الوقفات الاحتجاجية والإضراب عن العمل.

وكانت الشبكة قد أكدت في وقت سابق من هذا الشهر أن الصحافة السودانية تعيش أسوأ أيامها، حيث تشتد القبضة الأمنية على حرية التعبير بالبلاد، وما يزال الصحفيون يعانون من الملاحقة الأمنية بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها الصحف؛ ولكن رغم ذلك ما يزال الصحفيون السودانيون يقاومون هذا الواقع، ويعملون من أجل صحافة مهنية تخدم المواطن وتعبر عن همومه. وأشارت الشبكة إلى تزايد الملاحقة الأمنية للصحفيين عبر الاستدعاءات والتحقيق لدى جهاز الأمن إلى جانب الاعتقالات، وفتح البلاغات واقتيادهم إلى ساحات المحاكم، خاصة في ظل شروع النظام في تأسيس محكمة خاصة للصحافة لزيادة الخناق على الصحفيين والتضييق عليهم.

ولفتت إلى مواصلة الرقابة الأمنية المباشرة وغير المباشرة على الصحف، وأكدت تدني نسبة توزيع الصحف بشكل كبير مما يهدِّدُ الصحافة بالزوال، كما توقعت استمرار الرقابة على الصحف وملاحقة الصحفيين.

وتشهد الصحافة السودانية خلال الفترة الماضية، أوضاعا أكثر صعوبة مما مضى، فقد رصدت منظمات حقوقية تزايد حدة المصادرات التي يقوم بها جهاز الأمن والمخابرات بعد الطباعة لاستنزاف الصحف ماديا، كما يواجه الصحفيون سلسلة من القيود والملاحقات والتضييق الحكومي والأمني، إلى جانب جملة من التهديدات وصلت حد الضرب المبرح والاعتداءات المسلحة والقتل، حيث تعرض رئيس تحرير صحيفة “المستقلة” علي حمدان، المعروف بجرأته في تناول قضايا الفساد إلى محاولة اغتيال فاشلة، الشهر الماضي، أمام منزله بالعاصمة الخرطوم.

وأفاد الناشط الحقوقي صالح محمود بأن الصحفيين والصحفيات ظلوا يتعرضون إلى كثير من الانتهاكات والاستدعاءات من قبل السلطات الأمنية ومصادرة الصحف والبلاغات الكيدية والاعتداء داخل المقرات الصحفية، فضلا عن منعهم من الكتابة.

18