توحيد الميزانية مسار لا مفر منه في ليبيا

محافظ البنك المركزي ينتقد سياسات حكومة الدبيبة التي تضر بالتوازنات المالية للدولة.
السبت 2024/03/23
أعيدوا حساباتكم جيدا قبل وقوع الكارثة!

تؤكد المؤشرات أن مسار توحيد الاقتصاد الليبي لا يزال يواجه الكثير من العراقيل والتحديات بسبب عدم الاتفاق على إنهاء الخلافات وخاصة في ما يتعلق بالتعاطي مع الوضع العام للبلد بعدما قفزت مسألة الإنفاق في الميزانية الذي توسع بشكل مفرط إلى الواجهة.

طرابلس - أكد محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على ضرورة إعداد ميزانية موحدة لتجاوز مأزق المالية العامة في البلاد، وذلك في رد على خطاب لرئيس الحكومة المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة حول الوضع الاقتصادي والمالي للدولة.

وأشار الكبير إلى أن الوضع المالي للبلد ليس جيدا، مما أجبر المركزي على اتخاذ إجراءات لترشيد استخدامات النقد الأجنبي لتوفير الاحتياجات الأساسية واللجوء إلى جزء منه عند الضرورة.

واتهم محافظ المركزي الحكومة بعدم قيامها بالإجراءات التجارية والمالية المصاحبة بجانب تدابير البنك، وإنما توسعت في الإنفاق العام وبالأخص الاستهلاكي بما في ذلك الرواتب التي تجاوزت 65 مليار دينار (13.5 مليار دولار).

وتسود قناعة بين المتابعين بأنه من شبه المؤكد أن الحكومة ستحتاج إلى إعادة ضبط الميزانية واتخاذ خيارات إنفاق تكون مرحبا بها لمواجهة أي احتمالات دخول البلد العضو في منظمة أوبك في أزمة مالية قد لا يمكن للفرقاء حلها.

وتوسعت الحكومة في الإنفاق على بنود الدعم والمنح والإعانات، ولم تعالج الإنفاق المتزايد على دعم المحروقات.

الصديق الكبير: الوضع المالي ليس جيدا عكس ما تروج له الحكومة
الصديق الكبير: الوضع المالي ليس جيدا عكس ما تروج له الحكومة

وكان رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط قد خاطب الدبيبة في سبتمبر الماضي موضحا أن مصروفات دعم الطاقة أصبحت تستنزف نصف الإيرادات النفطية.

وتشير الإحصائيات إلى أن بند الدعم ارتفع من 20.8 مليار دينار (4.3 مليار دولار) بما فيه الوقود حتى نوفمبر 2021 ليبلغ 61 مليار دينار (12.67 مليار دولار) منها 41 مليار دولار (8.5 مليار دولار) استيراد المحروقات في 2022 ومثلها في العام الماضي.

وشدد الكبير في رده على أن تواصل ظاهرة تهريب المحروقات إلى الخارج “يشكل استنزافا كبيرا للموارد الليبية”.

وتوسعت الحكومة في التوظيف في القطاع العام، حيث بلغ عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة 2.2 مليون، أي ما يعادل 31 في المئة من عدد السكان، وهو الأعلى في العالم.

وأدى ذلك بحسب الكبير، إلى إضعاف دور القطاع الخاص في الاقتصاد من خلال الزيادات غير المدروسة في الرواتب. وقال إن “كل سياسات الحكومة التوسعية أفشلت جهود المركزي وأثرت على قدرته على الحفاظ على استقرار سعر الصرف وقيمة الدينار”.

وأضاف أن “حكومات ليبيا الحالية والسابقة لم تقدم رؤية اقتصادية للعمل على تنويع مصادر الدخل”، معتبرا أن الترويج لصورة مثالية للاقتصاد بدون توجيه للواقع يهدد مصالح الليبيين.

ورأى الكبير أن ما جاء على لسان الدبيبة في كلمته مساء الاثنين الماضي، “غير واقعي” ولا يعدو أن يكون محاولة “لتقديم صورة وردية للاقتصاد الليبي بما يعد تضليلا للرأي العام”.

وأوضح أن الدبيبة تطرق في كلمته إلى “مسائل غاية في الأهمية والحساسية تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي للدولة من أهمها فرض الرسوم على بيع النقد الأجنبي واحتياطي المركزي ومعالجة الدين العام”.

34.3

مليار دولار الإنفاق العام المتوقع في ميزانية 2024 مع عجز بقيمة 9.35 مليار دولار

وكان الدبيبة قد عبر عن رفضه التام للإجراء الأخير الذي قام به رئيس البرلمان عقيلة صالح، بتحميل المواطنين ضريبة تغطية الإنفاق الموازي، متسائلا عن الهدف من فرضها “رغم وضعنا الاقتصادي الجيد جدا”.

وقال إن “الدين العام اقترب من 32 مليار دولار، لكن الحكومة استطاعت “تصفيره” بالكامل مع تحقيق فائض. وأكد أن حكومته لم تكلف الدولة أي عجز في الموازنة ولا دين عام، بل حققت 5.5 مليار دولار كفائض وفق تقرير المركزي.

وتظهر الأرقام التي نشرها المركزي مؤخرا أن الحكومة قامت بتسييل أكثر من 75 مليار دولار، وهو ما يعادل ما وفرته الحكومات المتعاقبة خلال ست سنوات.

وحققت الحكومة عوائد في العام 2021 بلغت نحو 22 مليار دولار، وأن معدل التضخم انخفض من 5 في المئة خلال ذلك العام ليصل إلى 1.8 في المئة نهاية العام الماضي، في وقت كانت تعاني فيه الدول من ارتفاع التضخم انخفض في ليبيا.

وارتفع صافي الأصول الأجنبية العام الماضي بواقع 16 في المئة عن مستويات العام 2021 ليصل إلى 83.9 مليار دولار.

وقال الدبيبة إن “هذا الاحتياط جيد جدا ويكفينا لسنوات، في دول جارة وقريبة منا ليس لديها حتى 20 في المئة من هذا الاحتياطي ونحن ليست لنا أي أزمة”.

عبدالحميد الدبيبة: استطعنا تصفير الدين العام بالكامل مع تحقيق فائض
عبدالحميد الدبيبة: استطعنا تصفير الدين العام بالكامل مع تحقيق فائض

وثمة اقتناع بأن التوسع غير المدروس زاد من الضغوط على سعر الصرف ومعدلات التضخم، ونتج عن ذلك ارتفاع عرض النقود بأكثر من 6.2 مليار دولار في 2023 ليصل إلى 33.24 مليار دولار، وزيادة في الطلب على النقد الأجنبي.

وفي ضوء الوضع الراهن، فإن التوقعات تصب في ارتفاع إجمالي الإنفاق العام خلال العام الجاري ليصل إلى 34.3 مليار دولار أغلبه سيذهب إلى الإنفاق الاستهلاكي.

ومن المتوقع أن تبلغ عوائد الميزانية هذا العام 24.9 مليار دولار، منها أكثر من مليار دولار إيرادات سيادية ومبلغ 23.9 مليار دولار إيرادات نفطية حسب مؤسسة للنفط.

وتساءل الكبير “من أين ستغطي الحكومة العجز المتوقع هذا العام أم أنها ستضيف أعباء جديدة على الدين العام القائم”، لافتا إلى أن العجز المتوقع في الإنفاق العام لعام 2024 في ظل الوضع الراهن سيكون حوالي 9.35 مليار دولار.

ولاحظ محافظ المركزي أن السياسات والإجراءات التي قام بها البنك في يناير 2021، وأهمها تخفيض قيمة الدينار، إنما هي كنتيجة لمعالجة الاختلال في السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة.

وكان الكبير قد وجه في فبراير الماضي خطابا إلى الدبيبة تساءل فيه عن كيفية زيادة الرواتب والمنح في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة للعام 2024.

وشدد على أن التوسع في الإنفاق قد “يُرضي بعض الفئات على المدى القصير ولكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال المقبلة، وهو ما تتطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام”.

ووفق التقديرات بلغت النفقات الحكومية خلال السنوات الأربع الماضية حوالي 87.27 مليار دولار وكان معظم هذا الإنفاق استهلاكيا مما ولد ضغوطا على سعر صرف الدينار.

10