توتر بين الأمازيغ والدبيبة يختبر التحالفات القائمة غرب ليبيا منذ 2011

تونس – يسود قلق في غرب ليبيا من اندلاع مواجهات في أي لحظة بين قوات تابعة للأمازيغ وأخرى محسوبة على وزارة الداخلية في حكومة عبدالحميد الدبيبة، وهو ما يشكل اختبارا لتحالفات تشكلت منذ 2011 خلال حرب الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
ولئن خفتت حدة المخاوف مع مؤشرات بشأن نجاح وساطة المجلس الرئاسي، يخشى محللون من عودة التوتر بين الطرفين في ظل غياب تسوية حقيقية بينهما.
وأصدر المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، السبت أمرا إلى كافة الوحدات العسكرية بعدم القيام بأي تحركات إلا بعد الحصول على إذن مسبق مهما كانت الأسباب والمبررات.
وجاء هذا الموقف بعد أن حذر المجلس الأعلى للأمازيغ رئيس حكومة الوحدة الوطنية من اندلاع حرب جديدة، يخشى المراقبون أن تكون فرصة لاختبار التوازنات السياسية والاجتماعية والثقافية والميدانية القائمة منذ عام 2011 تاريخ الإطاحة بالنظام السابق.
الوضع بالغ التوتر، وهناك مخاوف حقيقية من اندلاع مواجهات عسكرية في أيّ لحظة، لاسيما أن هناك أطرافا داخل الحكم تتبنى فكرة حسم الموقف مع الأمازيغ
وانخرط الأمازيغ عام 2011 في تحالف قادته مدينة مصراتة للإطاحة بالقذافي الذي كان ينكر وجود أعراق أخرى في البلاد وهو ما يرفضه الأمازيغ الذين طالبوا بعد سقوطه بعدة مطالب لفرض هويتهم لم يتحقق أغلبها.
ويرجع محللون سبب التوتر الرئيسي بين الدبيبة والأمازيغ إلى التحالف الحديث بين قائد الجيش المشير خليفة حفتر والقائد العسكري البارز غرب ليبيا أسامة الجويلي. ويثير التحالف مخاوف حكومة طرابلس من فقدانها السيطرة على مواقع غرب البلاد بما في ذلك مناطق الأمازيغ، لذلك دفعت بتعزيزات عسكرية وأمنية أثارت مخاوف الأمازيغ خاصة مع الحملة التي ينفذها الدبيبة في مختلف مدن المنطقة الغربية ضد التهريب والأنشطة غير المشروعة. ويتركز نشاط الأمازيغ على التهريب.
ويخشى الأمازيغ أن يستغل الدبيبة إحكام سيطرته على المنطقة الغربية، بما فيها مناطقهم، لتصفية حسابات قديمة مع المهربين الأمازيغ.
وتم الدفع بالقوات الأمنية والعسكرية بناء على قرار الدبيبة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة برئاسة المقدم عبدالسلام سالم الزوبي، وتتكون من أجهزة أمنية وعسكرية، ردا على الهجوم الأخير على غريان حيث هاجم الميليشياوي الموالي لحفتر المدينة وسيطر عليها لساعات قبل أن تعيد حكومة طرابلس السيطرة عليها من جديد.
وأعلنت قوات غرفة العمليات المشتركة أنها تراجعت إلى مواقعها في مدينة زلطن، بناء على أوامر المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، وفق ما أعلنه المتحدث باسم الغرفة معاذ المنفوخ الذي نفى أن تكون هناك أيّ نية لاستهداف مكون الأمازيغ أو أي مكون آخر.
وعلمت “العرب” أن قرار التراجع عن الهجوم على معبر رأس جدير جاء بالتنسيق بين الدبيبة والمجلس الرئاسي بهدف نزع فتيل الحرب، لاسيما أن تحذيرات الأمازيغ كانت جدية، ووجدت صدى واسعا في الأوساط الليبية المختلفة.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الدبيبة اتصل بالمجلس الرئاسي وطلب منه التدخل لحلحلة الأزمة قبل استفحالها، خصوصا وأن قوى داخلية وخارجية مؤثرة اتصلت به وحذرته من التورط في حرب أهلية جديدة ستؤدي إلى نهاية المسار السياسي الحالي في البلاد.
واختار الأمازيغ الرد على الدبيبة بتحذيرات صارمة بعد أن تولى عبدالسلام الزوبي توجيه قوة للسيطرة على معبر رأس جدير، الخاضع منذ الإطاحة بالنظام السابق لسيطرة ميليشيات من مدينة زوارة الأمازيغية الساحلية.
وقال المجلس الأعلى للأمازيغ في بيان إن الدبيبة “يجمع عبدة الدينار من التشكيلات المسلحة، بهدف الهجوم على معبر رأس جدير بحجج واهية وكيدية”، معتبرا أن “ما يحدث ليس القصد منه بناء الدولة بل هو استغلال للسلطات والقرارات الحكومية، لممارسة العنصرية وكسر التوازنات في منطقة الساحل”.
والجمعة الماضية عقدت مكونات المدن والقرى الأمازيغية في جبل نفوسة وزوارة اجتماعا طارئا بقصر الضيافة في مدينة زوارة، أعلنت على إثره حالة الطوارئ وأقصى درجات النفير العام بين كل الكتائب والسرايا العسكرية التابعة لها.
أيّ محاولة لطرد القوات الأمازيغية من معبر رأس جدير ستدفع نحو مواجهات دموية مفتوحة قد تكون مؤشرا على العودة بالمنطقة الغربية إلى مربع العنف والفوضى
وكان وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي قد عيّن العميد خيري شنقارو عميدا لمعبر رأس جدير الحدودي مع تونس خلفا للعميد عبدالسلام العمراني الذي تولى المنصب في شهر أكتوبر عام 2022. وتسلم شنقارو مهامه الأحد.
ويشير مراقبون إلى أن الوضع بالغ التوتر، وأن هناك مخاوف حقيقية من اندلاع مواجهات عسكرية في أيّ لحظة، لاسيما أن هناك أطرافا داخل الحكم تتبنى فكرة حسم الموقف مع الأمازيغ ومنعهم من التفرد بالسيطرة الأمنية على المعبرين الحدوديين مع تونس وهما معبر رأس جدير ومعبر ذهيبة – وازن.
إضافة إلى ذلك أصدر رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا الهادي برقيق تحذيرًا حادًا لحكومة الدبيبة من التلويح بالقوة العسكرية، ودعا الحكومة إلى الحل الفوري لما يُعرف بالغرفة المشتركة، مُشيرًا إلى عدم مشاركة المكون الأمازيغي في تشكيل الغرفة ووصفها بأنها جاءت بعد تهميش متعمد.
وحذر برقيق من تصاعد التوترات وأكد أن أي تحرك عسكري قد يجر المنطقة إلى أحداث لا يمكن توقع نتائجها، ونادى بضرورة تجنب مثل هذه الخطوات الخطيرة، محذرا من تفاقم الوضع الاجتماعي والعرقي في ليبيا.
وكان عبدالسلام الزوبي كلف مجموعة من الضباط بتشكيل قوة أمنية مهامها تأمين معبر رأس جدير ورصد واقتحام المقرات والأوكار المستغلة من قبل المجموعات الخارجة عن القانون وتسليمها لجهات الاختصاص، وفق نص التكليف.
ويرى مراقبون أن أيّ محاولة لطرد القوات الأمازيغية من معبر رأس جدير ستدفع نحو مواجهات دموية مفتوحة قد تكون مؤشرا على العودة بالمنطقة الغربية إلى مربع العنف والفوضى، لاسيما أن هناك تحالفات متعددة ستتحرك سواء في صف الأمازيغ أو في صف الزوبي المحسوب على الدبيبة.