توتال تفرض نفسها لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط

شركات الطاقة تلعب دورا استراتيجيا في النهوض بقضايا بلدانها.
الجمعة 2022/07/29
توتال إنرجي.. دور سياسي حاسم

دور شركات النفط العملاقة في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط لا يقتصر على استكشاف حقول النفط والغاز ونقل منتجات النفط وتسويقها، بل يتعدى دورها ذلك وهي غالبا ما تلعب دورا أكبر من مجرد دور تجاري مباشر.

لا يزال النفط الخام يشكّل شريان الحياة لأي اقتصاد. كما أن البنية التحتية المحيطة به متعددة الأوجه، فهي تشمل خطوط الأنابيب التي تمتد عبر مساحات شاسعة من الأرض وحفارات ومصافي باهظة الثمن، وترتبط بها عمليات أمنية تكمن مهامها في حماية مثل هذه المنشآت القيمة. لذلك، غالبا ما تلعب شركات النفط الكبرى في مختلف البلدان دورا أكبر لبلدانها من مجرد دور تجاري مباشر.

ونجد شركات النفط التي تديرها الدولة في روسيا والصين في طليعة الوسائط الجيوسياسية لبلديهما، ويمكن قول نفس الشيء عن بعض شركات النفط الكبرى في الشرق الأوسط، مثل أرامكو في السعودية، التي تعتمدها الرياض في تعزيز نفوذها. ونجد شركة توتال إنرجي وبعض الشركات الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة التي تدار بذكاء شديد وتلعب دورا حاسما في النهوض بقضية بلدانها والغرب ككل.

وفي حين تعثرت سياسات الغرب السياسية العلنية في الشرق الأوسط في الأسابيع والأشهر الأخيرة، يستمر توسع أنشطة توتال إنرجي الفرنسية في المنطقة. وشهد الأسبوع الماضي توقيع شركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة اتفاقية شراكة مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) تشمل التعاون في التجارة وتصدير المنتجات واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.

برونو لومير: دعونا منذ اليوم نستعد لقطع كامل للغاز الروسي

وتتماشى الصفقة بالنسبة إلى أدنوك بشدة مع هدفها المتمثل في زيادة إنتاجها من النفط الخام إلى 5 ملايين برميل يوميا بحلول سنة 2030، من حوالي 4 ملايين برميل يوميا حاليا. وقد شددت شركة النفط الحكومية الإماراتية عزمها على إنفاق 127 مليار دولار من الآن وحتى 2026 على المشاريع المتعلقة بهدف النمو هذا، مع تحقيق النمو في المجالات التجارية الأخرى أيضا. وقد اجتذبت في هذا السياق بالفعل ما يزيد قليلا عن 64.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية منذ سنة 2016 من خلال تسييل العديد من أصولها. ولعل أبرزها، التي أوجدت نموذجا تبعه السعوديون، حصة 49 في المئة في خطوط أنابيب الغاز التي باعتها في يونيو 2020 لمجموعة من المستثمرين بما يزيد قليلا عن 10 مليارات دولار.

أما بالنسبة إلى شركة توتال إنرجي وفرنسا، فإن الصفقة الجديدة ستقطع جزءا من الطريق نحو تعويض خسارة صادرات الطاقة الروسية إلى البلاد إثر غزو أوكرانيا الذي انطلق في الرابع والعشرين من فبراير. وقالت الشركة الفرنسية في تعليقاتها على الصفقة إن “الاتفاقية تشمل تطوير مشاريع النفط والغاز في دولة الإمارات العربية المتحدة لضمان إمدادات الطاقة المستدامة للأسواق والمساهمة في أمن الطاقة العالمي”.

وتأتي صفقة الأسبوع الماضي أيضا بعد توقيع شراكة الطاقة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات وفرنسا، وتركز على تأمين إمدادات الطاقة لفرنسا في المستقبل. وتنتشر المخاوف بشأن الآثار السلبية التي ستشهدها فرنسا بسبب الحظر التدريجي على الطاقة الروسية في المستقبل. وتردد صداها مرة أخرى خلال الشهر الحالي حين قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير “دعونا نستعد لقطع كامل للغاز الروسي. هذا هو الخيار الأكثر احتمالا اليوم”.

وعلى الرغم من أن فرنسا تتلقى أقل بقليل من 20 في المئة من وارداتها من الغاز من روسيا (أقل بكثير من العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى) فقد انخفضت وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنحو 60 في المئة على أساس شهري في يونيو إلى حوالي 1.06 مليون طن متري، وفقا لبيانات الصناعة.

وتشرح هذه الحقيقة الأخيرة سبب انشغال شركة توتال إنرجي مؤخرا في قطر، التي تبقى أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ويجعلها هذا في موقع رئيسي للفوز بإحدى صفقات الشراكة ذات القيمة العالية مع الحكومة القطرية لتطوير المشاريع البحرية الضخمة مثل مشروع حقل الشمال الشرقي.

وقد صرّح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي أن قطر للطاقة وتوتال إنرجي شريكان في مشروع تمتلك فيه قطر للطاقة حصة تبلغ 75 في المئة، بينما تمتلك توتال إنرجي 25 في المئة. وذكر أن شركة المشروع المشترك ستمتلك 25 في المئة من مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي، والذي يتضمن أربعة خطوط عملاقة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال يبلغ مجموع طاقتها 32 مليون طن سنويا.

ويشمل شركاء قطر في المشروع، بالإضافة إلى توتال إنرجي، إيني الإيطالية، وشركة شل البريطانية، وإكسون موبيل الأميركية، وكونوكو فيليبس. وأكد الكعبي أنه نظرا لنهج قطر الموحد في ما يتعلق بالخطوط الأربعة، فإن حصة توتال إنرجي تبلغ 6.25 في المئة من مشروع حقل الشمال الشرقي الذي سيساعد على زيادة إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال بأكثر من 60 في المئة بحلول سنة 2027.

6.25

في المئة حصة توتال إنرجي من مشروع حقل الشمال الشرقي لزيادة إنتاج قطر من الغاز المسال

ويشمل حقل الغاز الطبيعي العملاق في حقل الشمال، إلى جانب مساحة 3700 كيلومتر مربع المجاورة من حقل جنوب فارس الإيراني، أكبر حقل للغاز الطبيعي غير المصاحب في العالم، مع تقديرات متحفظة تشير إلى أن الموقع بأكمله البالغ 9700 كيلومتر مربع يضم ما لا يقل عن 1800 كيلومتر مربع من الغاز الطبيعي غير المصاحب وما لا يقل عن 50 مليار برميل من مكثفات الغاز الطبيعي.
وكانت شركة توتال واحدة من أولى شركات النفط العالمية التي اختيرت لأدوار رئيسية في هذا المشروع الرئيسي، وقد لا يكون ذلك مجرد انعكاس لقدراتها في مجال النفط والغاز، بل قد يعكس أيضا العبء الذي تضعه قطر على عاتقها بصفتها مورد الغاز الطارئ لأوروبا، نظرا إلى قيود إمدادات الطاقة التي من المحتمل أن تنشأ عن الحظر المنتظر على الطاقة الروسية هذا العام.

وصرّح أحد كبار مصادر الطاقة في الاتحاد الأوروبي لموقع أويل برايس “يُنظر إلى توتال إنرجي على أنها واحدة من شركاتنا. إن ألمانيا هي الزعيم الاقتصادي الفعلي للاتحاد الأوروبي، ولكن يمكن تسمية فرنسا بالزعيم الأيديولوجي للتكتل، بعد أن دفعت من أجل معاهدة باريس في 1951، التي يمكن اعتبارها مقدمة للمجتمع الاقتصادي الأوروبي ثم الاتحاد الأوروبي نفسه”.

وينظر بعض كبار أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى توتال إنرجي على أنها تؤدي أحيانا دورا يشمل الأجندات الاقتصادية والسياسية، على الرغم من أن هذا يعمل على مستوى متمايز عن الشركة نفسها. كما وضعت توتال إنرجي نفسها في موقع متميز للغاية من وجهة نظر ألمانيا وقطر من خلال الإعلان في وقت قصير بعد غزو أوكرانيا أنها لن تستثمر بعد الآن في أي مشروع جديد في روسيا.

الجزء الأخير من الصورة هو أن شركة توتال إنرجي كررت قبل أكثر من أسبوع بقليل التزامها بصفقة المشاريع الأربعة البالغة قيمتها 27 مليار دولار والتي جرى الاتفاق عليها العام الماضي مع وزارة النفط العراقية، ومن المقرر أن تنتقل إلى “مرحلة التنفيذ” هذا العام.وكما ذكر موقع أويل برايس، سيكون أول الأهداف هو الانتهاء من مشروع إمدادات مياه البحر المشتركة. حيث أن هذا المشروع بالغ الأهمية في تمكين العراق من الوصول إلى أهدافه طويلة المدى لإنتاج النفط الخام والتي تبلغ 7 ملايين برميل يوميا، ثم 9 ملايين برميل في اليوم وربما 12 مليون برميل.

ويُعتبر المشروع الثاني أيضا ذا أهمية عالية وضرورة ملحة: جمع وتكرير الغاز الطبيعي المصاحب الذي يُحرق حاليا في حقول النفط الخمسة في جنوب العراق وهي غرب القرنة 2 ومجنون وأرطاوي والطوبة واللحيس. ويركز المشروع الثالث أيضا على أرطاوي لزيادة إنتاجه من النفط الخام إلى 210 ألف برميل في اليوم، فيما يشكل ارتفاعا من حوالي 85 ألف برميل في اليوم، بينما سيكون المشروع الرابع والأخير للشركة الفرنسية للمساعدة في إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاواط في العراق وتشغيلها.

شريكان

11