تواتر الاحتجاجات والإضرابات في تونس ينذر بانفجار اجتماعي وشيك

واقع معيشي "مؤلم" في كل مدن وولايات تونس وسط تنوع أشكال الاحتجاجات وارتفاع وتيرتها.
الأحد 2021/06/13
عجز سياسي يفتح الطريق على المجهول

تونس - أفرز التوتّر السياسي القائم بين رؤوس السلطة وتفاقم الأزمات في تونس واقعا شعبيا غاضبا كرّسته الاحتجاجات اليومية المتواترة في مختلف مناطق البلاد، وغذّته الجائحة الصحية التي دخلت موجتها الرابعة، فضلا عن ارتفاع مشطّ للأسعار مقابل ضعف الأداء السياسي في التعاطي مع الأزمات.

وأكّد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير صادر عنه حول الاحتجاجات الاجتماعية أنّ عدد التحركات الاحتجاجية المرصودة خلال شهر مايو الماضي تضاعف ليبلغ 1155 تحركا مقابل 516 تحركا فقط خلال شهر مايو 2020 و841 تحركا في أبريل 2020.

وأوضح التقرير أنّ خارطة الاحتجاجات لم تتغير كثيرا خلال شهر مايو 2021، مبرزا أنّ “ولاية (محافظة) قفصة ما زالت تحتل المرتبة الأولى في ترتيب المناطق الأكثر احتجاجا مسجلة 242 تحركا، أي أكثر من 20 في المئة من مجموع التحركات التي عرفها الشهر، يليها إقليم تونس العاصمة (أربع ولايات) بـ186 تحركا باعتباره مركز القرار ومقر السيادة والتي تضطر أغلب التحركات إلى الانتقال إليه خلال مسار الضغط لتحقيق مطالبها”.

غازي الشواشي: أداء الحكومة هزيل وقد ندخل في حالة من الفوضى والانفلات الأمني
غازي الشواشي: أداء الحكومة هزيل وقد ندخل في حالة من الفوضى والانفلات الأمني

وأضاف أنّ “ولاية قابس تأتي في المرتبة الثالثة بـ89 تحركا تليها ولاية سوسة بـ75 تحركا” لافتا إلى أنّها تُعدّ فاعلا جديدا لم يكن يعرف نفس منسوب التحركات والاحتجاجات في السنوات السابقة، وإلى أن ولايتي القيروان وتطاوين تحتلان المرتبة الخامسة مناصفة.

ولئن أقرّت شخصيات سياسية بمشروعية الاحتجاج بما هو حقّ يكفله الدستور، فإنها حذّرت من سيناريو تواصل تردي الأوضاع وانهيار أسس الدولة، ما سيؤدي إلى انفجار اجتماعي. وحمّلت الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية ما يجري، مطالبة رئيس الحكومة هشام المشيشي بالرحيل.

وأفاد أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن “التحركات الاجتماعية مشروعة بسبب تردّي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، والدولة اليوم أصبحت مهدّدة بالإفلاس وتستجدي الصناديق والدول لتتمكّن من خلاص قروضها وليس من أجل الاستثمار والتشغيل وخلق الثروة”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “أصبحنا ندور في حلقة مفرغة بسبب انعدام الرؤية لحكومة المشيشي المشلولة بـ16 وزيرا ووزراء يشتغلون بالنيابة، والأرقام كلها مفزعة والدولة على حافة الانهيار والانفجار الاجتماعي”.

وبرأي الشواشي “هناك فشل ذريع في مهمة تحسين الأوضاع وأزمة مؤسساتية بين رؤوس السلطة، وكل طرف يسعى لتعطيل الآخر وهذا ما عطّل آلة الإنتاج وسنّ القوانين، وقد تعلن الدولة بين شهري يوليو وأغسطس القادمين عن عدم خلاص ديونها”.

وبالعودة إلى التقرير فقد أبرز أنّ أغلبية التحركات جاءت في شكل اعتصامات، وتمّ خلال شهر مايو الماضي تسجيل نحو 577 يوم اعتصام وأنّ ذلك مثل “آلية بدأ يعتمدها الفاعلون الاجتماعيون لما تتّسم به من بعد تنظيمي وما تفرض من ضغط عال على الطرف الرسمي وديمومة تدفع نحو إجباره على التفاعل مع المطالب المرفوعة”.

Thumbnail

وأكّد التقرير أن مطالب أكثر من نصف التحركات الاحتجاجية التي شهدها شهر مايو بنسبة 55 في المئة، اجتماعية أو اقتصادية، وأنها شملت بالأساس قطاعات عمومية بنسبة 45 في المئة، مقابل 15 في المئة فقط للقطاع الخاص، وأن بقية المطالب تتوزع بطريقة متقاربة بين القطاع البيئي والقطاع القانوني بنسبة 10 في المئة، ثمّ القطاع التربوي 7 في المئة والقطاع الصحي 8 في المئة والحق في الماء 6 في المئة.

ويعزّز تنوّع أشكال الاحتجاجات وارتفاع وتيرتها سيناريو العدوى الاجتماعية بين المدن والولايات، في ظل تردي الوضع الذي أصبح واقعا معيشيا “مؤلما” في كل جهات البلاد، ما ينذر بحالة من الانفلات الاجتماعي.

محمد الجويلي: إذا لم تراجع المنظومة السياسية حساباتها فستقول الاحتجاجات كلمتها
محمد الجويلي: إذا لم تراجع المنظومة السياسية حساباتها فستقول الاحتجاجات كلمتها

وأفاد أستاذ علم الاجتماع محمد الجويلي أن “كل المؤشرات الآن تدلّ على الذّهاب نحو انفجار اجتماعي، في ظل العجز السياسي والقطيعة القائمة بين مكوّنات السلطة، فضلا عن الأزمة الصحية وانتشار الوباء، مع بروز مستجدات جديدة من يوم إلى آخر (حادثة شاب سيدي حسين)، تنذر بصيف ساخن جدا ومتأزم حتى نهاية العام”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة السياسية لم تحلّ بعد، ما أفرز حقدا اجتماعيا متناميا مدفوعا بالأزمة الصحية ونتائجها الوخيمة، علاوة على غلاء الأسعار بطريقة جنونية، وكل المؤشرات الآن تنذر بذلك”.

وشدد على أنه “إذا لم تراجع المنظومة السياسية حساباتها قبل فوات الأوان، فستقول الاحتجاجات كلمتها”.

ولفت تقرير المنتدى إلى أن الاحتجاجات التلقائية تأتي في المرتبة الأولى بنسبة 57 في المئة من جملة الاحتجاجات المسجلة خلال شهر مايو 2021 مقابل 42.9 في المئة بالنسبة إلى الاحتجاجات المنظمة وهو ما يفسّر حالة الاحتقان التي يتخبط فيها عدد من فئات المجتمع إذ أصبحت آليات الاحتجاج تتجه أكثر فأكثر نحو العنف وغلق الطرقات”.

وعمّقت جائحة كورونا من أزمات التونسيين وزادت من منسوب الفقر بالبلاد، حيث أن العديد من الأسر التونسية وجدت نفسها متخبّطة في مربع الفقر، وسط تهديد خطير من اندثار الطبقة الوسطى في السلّم الاجتماعي بالبلاد.

وسبق أن قال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي إن بلاده ستمنح مليونا و100 ألف أسرة مساعدات اجتماعية ضمن إجراءاتها لمكافحة الفقر، مشيرا في تصريح صحافي إلى أن 300 ألف أسرة جديدة أصبحت تحتاج إلى مساعدات حكومية بعد جائحة كورونا.

وبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 742 ألف شخص من إجمالي السكان النشطين الذين يفوق عددهم 4.1 مليون شخص، فيما تؤكد البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية أنّ نسبة الفقر تُقدر حاليا بـ15.2 في المئة.

وأقرت الحكومة التونسية العديد من الزيادات في بعض المواد الأساسية الأسبوع الماضي في سياق إجراءاتها الرامية لرفع الدعم عن تلك المواد، ما أثار مخاوف من احتمال تفجّر الوضع الاجتماعي، مع دعوات سياسية لرفض الزيادات والاحتجاج.

وعمّقت الحكومة حالة الاحتقان الشعبي نتيجة قراراتها برفع أسعار عدد من المواد والخدمات الأساسية كالماء والنقل والسكّر.

7