"توأم روحي" رحلات رومانسية من خلال التنويم المغناطيسي

فيلم "توأم روحي" ينتمي إلى الأفلام الرومانسية لكنه جاء في حبكة غير مألوفة، وسيناريو وحوار مُحكمين وهي نقطة قوته.
الاثنين 2020/09/07
الفيلم تحاشى الوقوع في فخ المشاهد الرومانسية

بدأت السينما المصرية تعود إلى نشاطها تدريجيًا، بعد توقف دام نحو أربعة أشهر بسبب الإجراءات الاحترازية لفايروس كورونا. وتصاعدت المنافسة لجذب الجمهور. وأخذت الإيرادات ترتفع مع عرض بعض الأفلام في دور السينما مؤخرًا، ومن بينها فيلم “توأم روحي” الذي استقطب جمهورا هاما إلى قاعات السينما رغم الظرف الاستثنائي.

بدأ عرض الفيلم الرومانسي “توأم روحي” في 19 أغسطس الماضي، ونجح في تحقيق إيرادات تجاوزت ثلاثة ملايين جنيه (حوالي 200 ألف دولار) خلال الأيام العشرة الأولى للعرض، مع أن نسبة الحضور متوقفة عند عتبة 25 في المئة فقط من سعة مكان العرض.

لم يكن النجاح الذي حققه “توأم روحي” مُستمدّا من فراغ، فقد استفاد العمل من المثالب الكبيرة التي هيمنت على الأفلام المعروضة في الفترة الماضية، بسبب الاعتماد على قصص مستهلكة وصياغتها في سيناريوهات مهترئة.

هذا العيب هو ما تجنبه صناع الفيلم، فمع أنه ينتمي لنوعية الأفلام الرومانسية، إلا أنه جاء في حبكة غير مألوفة، وسيناريو وحوار مُحكمين، وهي نقطة القوة التي أسهمت في تماسك الفيلم.

الفيلم بطولة حسن الرداد وأمينة خليل، والتونسية عائشة بن أحمد، ومن تأليف أماني التونسي، وإخراج عثمان أبولبن، وسبق أن تعاون هذا الثنائي في فيلم “قصة حب” العام الماضي. وشاركت المطربة جورى بأغنيتين هما “شوف النصيب” و”أول مرة”، وشارك المطرب وائل جسار بأغنية “حلم حياتي”.

رومانسية متجددة

الفيلم استقطب جمهورا هاما إلى قاعات السينما رغم الظرف الاستثنائي
الفيلم استقطب جمهورا هاما إلى قاعات السينما رغم الظرف الاستثنائي

 يبدأ الفيلم بمشهد زفاف عمر وريم، أو حسن الرداد وأمينة خليل، ومنذ المشهد الأول يمعن صناع العمل في زراعة التفاصيل بشكل مُتقن وسلس بحيث تستغل لاحقًا في تعزيز حبكة العمل.

وظهر في المشهد الأول والد ريم، ويقوم بدوره الفنان بيومي فؤاد، وتبيّن بعد لقطات قليلة تعلُقه الشديد بابنته إلى حد يجعله غير راض عن زواجها. تُقدّم الفكرة تلك بشكل سريع وكوميدي لكنها تصير نقطة ارتكاز لمشهد تراجيدي مؤثر ومُتقن.

ربما تكون قصة تعلق الأب بابنته عرضت في أكثر من عمل سابقا، وأهمها “عريس من جهة أمنية” بطولة عادل إمام وحلا شيحة وشريف ومنير، غير أنها في “توأم روحي”، جرى توظيفها بشكل مختلف وعلى أكثر من مستوى فني.

تحاشى الفيلم الوقوع في فخ المشاهد الرومانسية المجانية التي لا تخدم فكرته وحبكته، فبعد المشهد الأول جاء المشهد التالي عن شهر العسل الذي يقع فيه سريعًا الحدث الدرامي المؤثر في مسار الفيلم، وهو وفاة البطلة غرقًا، ومعاناة زوجها بعد وفاتها من عدم القدرة على التعايش مع فراقها المفاجئ.

لم تلجأ كاتبة الفيلم لفكرة مستهلكة وسهلة عن قصة حب جذابة تواجهها بعض العراقيل البسيطة لتنجح في نهاية المطاف، وإنما قدمت الرومانسية في الفيلم من خلال خيالات البطل خلال رحلة العلاج باستخدام “التنويم المغناطيسي” الذي يخضع له بعد تدهور حالته، فيلتقي في كل مرة من العلاج بحبيبته.

وهنا يلتقي الزوج وزوجته الراحلة من خلال شخصيات مختلفة لكليهما، وفي كل مرة يفترق عنها لأسباب مختلفة، وفي المرة الأخيرة يشهد لقاؤهما وداعًا تخبره فيه أن عالميهما متباعدان، ولن يقيّض لهما اللقاء، وجاءت هذه العبارة كرسالة وداع من زوجته الراحلة كي يبدأ حياته من جديد.

الطريف في هذه اللقاءات، التي تتم عبر رحلة العلاج النفسي، أنها تبدو وكأنها استكمال خيالي من البطل لحياته التي فارقته بغتة، ولأوقات كان ينتظر أن يعيشها مع زوجته التي رحلت بسرعة، ولذلك تكتسب الحالة الرومانسية التي قدمها الفيلم جديتها واختلافها عن القصص الرومانسية المعتادة.

مع أن هذه الحالة توجّه دفة الفيلم، غير أنه جاء متنوعًا وذكيا، بين مشاهد تراجيدية مؤثرة كلقاء الزوج بوالد زوجته بعد فترة طويلة من العجز عن مقابلته، والمشاهد الكوميدية التي لم تعتمد على انتزاع الضحكات دون داع درامي، وإنما استندت إلى كوميديا الموقف، فضلًا عن الدراما النفسية التي صيغت دون تثاقف.

تركيز الفكرة

مشاهد تراجيدية مؤثرة
مشاهد تراجيدية مؤثرة

جاءت الأغاني المُصاحبة لعدد من مشاهد الفيلم للمطربة جوري والفنان وائل جسار مُعبّرة ومعززة للحالة الرومانسية التي يُقدمها الفيلم، وأسهمت في تركيز الفكرة دون تكرار لمشاهد تعكس الحالة ذاتها.

واستخدمت الأحداث بشكل مكثف بحيث يكون معظمها ركيزة تُبنى عليها فكرة أو حدث آخر، مثلما في الشخصيات المتعددة التي تظهر فيها الممثلة التونسية عائشة بن أحمد، وكان من الممكن أن يأتي دورها بدون داع درامي قوي كمجرد شخصية ثانوية تسهم في دفع الأحداث، لكن تكرار ظهورها استُغِل في المشهد الأخير، والذي يُقرر فيه البطل بدء حياة جديدة مع تلك الشخصية التي تكرر ظهورها في مواقفه المُتخيلة.

وظهر الإخراج على درجة كبيرة من الإتقان، حيث استخدمت زوايا الكاميرا وحركتها بشكل يلائم الحالة النفسية للأبطال، ومثلت اللقطات القريبة جدا تعبيرًا عن شعور الزوج بالعزلة والانفصال عما حوله، وعبّر المخرج عن الحالة الرومانسية بشكل جيد من خلال المشاهد السريعة المتلعقة برابطة الحب بين الزوجين، وتوظيف للأغاني في تلك المشاهد.

قُدِّمت المشاهد الخاصة بالتنويم المغناطيسي بإتقان، فلم ينسق صُناع العمل لفكرة إبراز كل التفاصيل الخاصة بالعلاج، واكتفوا بإظهار تلك التي تُستغل دراميًا في الفيلم، مثل التفاعلات العكسية للبطل بعد انتهاء الجلسات كالصداع والقلق والتوتر.

الزوج يلتقي زوجته الراحلة من خلال شخصيات مختلفة لكليهما، وفي كل مرة يفترق عنها لأسباب مختلفة

برز ذكاء صناع العمل في النهاية غير التقليدية للفيلم، والتي فتحت أفق التلقي وجعلت المشاهد شريكًا في التخيُل، وانتهى الفيلم بمحاولة “عمر” البحث عن الفتاة التي التقاها في خيالاته أثناء رحلة العلاج بالتنويم المغناطيسي، وصدفة يجدها فعلًا أمامه، ويطلب منها موعدًا، وما إن يلتقي بها يبدأ في سرد كل ما مرّ به في أثناء جلوسهما معًا في مطعم، وينتهي الفيلم بتوجيه الكاميرا إلى منضدة أخرى في المطعم ذاته تجلس أمامها زوجته وتطلب حساب المطعم.

تلك النهاية يمكن للمشاهد أن يعتبرها خيالًا جديدًا، يُضاف إلى قائمة الرحلات المُتخيّلة التي خاضها البطل في أثناء فترة العلاج، بدءًا من بحثه عن الفتاة وحتى لقائه بها، ما يُعد تغيّرًا جديّا لوعي البطل بعد رحلة العلاج إلى حد بات معه وعيه ولاوعيه في حالة توافق وقناعة بضرورة خوض بداية جديدة دون أن تُمحى ذكرى الزوجة الراحلة.

يمكن اعتبار اللقطة الأخيرة مُعبّرة عن الحضور الرمزي الدائم لتلك الزوجة في حياة زوجها، وإن اعتزم الشروع في استكمال حياته مع امرأة أخرى.

14