تهيئة التعليم الدامج في الأردن مطلب ملح لأولياء أمور الطلبة من ذوي الإعاقة

غياب البنية الخدمية التي تسهل حياة الطلبة من ذوي الإعاقة ينذر بتفاقم المشكلة.
الأربعاء 2021/11/10
وجود طوابق عليا في المدرسة لا يساعد ذوي الإعاقة على مواصلة الدراسة

يواجه الطلبة الأردنيون من ذوي الإعاقة صعوبات على مستوى التعليم الدامج حيث يقابلون في غالب الأحيان بالرفض من طرف المدارس العمومية. وفي صورة تم قبولهم يتكبد الأولياء مشقة تأمين الكتب الدراسية بلغة بريل، بدلا من أن توفرها لهم المدرسة، ما يضطرهم للتنقل إلى العاصمة لتوفيرها. ويطالب أولياء الأمور بضرورة تهيئة التعليم الدامج وتحسينه.

عمان- يجتمع على الطلبة من ذوي الإعاقة منذ نعومة أظفارهم، خصوم عنيدون؛ إعاقة لا ذنب لهم بها تستتبع صورة نمطية اجتماعية، فضلا عن غياب البنية الخدمية التي تسهل حياتهم، خصوصا في المناطق الطرفية، ما ينذر بتفاقم هذه المشكلة المزمنة، إن لم تستتبعها حلول جذرية نحو تحقيق حقوقهم العادلة في المجتمع.

وواجهت العشرينية مرام الزيدانيين التي تقطن في مدينة معان، من ذوي الإعاقة البصرية، في مطلع عمرها المدرسي، مشكلة عدم تهيئة الروضة لاستيعابها، ما دفع أسرتها للانتقال من محافظة معان إلى العاصمة عمان لمدة خمس سنوات، التحقت خلالها بالصفوف الدراسية الثلاثة في مدرسة للمكفوفين، إضافة إلى التحاقها برياض الأطفال، وحتى عودة الأسرة إلى معان. كانت هذه السنوات، على ما تقول الزيدانيين، رحلة شاقة ،”شهدت خلالها صعوبات جمة، مثل رفض بعض مديرات المدارس إلحاقي بمدارسهن، حتى صادفنا مشرفة تمكنت من إقناع المديرة بإلحاقي بالمدرسة، وبذا تسنّى لي الحصول على الثانوية العامة”.

وتضيف الزيدانيين “كان والدي يحاول تأمين الكتب الدراسية بلغة بريل، بدلا من أن توفرها المدرسة، فكان يضطر للذهاب إلى مدرسة المكفوفين في عمان لاستلام الكتب بلغة بريل، ويقوم بإرجاعها لها بعد انتهاء السنة الدراسية”. معاناة مرام الزيدانيين، صقلتها حتى تصلب عودها، وهي تقول إن التعليم الدامج أفضل بكثير مما يتلقاه الفرد من تعليم في مدارس متخصصة بذوي الإعاقة، للاستفادة الأكبر وتعلم المزيد من المهارات التي ترفع من معدل الاستقلالية لدى الفرد. ولم تكتف الزيدانيين، بما تعلمته، بل سعت جاهدة، كما توضح، إلى تعليم مثيلاتها من الفتيات ما وسعها ذلك، لغة بريل بالمجان، للعمل على استكمال دراستهن بيسر وسهولة، فضلا عن أنها تطرق باب أسر ذوي إعاقة لرفع التوعية لديهم بضرورة تعليم أبنائهم، إذ هم استثمار للمستقبل.

سامي المحاسيس: هناك العديد من التحديات التي تواجه التعليم الدامج

فالطفل كريم شطناوي القاطن في إربد، والمصاب بتشوه خلقي في يده، حالة أخرة من حالات المعاناة التي يعيشها ذوو الإعاقة إذ لم يقبله عدد من المدارس، إلى أن وافقت إحدى المدارس الخاصة على استقباله بعد أن أثارت قضيته وسائل الإعلام.

الأمر ينسحب على والدة الطالب (علي) وهو الاسم المستعار من ذي الإعاقة الحركية، التي تعبّر بأسى عن تأثر ابنها نفسيا، بفعل ذهابه اليومي من محافظة الزرقاء إلى مدرسة خاصة في عمان، بعد أن رفضته مدارس محافظة الزرقاء.

اليوم، بات التعليم الدامج مطلبا ملحا يردده أولياء أمور الطلبة من ذوي الإعاقة، لتهيئة البيئة التعليمية الدامجة لإلحاق أبنائهم بها وتوفير ترتيبات تيسيرية لهم، بعد أن تكبدوا معاناة الرفض لقبول أبنائهم في المدارس، ودفع رسوم إضافية في المدارس الخاصة وفق شروطهم لتقديم خدمات لأبنائهم، أو تواجد صفوف طلبة ذوي الإعاقة الحركية في طوابق عليا كالطابق الثالث أو الرابع في المدرسة، الأمر الذي قد ينذر البعض منهم بوقف مسيرتهم التعليمية.

وتعرف منظمة اليونسكو التعليم الدامج بأنه تأمين وضمان حق جميع الأطفال ذوي الإعاقة في الوصول والحضور والمشاركة والنجاح في مدرستهم النظامية المحلية، وهو يتطلب بناء قدرات العاملين في مدارس الحي والعمل على إزالة الحواجز والعوائق المادية التي قد تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وحضورهم ومشاركتهم من أجل تقديم تعليم نوعي للطلبة كافة، وتحقيق إنجازات تعليمية في هذا المجال. فالاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج التي اطلقت العام الماضي، أشارت إلى أن هناك العديد من الطلبة ذوي الإعاقة المتسربين من المدارس، نتيجة وجود عوائق بيئية وحواجز سلوكية وغياب إمكانية الوصول والترتيبات التيسيرية وتأهيل المعلمين التي من شأنها إزالة تلك العوائق والحواجز.

وبلغت نسبة من تقدم لهم الخدمات التعليمية من الطلبة ذوي الإعاقة 19.8 في المئة من عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في سن التعليم، أي بنحو أكثر من 80 في المئة من الطلبة ذوي الإعاقة لا يقدم لهم أي نوع من أنواع الخدمات أو البرامج التربوية والتعليمية في المملكة، وفقا للاستراتيجية. وأكدت الحاجة إلى تأسيس ثقافة والتزام بتعليم كافة الطلبة بمن فيهم الطلبة ذوو الإعاقة في المدارس النظامية، بوصف ذلك سياسة وممارسة ومسؤولية من قبل وزارة التربية والتعليم.

على الصعيد ذاته، أوصت دراسة أطلقها المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2019، بعنوان “واقع برامج التعليم الدامج في رياض الأطفال في المملكة الأردنية الهاشمية” للدكتورة سهى طبال ببذل المزيد من الجهود لمأسسة التعليم الدامج، والاهتمام بأنواع الإعاقة عند التفكير بتهيئة البيئة الاجتماعية والمادية، وتشجيع الأسر على التطوع لإنجاح التعليم الدامج.

ولفتت الدراسة إلى عدم توفير متطلبات التعليم الدامج بشكل مناسب، وضعف التسهيلات اللازمة لإلحاق جميع الطلبة بالبيئة المادية أو البيئة الاجتماعية، خصوصا الأطفال ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، ما ترتبت عنه قلة الأطفال الملتحقين برياض الأطفال من هاتين الفئتين.

نتائج الدراسة عكست بوضوح قلة البرامج النوعية المستخدمة في رياض الأطفال، ما أثّر حتما على فاعلية التعليم الدامج في بعض رياض الأطفال وتشكيل الاتجاهات السلبية نحوه من قبل بعض الإدارات والعاملين وبعض أولياء الأمور الأطفال الملتحقين بها.

◄ وزارة التربية والتعليم تؤكد أن المؤشرات الأولية تظهر زيادة عدد الطلبة ذوي الإعاقة عن العام السابق بنحو 800 طالب وطالبة

والتعليم الدامج هو إتاحة الفرصة لجميع من هم في سن التعليم بدخول التعليم النظامي وغير النظامي، دون النظر عن العمر أو الجنس أو الجنسية أو الحالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجسدية، فالمدرسة متاحة للجميع، بحسب الخبير التربوي سامي المحاسيس.

وقال المحاسيس إنه من منطلق الدستور الأردني وقانون وزارة التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 وقانون المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 كانت مهمة توفير التعليم ملقاة على عاتق وزارة التربية والتعليم.

وأوضح أن الوزارة في السنوات الأربع الأخيرة استطاعت أن تستقبل نحو 24 ألف طالب وطالبة من ذوي الإعاقة في مدارسها المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، منهم 270 طالبا وطالبة من ذوي الإعاقة البصرية، و644 من ذوي الإعاقة السمعية.

وبين أن هناك العديد من التحديات التي تواجه التعليم الدامج للطلبة، منها المبنى المدرسي، إذ أن هناك 26 في المئة من المباني المدرسية الحكومية مستأجرة، وهذا يقف حاجزا أمام تقدم الطلبة في المدارس، باعتبارها غير مهيأة لتكون دامجة، بالإضافة إلى عدم وجود وسائل نقل متخصصة بالطلبة ذوي الإعاقة.

وتابع وبالرغم من وجود 103 آلاف معلم ومعلمة، إلا أنه لا بد من العمل على تدريبهم في هذا المجال، لأن التحدي الذي يواجهنا هو عدم تفهم بعض التربويين لطبيعة التعليم الدامج على مستويي مركز الوزارة والميدان. ودعا المحاسيس إلى إنشاء المركز الوطني للتعليم الدامج على غرار المركز الوطني لتطوير المناهج، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية حتى تكون مهيأة للطلبة ذوي الإعاقة، وإيجاد مساق في كل كليات الجامعة سواء العلمية والأدبية أو الطبية يتعلق بآلية وكيفية دمج الطلبة من ذوي الإعاقة.

ولفت مدير مديرية برامج الطلبة ذوي الإعاقة في وزارة التربية والتعليم محمد الرحامنة إلى تنفيذ بنود قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 المتعلقة بالوزارة، مشيرا إلى أن الوزارة عملت على مراجعة التشريعات التربوية، بالتنسيق مع شركائها، وهم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظمة التعاون الألماني، إضافة إلى خبراء أردنيين في مجال التربية الخاصة، بهدف تعديل التشريعات التربوية، مثل أسس النجاح والإكمال والرسوب وقبول الطلبة الأردنيين وسواهم، وتعليمات امتحان الثانوية العامة المتعلقة بالطلبة ذوي الإعاقة وتعليمات التشكيلات المدرسية لتسهيل عملية دمج الطلبة ذوي الإعاقة مع أقرانهم.

وأضاف أن الوزارة عملت على شراء الخدمات التعليمية للطلبة ذوي الإعاقة من المدارس والمراكز الخاصة في المناطق التي لا توجد فيها مدارس حكومية قريبة مجهزة بالتسهيلات البيئية اللازمة لمتطلبات الطلبة ذوي الإعاقة.

وبلغ عدد الطلبة الملتحقين بالمدارس والمراكز الخاصة الذين استفادوا من دعم التعليم 549 طالبا وطالبة، بمبلغ يصل إلى نحو 330 ألف دينار.

وأوضح الرحامنة أن الوزارة تهدف من تقديم دعم شراء الخدمات التعليمية من القطاع الخاص إلى تشجيع أولياء أمور الأشخاص ذوي الإعاقة على إلحاق أبنائهم بالتعليم، وتمكين وصولهم من البيت للمدرسة والعودة، ووفرت الوزارة كل متطلبات الوصول الداخلي والخارجي.

أولياء الأمور يتكبدون معاناة الرفض لقبول أبنائهم في المدارس، ودفع رسوم إضافية في المدارس الخاصة وفق شروطها
أولياء الأمور يتكبدون معاناة الرفض لقبول أبنائهم في المدارس، ودفع رسوم إضافية في المدارس الخاصة وفق شروطها

وبخصوص الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج 2020 – 2030 قال الرحامنة، إن لجنة وزارية مشتركة شكلت لضمان تطبيق الاستراتيجية للأعوام الثلاثة الأولى، برئاسة رئيس الوزراء وعضوية رئيس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (نائبا للرئيس) ووزراء التربية والتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والأشغال العامة والإسكان، إضافة إلى المنسق الحكومي لحقوق الإنسان.

وأشار إلى تشكيل لجنة توجيهية تضم الأمناء العامين من الوزارات المعنية برئاسة أمين عام وزارة التربية والتعليم، وعضوية أمين عام المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة نائبا للرئيس ووزارة الأشغال العامة والإسكان والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، وستة خبراء مستقلين، أربعة منهم من ذوي الإعاقة.

وبين الرحامنة أن تنفيذ الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج ومحاور العمل عليها ضمن مشروع “بروميس” الخاص بتوكيد جودة التعليم الدامج والممول من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، حيث بدئ في المرحلة التجريبية في ثلاث مديريات، هي ماركا وعجلون والكرك بواقع ست مدارس لكل مديرية.

كما تم تصميم وتنفيذ برامج توعوية وبرامج تطوير القدرات حول التعليم الدامج وأساليب تطبيقه، تستهدف مستويات متعددة من الوزارات والمعلمين والطلبة سواء كانوا من ذوي الإعاقة أو غيرهم وأسرهم والمجتمعات والإعلام وغيرها من الجهات المعنية، إضافة إلى تصميم أدلة إجرائية وأدلة تدريبية للتعليم الدامج، وفقا للرحامنة.

وأوضح الرحامنة أن عدد المدارس التي تتوفر فيها تسهيلات بيئية وتم دمج الطلبة ذوي الإعاقة فيها بلغ ألف مدرسة في جميع المديريات التابعة لوزارة التربية والتعليم، أما عدد الطلبة من ذوي الإعاقة وطلبة صعوبات التعلم الذين جرى دمجهم في المدارس الحكومية للعام الدراسي (2020 – 2021 فبلغ 22907 من الطلبة ذكورا وإناثا.

وبين أن الوزارة تعكف على تحديث البيانات في المدارس والمراكز الحكومية والخاصة، وتؤكد الوزارة أن المؤشرات الأولية تظهر زيادة عدد الطلبة ذوي الإعاقة عن العام السابق بنحو 800 طالب وطالبة.

وأوضح أنه تم نقل المراكز النهارية الخاصة التي تقدم خدمات تعليمية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى وزارة التربية والتعليم للمتابعة والإشراف عليها، كما عملت على إعداد تعليمات تراخيص ومتابعة وإشراف على المراكز النهارية الخاصة، لافتا إلى نقل مراكز المنار الحكومية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية إلى وزارة التربية والتعليم، التي عملت على تشكيل لجنة لنقل المراكز وعددها 24 مركزا حيث تم تقسيم عملية النقل على ثلاث مراحل.

وزارة التربية والتعليم في السنوات الأربع الأخيرة استطاعت أن تستقبل نحو 24 ألف طالب وطالبة من ذوي الإعاقة في مدارسها المنتشرة في مختلف مناطق المملكة

كما أشار الخبير التربوي ذوقان عبيدات إلى أن من حق ذوي الإعاقة أن يتعلموا في نفس الظروف التي يتعلم فيها الطلبة من غير ذوي الإعاقة، باعتبار أن الفروق بين طالب من غير ذوي الإعاقة وبين أقرانه قد تكون أوسع من الفروق بين طالب من غير ذوي الإعاقة وبين طالب يواجه إعاقة، كوجود طالب متفوق من ذوي الإعاقة، مع طالب من غير ذوي الإعاقة وغير مهتم بالتحصيل العلمي. والأهم في ذلك، حسب عبيدات معرفة نمط التعلم عند كل طالب.

وبين أهمية هذا النوع من التعليم وهو “التعليم المتمايز” الذي يضمن تقديم تعليم يناسب كل طالب سواء يواجه إعاقة أم لا، وما يتطلب هذا النوع من التعلم في بيئة صفّية مناسبة وترتيبات تيسيرية.

وأوضح أهمية تعليم كل طالب وفق ذكائه البصري والسمعي والحركي والبيئي والاجتماعي، وتوفير برامج تربوية داعمة للتعلم الدامج، وتطوير استراتيجيات التعليم ونظام الامتحانات ومراجعة المناهج وإضفاء المرونة عليها حتى تتوافق مع متطلبات التعليم الدامج، والعمل على تغيير مفاهيم في المناهج قد تسيء للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل غير مقصود تظهرهم وكأنهم يحتاجون إلى الشفقة والمساعدة، وهو ما يتنافى مع حقوقهم.

17