تنمية سيناء خيار مصري لقطع الطريق على مخططات توطين الغزيين

القاهرة - يحمل تركيز الحكومة المصرية على جهود التنمية في سيناء خلال الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لتحريرها، رسائل عديدة مفادها أن الموقف الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لا يقتصر على الخطاب المعلن، بل إن هناك تحركات عملية مكملة لسد الفراغات التي نفذت منها المطالبة بالتوطين في سيناء.
وحرصت الحكومة على تنوير المواطنين بالمشروعات التي دشنتها في سيناء وخططها المستقبلية بشأن نقل مئات الآلاف من المصريين من الوادي إليها، وتحويل المناطق الصحراوية الشاسعة إلى مناطق زراعية وتوفير الخدمات العامة لها، مع الإعلان عن طرح شقق سكنية بأسعار مخفضة لأهالي سيناء في مدينة رفح الجديدة بالقرب من الحدود مع غزة، بما يكذب دعاية سابقة بأن المدينة بنيت لاستيعاب فلسطينيين.
وأعلن محافظ شمال سيناء محمد عبدالفضيل شوشة قبل أيام طرح شقق سكنية مخصصة لأهالي رفح المصرية الذين تم نقلهم من أماكنهم أثناء الحرب على الإرهاب خلال السنوات الماضية إلى مدينة رفح الجديدة بعد الانتهاء من مرحلتها الأولى، وتم تخفيض أسعار البنايات السكنية بنسبة 55 في المئة لجذب المواطنين إليها.
وتهدف هذه الخطوة إلى طمأنة الناس وإقناعهم بجهود الدولة في تنمية سيناء التي تشهد تحركات كبيرة لتحقيق تقدم في الصحة والتعليم والبنية الأساسية وكل مقومات العمران والصناعة والزراعة، في إطار مشروع قومي ضخم.
وبدت الرغبة الرسمية واضحة للتأكيد على أن تنمية سيناء تتجاوز المعوقات الاقتصادية التي تواجه الدولة، وأن الإقدام على تدشين المرحلة الثانية من تطويرها خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 400 مليار جنيه مصري (الدولار يساوي 48 جنيها) بعد شهر واحد من انطلاق الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر الماضي، جاء معبرا عن أن التعامل مع هذه المنطقة يبقى خارج أي حسابات أخرى.
وتبقى المشروعات التي جرى تنفيذها على حدود مصر الشرقية بمثابة نقاط مشتركة يتوافق عليها المؤيدون والمعارضون للنظام المصري مع توالي التحفظات على مشروعات قومية أخرى لم تحقق العائد المرجو منها حتى الآن.
وبدت الاحتفالات التي تنظمها جهات حكومية مدخلاً مهمًا للترويح لما تحقق من جهود تنموية، وأصرت على أن تكون قبائل سيناء، من خلال مجلس القبائل والعائلات المصرية، في صدارة المشهد عبر تنظيم حفل فني ضخم جرى بثه على الهواء مباشرة.
وزُينت مداخل سيناء ومخارجها بأعلام وصور شيوخ وقبائل سيناء والتعريف بهم باعتبارهم من المكونات الرئيسية للمجتمع المصري، وذلك ضمن مساعي الدولة لتفويت الفرصة على أي محاولة من شأنها عزل مساعيها للتنمية عن الظهير الشعبي الذي تحتاجه في تلك المنطقة، ما يسهل جهودها لإعادة توطين المصريين، وتأكيد أنها تقدم مزايا لمن يحافظون على الأرض وتشجع آخرين على الذهاب إلى هناك.
وقال المستشار في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا (تابعة للجيش المصري) اللواء نصر سالم إن مشكلة سيناء التاريخية تتمثل في الفراغ والفقر السكاني، ما جعلها مطمعا لإسرائيل وقوى أخرى تذرعت بوجود نحو 60 ألف كيلومتر مربع لا يقطنها سوى نصف مليون نسمة، بينما هناك أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يقطنون منطقة مساحتها 360 كيلومتر مربع فقط، فضلا عن ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية التي تبلغ مساحتها ستة آلاف كيلومتر مربع، وبالتالي تعددت المطالب التي تنادي بمنح الفلسطينيين أراضي أو مناطق من سيناء.
وأوضح سالم في تصريح لـ”العرب” أن “أولى خطوات السلطة المصرية منذ عشر سنوات هي إعمار سيناء بالبشر، وعمدت إلى إنهاء الفصل القسري بين سيناء وباقي محافظات الدولة من خلال إنشاء خمسة أنفاق ودعمت سهولة الوصول والعبور من غرب قناة السويس إلى شرقها، واستصلاح ما يقرب من نصف مليون فدان وإيصال نحو 4 ملايين متر مكعب من المياه إليها”.
هذا علاوة على إنشاء شبكة طرق طولها نحو خمسة آلاف كيلومتر من شمال سيناء إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، مع تطوير الموانئ البحرية والجوية، وإنشاء خمس جامعات والعشرات من المدارس والوحدات الصحية لتشجيع المواطنين على الذهاب إليها.
ولفت نصر سالم إلى أن الرسائل الأكثر أهمية من وراء هذه الجهود، والموجهة إلى الخارج، هي أن مصر تستهدف التأكيد على أن الفراغ السكاني لا وجود له، وهناك خطة لتوطين ثلاثة ملايين مواطن بحلول عام 2030 وثمانية ملايين بحلول عام 2050، وإنهاء أية أطماع تتعلق بمساعي تبادل الأراضي أو تهجير الفلسطينيين أو الوعد بوجود تمويلات خارجية لإقامة مناطق سكنية ومعيشية للفلسطينيين في تلك المنطقة.
والكثير من العسكريين في مصر متيقنون من أن تعمير سيناء يقوي موقف الدولة الرافض لعملية التهجير، ويبرهن على أن لديها إمكانيات تجعلها قادرة على تعمير المنطقة بعد أن أثبتت أنها تملك قدرات عسكرية ساعدتها على تطهيرها من العناصر الإرهابية.
وقال الخبير في االشؤون الإقليمية بشير عبدالفتاح إن سيناء أولوية للنظام المصري، وقدم مقاربات اقتصادية وتنموية مهمة عبر التعمير، ومقاربات أمنية بتطهيرها من الإرهاب، وأخرى سياسية من خلال الصمود في وجه مخططات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين.
وذكر عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” أن “صمود الموقف المصري دفع الإدارة الأميركية إلى تبني مواقف تتعارض مع خطط إسرائيل، ورأت صعوبة في تمرير مشروع التهجير باعتباره مهدداً لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأوضاع المنطقة بشكل عام”.
وشدد على أن الموقف التنموي في سيناء له علاقة مباشرة برفض توجه إسرائيل إلى اقتحام مدينة رفح في جنوب غزة، وما يترتب على ذلك من احتمال تهجير أعداد من الفلسطينيين قسريا، كنوع من الالتفاف حول تطبيق مخطط التوطين.
وأوضح عبدالفتاح أن تسليط الضوء على أدوار أهالي سيناء الآن يهدف إلى الحيلولة دون إحداث وقيعة بين أجهزة الدولة وقبائل قامت بدور معتبر في مواجهة الإرهاب، وأسهمت سابقا في طرد القوات الإسرائيلية من سيناء.
وتحتفل مصر في الخامس والعشرين من أبريل كل عام برحيل آخر جندي إسرائيلي من سيناء، ورفع العلم في مدينتي شرم الشيخ في جنوب سيناء ورفح في شمالها. وكان الاستثناء الوحيد مدينة طابا التي ظلت إسرائيل تراوغ في إعادتها حتى تمكنت الدبلوماسية المصرية من استعادتها في التاسع عشر من مارس عام 1989.