تنامي غضب العمال يهدد بإفشال الانتعاش الصناعي في إثيوبيا

يعكس تنامي التعامل السلبي لمسؤولي الشركات والمصانع الإثيوبية مع جحافل العمال وخاصة في ما يتعلق بالأجور، أحد أبرز التحديات الرئيسية التي تواجهها السلطات في سعيها لإنعاش القطاع الصناعي في البلاد لجعله أقل اعتمادا على الزراعة، باعتباره محركا مهمّا للنهوض بالنمو الاقتصادي على أسس مستدامة.
أديس أبابا - تزايدت شكاوى العمال في إثيوبيا من الاستغلال المادي لهم في المخطط التنموي وسوء معاملة أرباب العمل لهم مما جعلهم يصعدون ويهددون بوقف نسق الإنتاج.
ويقول زمان زريهون وهو يبلغ 22 عاما لوكالة الصحافة الفرنسية إنه سئم العمل في ظروف مرهقة لثماني ساعات يوميا لستة أيام في الأسبوع لضمان إنتاجية المصنع لقاء أجر لا يتخطى 31 يورو في الشهر، لا يؤمن له معيشة لائقة.
وأوضح “في المصنع يعاملنا المشرفون وكأننا حيوانات فينهروننا إذا ما تباطأت سلسلة الإنتاج صائحين ‘بطيء جدا وكسول'”. ويروي هذا الشاب قصته بالتأكيد على أنهم كانوا متشددين إلى حد أنهم يتبعون العمال إلى الحمامات للتثبت من أنهم لا يهدرون وقتا أكثر مما ينبغي، مضيفا “عانيت كثيرا”.
وتعكس قصة زريهون أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها السلطات الإثيوبية في سعيها لإنعاش القطاع الصناعي في البلاد لجعله أقل اعتمادا على الزراعة. وتقضي الخطة باتباع نموذج الصين ودول آسيوية أخرى، ما يقضي باجتذاب استثمارات أجنبية بفضل يد عاملة متدنية الكلفة وبناء قطاع تصنيع حيوي قادر على تأمين وظائف للشبان.
والواقع أن النشاط في المجمعات الصناعية الـ12 القائمة ساهم في تأمين عشرات الآلاف من الوظائف، لكن بالرغم من نسبة البطالة المرتفعة، يرفض الشبان العمل بأجور زهيدة، وفضل الآلاف منهم تقديم استقالاتهم.
وبلغت نسبة تغيير الموظفين في حواسا ما يقارب مئة بالمئة في 2017 /2018، وفق تقرير أصدره مركز ستيرن للعمل وحقوق الإنسان التابع لجامعة نيويورك في مايو الماضي. وأشار التقرير إلى أن التكاليف الإضافية المتأتية من التوظيف وتدريب الموظفين الجدد كانت “أعلى بكثير مما تحدثت عنه الحكومة بالأساس”.
10 في المئة نسبة مساهمة قطاع الصناعة في الاقتصاد الإثيوبي رغم الجهود الحكومية المبذولة
ويرى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن هذه المجمعات الصناعية هي بمثابة محرك للنمو قد يحول دون وقوع اضطرابات قبل الانتخابات المرتقبة في أغسطس المقبل.
وأدركت الحكومة منذ عام 2014 أن القطاع الزراعي الذي يعتبر مصدر الوظائف الأول في البلاد، لا يمكنه إيجاد وظائف كافية لسكان في تزايد متواصل. وبحسب أرقام البنك الدولي، ينضم مليونا شخص جديد كل سنة إلى سوق العمل في إثيوبيا التي تسجل إحدى نسب النمو الاقتصادي الأسرع في القارة.
لكن رغم الجهود المبذولة، فإن قطاع التصنيع لا يمثل حتى الآن سوى حوالي 10 في المئة من النشاط الاقتصادي الإجمالي في البلد. وافتتح مجمع حواسا الصناعي عام 2017، موقع يضم 52 مصنع نسيج أميركيا وأوروبيا وآسيويا يوظف حوالي 30 ألف عامل يتناوبون ليل نهار على خياطة قمصان قطنية وملابس رياضية.
كما كان مقررا افتتاح 29 مجمعا صناعيا آخر في جميع أنحاء البلد بحلول نهاية العام تنشط في قطاعات مختلفة مثل إنتاج الآلات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأتت هذه السياسة بثمارها، فبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 4.3 مليار دولار عام 2017، ما يفوق بأربعة أضعاف مستواها قبل خمس سنوات.
ورغم الفائض في الأرباح فإن أجور العملة كانت ضعيفة للغاية حيث أن عمال حواسا من عمال النسيج هم الأدنى أجرا في العالم، ولا يزيد أجرهم الأساسي على 26 دولارا، بحسب مركز ستيرن.
ويعكس هذا المبلغ الزهيد الإشكال الذي يتخبط فيه البلد الذي لم يقر حدا أدنى للأجور، ولكن العمال يوضحون أنه بالكاد يمكنهم دفع تكاليف الطعام والتنقل وتسديد إيجاراتهم، حتى لو تقاسموا شققا ضيقة ينامون فيها بالتناوب بحسب دوامات عملهم.
وبعد ثمانية أشهر على تقديم استقالته، لم يجد زريهون عملا بعد، لكنه غير نادم، بل يفضل العودة إلى المزرعة العائلية وزراعة الأرض بدل أن يكدح في مصنع كان يأمل أن يساعده على تحسين أوضاعه.
وينطبق الأمر نفسه على مديهانت فيهيني التي تخلت عن عملها في حواسا، حيث تقول “كان عليّ أن أنهض وأستقل الباص في الساعة 5:30 صباحا لأبدأ العمل على الساعة السادسة صباحا، وحين كان دوام عملي بعد الظهر، لم أكن أعود إلى البيت قبل الساعة الحادية عشرة والنصف، وهي ساعة لا تكون فيها النساء بأمان في الخارج”.
ويشير توني كاو المسؤول في شركة جي.بي للنسيج إلى أن الانتقال من الزراعة إلى الصناعة صعب على هؤلاء العمال موضحا “إنه فصل جديد في حياتهم”.
وحاولت الحكومة إيجاد حلول لمشكلات الموظفين، فمنحت الشركات، مثلا، أراضي لإقامة مهاجع بإيجارات مدعومة، على ما أوضح أركيبي.
ولكن هذا الموظف الذي يعمل الآن مستشارا خاصا لرئيس الوزراء، يدافع عن الأجور المتدنية معتبرا أنها تشجع الاستثمارات في إثيوبيا.
وأوضح أركيبي “إذا كانت الأجور مرتفعة ولم تأتِ الاستثمارات، فلن يكون هناك استحداث وظائف”، وأضاف أن “سبل معيشة العمال يمكن أن تتحسن مع تحسن إنتاجيتهم”.
وتصب الإجراءات القائمة في مصلحة أصحاب العمل في قطاع النسيج، ويقول مدير شركة ناسا غارمنت في حواسا راغافندرا باتار “إثيوبيا هي مستقبل الملابس”.
ولا تتولى أي جهة تمثيل العمال بشكل فعلي في حواسا، باستثناء مجالس العمال، التي تعتبر أداة لأصحاب العمل للتحكم بالموظفين.
لكن نائب الرئيس أيالو أحمد أفاد أن اتحاد النقابات الإثيوبية يعتزم البدء بتنظيم العمال مطلع هذه السنة. وقال “سيكون أمرا جيدا إن وافق أصحاب العمل على ضم نقابات في الشركات”.
وحذر وزير المالية أيوب تيكالين تولينا من أن الحكومة تؤيد حق العمال في تنظيم صفوفهم طالما أن ذلك لا يثير بلبلة كبيرة.
وفي هذه الأثناء، يتواصل توافد طالبي العمل إلى حواسا، حيث العشرات منهم يقفون في صفوف انتظار في الصباح للحصول على وظائف.
وفي أحد المصانع، يتوقف تيكلي باراسو بونسا (22 عاما) لثانية عن صبغ خيوط الصوف ليشرح أنه يدخر حتى يتمكن من القيام بدراسات جامعية، وأن الأجر الضئيل الذي يكسبه في المصنع هو أفضل خيار متاح له. ويوضح “لو لم أكن أقوم بذلك، لكنت الآن أمسح أحذية”.