تنازلات الحكومة السودانية والجبهة الثورية تقود إلى توافق حول السلام

الجبهة الثورية تستجيب لطلب الحكومة باختصار فترة دمج جيوش الحركات المسلحة داخل القوات النظامية.
السبت 2020/08/29
أمل في وطن آمن

الخرطوم – تجاوزت السلطة الانتقالية السودانية ملف الترتيبات الأمنية الأكثر تعقيدا في مفاوضاتها مع الجبهة الثورية، التي تضم في عضويتها حركات مسلحة وتنظيمات سياسية، تمهيدا للتوقيع النهائي على اتفاق السلام، بعد غد الاثنين.

وقدم الطرفان المزيد من التنازلات خلال الجلسة التي عقدت الخميس، وامتدت حتى الساعات الأولى من صباح الجمعة، أملا في طي صفحة الخلافات والانتقال إلى أرض الواقع لتنفيذ بنود الاتفاق، في ظل أوضاع أمنية قلقة في ولايات الهامش.

وأتاحت وساطة جنوب السودان الوقت أمام تنقيح الأوراق في ملف الترتيبات الأمنية بدارفور، والإعداد النهائي للبروتوكول السياسي في مسار المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وقررت إرجاء التوقيع على اتفاق السلام بالأحرف الأولى إلى الاثنين المقبل، بعد أن كان من المقرر له الجمعة.

واعتبر رئيس فريق الوساطة توت قلواك، أن السلام أصبح أمرا واقعا بعد أن تجاوزت جميع الأطراف النقاط العالقة، وما تبقى من مناقشات لن يكون عائقا لتحقيق السلام.

وكشف مصدر مطلع على سير المفاوضات لـ”العرب”، تفاصيل ما دار في اللحظات الأخيرة بين الوفد الحكومي والحركات المسلحة، الممثلة لمسار دارفور، حيث استجابت الجبهة الثورية لطلب الحكومة باختصار فترة دمج جيوش الحركات المسلحة داخل القوات النظامية بعد أن تمسكت في السابق بأن تكون خلال فترة تتراوح بين سبع إلى عشر سنوات، وأرجعت ذلك لخشيتها من حدوث خلل أمني في دارفور، غير أن وفد الحكومة تمسك بإجراء عملية الدمج والتسريح خلال الفترة الانتقالية.

وأضاف المصدر ذاته، أن السلطة الانتقالية هدفت إلى دمج جيوش الحركات بشكل فوري على أن يكون ذلك بعيدا عن المناصب القيادية بالقوات النظامية خلال السنوات الأولى لعملية الدمج، قبل أن تصل إلى حل يقضي بقبولها خلال فترة تستغرق 39 شهرا.

يعني ذلك تمديد الفترة الانتقالية بما يسمح بإنهاء إجراءات الدمج والتسريح، وهما من المطالب الأساسية للحركات المسلحة، وجرى تقديم تنازلات أخرى بشأن صرف تعويضات فردية لقتلى الحركات المسلحة، ووافقت على معاملتهم معاملة الشهداء مع تقديم الدعم اللازم لذويهم في معسكرات اللجوء.

محمد زكريا: عملية الدمج والتسريح ستجري عبر 3 مراحل خلال 39 شهرا
محمد زكريا: عملية الدمج والتسريح ستجري عبر 3 مراحل خلال 39 شهرا

كما وافقت الحكومة الانتقالية على احتفاظ الحركات المسلحة بقيادة قواتها بشكل منفصل خلال فترة عملية الدمج وتواجدها في دارفور، قبل أن تتم عملية الانتشار الكبرى في كافة أرجاء السودان، وهو أمر حظي بالكثير من الانتقادات من أطراف سياسية عديدة في الخرطوم، تخشى من تكرار تجربة انفصال جنوب السودان.

وأكد المصدر نفسه، أن الطرفين قبلا تشكيل لجنة عليا تضم في عضويتها القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس قوات الدعم السريع، ورؤساء الأجهزة الأمنية الحكومية، إلى جانب رؤساء الحركات المسلحة في دارفور، للإشراف على تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية ومعالجة كل خلل يحدث أثناء عملية التنفيذ.

وتوافق الطرفان أيضا على تشكيل “قوة حفظ السلام والأمن القومي”، قوامها 12 ألف جندي بينهم 6 آلاف جندي من نصيب القوات النظامية، ومثلهم من نصيب عناصر الحركات المسلحة للمساهمة في جمع السلاح وحماية المدنيين وتأمين العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية.

وأكد القيادي بمسار دارفور التفاوضي محمد زكريا، أنه جرى التفاهم على أن تمر عملية الدمج والتسريح عبر ثلاث مراحل خلال فترة لا تتجاوز 39 شهرا، تبدأ المرحلة الأولى خلال العام الأول من توقيع الاتفاق على السلام، على أن تكون المرحلة الثانية في فترة لا تتجاوز 14 شهرا، وتبقى مرحلة ثالثة تتضمن تدريبات مكثفة للقوات المدمجة خلال فترة لا تتجاوز 13 شهرا.

أصعب ما يواجه ملف الترتيبات الأمنية على الأرض، هو حدوث التوافق بين الحركات المسلحة والقوات النظامية أثناء تنفيذ الاتفاق، ومطلوب تكثيف عمليات التدريب المشتركة بين الطرفين في معسكرات واحدة ولفترات طويلة لإحداث التناغم.

وأوضح زكريا لـ”العرب”، أن هناك نقاطا سياسية عالقة في عدد من المسارات، على رأسها مسار المنطقتين ستتولى إنجازها اللجان المشتركة والمفوضيات التي يجري تشكيلها في أعقاب التوقيع على السلام، ولن توثر على توقيت الوصول إلى محطة الاتفاق النهائي. وبرأي مراقبين، فإن الرغبة في الوصول إلى اتفاق سلام أضحت متوافرة لدى السلطة الانتقالية التي تواجه أزمات عديدة، وتسعى لإحداث اختراق يمكنها من إعادة ترتيب أوراقها.

وثمة رغبة موازية لدى الجبهة الثورية التي أدركت أن إطالة أمد المفاوضات أكثر من ذلك يهدد المكاسب التي حققتها، والوقت مناسب للوصول إلى توافق مع المركز في ظل حالة الضعف التي تمر بها الحكومة، جراء تفكك ظهيرها السياسي، تحالف قوى الحرية والتغيير.

وجرى تفعيل دور الجبهة الثورية داخل الحرية والتغيير، بالتزامن مع حلحلة خلافات الترتيبات الأمنية، وبدا أن الحركات المسلحة أرادت أن تدشن حضورها السياسي من المركز ليساند مهمتها الثقيلة نحو دمج مقاتليها داخل القوات النظامية، لإدراكها بأن اتفاق السلام بحاجة إلى قوة دفع في الخرطوم، وأن البقاء بعيدا عن سلطة اتخاذ القرار قد يقوض جهودها التي بذلتها خلال فترة المفاوضات.

لكن الحكومة تواجه مأزقا جديدا يتمثل في عدم اعتراف العديد من مكونات الشرق بالمسار الذي توصلت السلطة لتوافق حوله مع الجبهة الثورية في جوبا، إلى جانب أن تركيزها المنصب على دارفور من دون أن يكون هناك ذات الاهتمام بما يجري في الشرق قد يجعلها أمام بؤرة تهدد تماسك الدولة مع توالي الاشتباكات.

وتجددت أعمال العنف في مدينة كسلا شرقي السودان الخميس، على إثر الأزمة التي تشهدها الولاية بسبب تعيين الوالي الجديد صالح عمار الذي لم يتسلم حتى الآن مهامه، وتسببت الاشتباكات التي اندلعت أثناء مظاهرة قادتها مجموعات سكانية رافضة لوالي كسلا الجديد وبين مجموعات أخرى مؤيدة له في حرق أجزاء واسعة بسوق كسلا.

قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري بالخرطوم أبوالقاسم إبراهيم آدم لـ”العرب”، إن المعضلة الرئيسية التي تواجه الحكومة الانتقالية في ولايات الهامش يرتبط بابتعادها عن أصحاب المصلحة الحقيقيين وعدم مخاطبة القضايا الخاصة بهم على نحو يدفعهم لإنجاح أي اتفاق سياسي وأمني مع الحركات المسلحة، وأصحاب المصلحة في الشرق والغرب لا بد أن يكونوا جزءا من عمليات التأهيل السياسي والأمني لمراكز الهامش.

2