تمسك المجلس الرئاسي باستفتاء الشعب على حل مجلس النواب ينذر بتعميق حالة الانقسام في ليبيا

يتجه المجلس الرئاسي الليبي للإعلان عن تنظيم استفتاء شعبي عام على حلّ مجلس نواب الشعب بالوسائل التقنية الحديثة نهاية شهر ديسمبر القادم، وهو ما ترفضه سلطات شرق البلاد على غرار الحكومة المكلفة من البرلمان بسبب تغذيته للصراعات بين مكونات المشهد وتعميق حالة الانقسام في ليبيا.
أكد المجلس الرئاسي الليبي تمسكه بتنظيم استفتاء شعبي حول شرعية مجلس النواب، في خطوة تنذر حسب المراقبين بالمزيد من تعميق حالة الانقسام السياسي لحكومتي الغرب (طرابلس) والشرق (بنغازي) في البلاد.
وقال زياد دغيم، مستشار محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات، إن “الاستفتاء أمر منوط برئاسة الدولة لطرحه على الشعب الليبي لحل مجلس النواب، وهذا عُرف دستوري نص عليه الإعلان الدستوري،” مضيفا أنه “لو فشل الاستفتاء في حل مجلس النواب، فسيكون الرئاسي مستقيلا، أي أن هذا لن يكون استفتاء على مجلس النواب فحسب، بل على الرئاسي أيضًا، أي أنه لو منح الشعب ثقته للبرلمان فبالتالي الرئاسي وحكومته التي أتت معه بذات الاتفاق يعتبران مستقيلين، ولكن لو لم يمنحوا الثقة، فيعتبر مجلس النواب منحلاً، وتنتقل اختصاصاته كافة لرئاسة الدولة.”
وتابع دغيم: “نحن ماضون في هذا الأمر الخاص بمفوضية الاستفتاء، ولا يهمنا هذه الأحكام القضائية، فهذا قضاء إداري، والمجلس الرئاسي أعماله أعمال سيادة، تخضع للقضاء الدستوري،” لافتا إلى أن “الانتخابات البلدية الأخيرة ليست من اختصاصات المفوضية العليا للانتخابات، بل من اختصاص وزارة الحكم المحلي.”
وفي الأثناء، بحث القيادي الإخواني وأحد المتصارعين على رئاسة مجلس الدولة محمد تكالة، ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي “كيفية توظيف التقنيات الحديثة لاستطلاع آراء الشعب الليبي حول القضايا الوطنية والخيارات السياسية، بما يحقق نجاح الاستطلاعات والاستفتاءات المرتقبة.” وأكد اللافي حرص حكومة الدبيبة على “بناء علاقة تكامل إيجابية مع لجان مجلس الدولة، والتنسيق مع أعضاء المجلس لتحديد الأولويات والخدمات التي تحتاجها المناطق بما يلبي تطلعات المواطنين،” وفق بلاغ صادر عن المكتب الإعلامي للحكومة.
مراقبون يؤكدون أن أطرافا من داخل المجلس الرئاسي الليبي باتت تعمل بقوة على منح المجلس صفة رئيس للدولة
وجاء هذا الحراك بعد أن أصدرت محكمة استئناف بنغازي في شرق البلاد، الخميس، حكما بوقف نفاذ قرار المجلس الرئاسي بشأن إنشاء مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني وتعيين مجلس إدارة لها.. وأعلنت المحكمة قبولها شكلا للطعن المقدم من حكومة الاستقرار المنبثقة عن مجلس النواب والتي يرأسها برئاسة حماد، والذي يستند إلى تجاوز المجلس الرئاسي لصلاحياته.
وبحسب مراقبين، فإن أطرافا من داخل المجلس الرئاسي باتت تعمل بقوة على منح المجلس صفة رئيس للدولة وهو لا ما ينسجم مع الإعلان الدستوري للعام 2011 والتعديلات المدخلة عليه، والاتفاق السياسي للعام 2015 ومخرجات ملتقى السياسي للعام 2020، كما تسعى للدفع بالبلاد إلى أزمة سياسية حادة عبر اتخاذ جملة من القرارات الآحادية.
ويرى المراقبون أن سلطات شرق البلاد لن تعترف بأية نتائج للاستفتاء الذي ينوي المجلس الرئاسي تنظيمه وستتعامل معه كمبرر بتعميق حالة الانقسام وقطع كل الصلات مع طرابلس. وكان محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة اتفقا في نهاية أكتوبر الماضي، على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني، لكن أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، وصف المفوضية الجديدة بأنها جسم موازٍ لمفوضية الانتخابات، معتبرا أن “هدفه إضاعة الفرصة لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية عبر المفوضية الرسمية المعترف بها لدى جميع الأطراف المحلية والدولية.”
ورجحت مصادر مطلعة أن يتجه المجلس الرئاسي الليبي للإعلان عن تنظيم استفتاء شعبي عام بالوسائل التقنية الحديثة في الخامس والعشرين من ديسمبر القادم الذي يوافق الذكرى الثالثة والسبعين لاستقلال البلاد وقيام الدولة الليبية.
وقالت إن الهدف من تنظيم الاستفتاء الإلكتروني هو توفير الفرصة لليبيين في كافة مناطق البلاد وخارجها للمشاركة في إبداء موقفهم من الوضع السياسي العام وأداء المؤسسات وحالة الجمود التي لا يزال المشهد العام يواجهها منذ العام 2011. وأشار المنفي إلى ضرورة احترام الاتفاقات المبرمة ومعالجة القرارات الأحادية، موضحا أن وضع ترتيبات مالية للوصول إلى ميزانية موحدة يضمن استقلالية وحيادية المصرف المركزي ما يعد أولوية قصوى.
ورجحت المصادر أن يتم تنظيم الاستفتاء في منتصف فبراير 2025 بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي كانت وراء الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي. والمنفي يعتبر أن الاستفتاء الشعبي يمثل المسار الحقيقي لإنهاء الجمود السياسي الذي تعاني منه البلاد، واعتبر أن هذه الخطوة هي بمثابة انطلاقة جديدة نحو تحقيق الانتخابات وإعادة الثقة في العملية السياسية. ودعا المنفي جميع الأطراف المعنية إلى التعاون والعمل الجاد لتحقيق هذه الأهداف، مؤكدا أن النجاح في تنفيذ هذه الخطوات يعتمد على الإرادة الجماعية لكل الليبيين من أجل استعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
وكان المنفي، أعلن في أغسطس الماضي، عن إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني في العاصمة طرابلس، بحزمة واسعة من الصلاحيات تتعلق بالانتخابات والرقابة عليها وتنظيم التغطية الإعلامية ونشر الاستفتاءات، بينما ظهرت مخاوف من تحول هذه المفوضية إلى أداة بيد الحكومة للسيطرة على المعلومات بشأن الانتخابات.
◙ سلطات شرق ليبيا لن تعترف بأية نتائج للاستفتاء الذي ينوي المجلس الرئاسي تنظيمه وستتعامل معه كمبرر بتعميق حالة الانقسام
وبحسب نص القرار، فإن الهدف من تأسيس المفوضية هو تنفيذ الاستفتاءات والاستعلامات الوطنية، من الإعداد والتحضير إلى الإشراف على التصويت وفرز النتائج، بالإضافة إلى تسجيل المواطنين الراغبين في المشاركة في الاستفتاءات وفقا للقوانين الانتخابية وتوزيع مراكز الاستفتاء بحسب الدوائر الانتخابية المعتمدة.
واعتبر الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، أن الاستفتاء الشعبي يمثل أداة ديمقراطية مهمة لتمكين الشعب الليبي من المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبله، لكن يمكن استغلاله من أجل تصفية حسابات شخصية، وقال في بيان، إن الشعب الليبي له الحق في إجراء استفتاءات حول القضايا المصيرية التي تمس مستقبله، مثل شكل الدولة ونظامها السياسي والإداري وهوية اقتصادها، وكذلك في ميثاق وطني جامع يضمن التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب.
في المقابل، نبّه الاتحاد إلى أن الدعوة إلى حل مجلسي النواب والدولة، بسبب الأداء الباهت والضعيف للمؤسستين، وعدم إدراكهما خطورة المرحلة وإضاعتهما لفرص الخروج من الأزمة، لن تكون الحل الأمثل للخروج من الأزمة الليبية، وإنما قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية وتأخير عملية البناء الوطني، مؤكداً أهمية الحوار والتفاوض بين الأطراف للتوصل إلى حلول توافقية تحفظ مصالح الوطن والمواطن.
ودعا الاتحاد مجلس النواب إلى تحمل مسؤولياته والعمل على إصدار قانون استفتاء شامل يضمن مشاركة جميع الليبيين في تحديد خياراتهم الوطنية حول القضايا محل الخلاف بين أطراف الصراع ليكون الحكم وقوله الفصل فيما تختلف فيه هذه الأطراف للذهاب نحو الانتخابات التي يتطلع إليها شعبنا بفارغ الصبر، مشيرا الى أن الحوار الوطني الجامع وإتاحة الفرصة أمام الليبيين لإبداء رأيهم في ما يعرض عليهم، هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة المعقدة، وهو المدخل الطبيعي لبناء دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة المتساوية، حوار وطني شامل يفضي إلى التوافق على القضايا الخلافية كافة، وفق نص البيان.