تمرّد الفصائل الجهادية في إدلب يحرج تركيا أمام روسيا

تصعيد بين هيئة تحرير الشام وتركيا ينذر بمواجهة غير مسبوقة خاصة مع تحول الهيئة إلى عبء ثقيل على أنقرة بسبب اعتراض قياداتها على الاتفاق التركي الروسي.
الاثنين 2020/04/27
القوات التركية أمام تحدي إخضاع "الأصدقاء"

توتر بين هيئة تحرير الشام والقوات التركية في شمال غرب سوريا، على وقع محاولات الهيئة الدؤوبة عرقلة الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين موسكو وأنقرة، وسط إمكانية أن يجد “الأخوة الحلفاء” أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض بعد أن كانوا يقاتلون في ذات الخندق.

دمشق- قام الجيش التركي الأحد بفض اعتصام بالقوة على الطريق الدولي حلب اللاذقية المعروف بـ“أم 4”، في محافظة إدلب شمال غرب سوريا ما انجر عنه سقوط قتلى وجرحى، في ثاني مواجهة مع معتصمين يعتقد أنهم ينتمون إلى فصائل جهادية تعترض على تسيير دوريات روسية تركية مشتركة على طول هذا الطريق.

وسبق وأن قام الجيش التركي في 13 من الشهر الجاري بفض اعتصام على ذلك الطريق، بيد أن المحتجين “المصرّين” عادوا مجددا وأقاموا متاريس لمنع القوات الروسية من الدخول إلى المنطقة، الأمر الذي دفع أنقرة المحرجة أمام موسكو للتحرك واستخدام الرصاص الحي لتفريق هؤلاء.

وقتل أربعة أشخاص وأصيب سبعة آخرون بجروح وتسمم بالغاز جراء إطلاق الجيش التركي الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع لفك الاعتصام الذي يطلق عليه باعتصام “الكرامة”، وسط تأكيد مصادر مختلفة بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن المعتصمين ينتمون إلى حكومة الإنقاذ الواجهة السياسية لهيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا قبل إعلان فك ارتباطها التنظيمي بالقاعدة).

وقال عبدالعزيز زياد من تجمع اعتصام الكرامة الأحد “اقتحمت القوات التركية اعتصام الكرامة برفقة عدد كبير من عناصر الشرطة فجر اليوم بواسطة مدرعات وجرّافات وآليات ثقيلة قرب بلدة النيرب في ريف إدلب الشمالي الشرقي قرب مدينة سراقب لطرد المعتصمين بالقوة”. وأكد زياد “حاول ضباط من الجيش التركي والشرطة إقناع المعتصمين بفتح الطريق لدخول أربع سيارات روسية لكن المعتصمين رفضوا، ما دفع الجيش التركي إلى الاقتحام وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي ما أدى إلى مقتل شخصين (تضاعف العدد إلى أربعة) وإصابة سبعة آخرين بجروح واختناق بالغاز المسيل للدموع”.

وبدأ اعتصام الكرامة في الـ13 من شهر مارس الماضي احتجاجا على الاتفاق الروسي التركي الذي تم التوصل إليه في الخامس من ذلك الشهر ومن ضمن بنوده فتح طريق حلب اللاذقية أمام مرور دوريات مشتركة روسية تركية.

وكانت القوات الروسية علقت لأيام مشاركتها في تسيير دوريات مع الجانب التركي لدواع قالت إنها أمنية.

وأوضح زياد “يرفض المعتصمون دخول الدورية الروسية إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة باعتبار هذه القوات هي شريكة إلى جانب النظام السوري، وطائراتها وقواتها قتلت وجرحت المئات من المدنيين ودمرت الآلاف من المنازل، في محافظتي إدلب وحماة”.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن سقوط قتلى في صفوف المعتصمين على يد القوات التركية أدى إلى ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة، حيث تم رصد استهدافات متبادلة بالرشاشات الثقيلة بين عناصر جهادية يرجح أنهم ينتمون إلى هيئة تحرير الشام والقوات التركية، بالإضافة إلى سقوط قذائف على النقاط التركية الواقعة بمحيط مدينة النيرب، بينما حلقت طائرات استطلاع تركية بكثافة في أجواء المنطقة.

وهذه المرة الأولى التي يحدث فيها هكذا تصعيد بين هيئة تحرير الشام والقوات التركية، الأمر الذي ينذر بمواجهة غير مسبوقة خاصة مع تحول الهيئة إلى عبء ثقيل على أنقرة جراء وجود جزء كبير من عناصرها وقياداتها تعترض على الاتفاق التركي الروسي الذين يخشون أن يأتي على ما تبقى من نفوذهم في شمال غرب سوريا.

وتعتبر روسيا أن تحييد هيئة تحرير الشام والفصائل التي تدور في فلكها أولوية بالنسبة لها في شمال غرب سوريا، وكانت منحت الجيش السوري في أغسطس الماضي الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية في المنطقة بعد مماطلة تركيا في الإيفاء بالتزاماتها التي قطعتها في اتفاق سوتشي 2018، ونجح الجيش خلالها في السيطرة على ريف حماة الشمالي وجزء كبير من ريف إدلب الجنوبي بما يشمل مدنا استراتيجية على غرار خان شيخون، قبل أن يتم التوصل إلى هدنة.

وفي ديسمبر الماضي استأنف الجيش السوري بغطاء روسي عملياته حيث اقتطع أجزاء مهمة من محافظة إدلب بينها مدن رئيسية على غرار معرة النعمان، فضلا عن السيطرة على جزء كبير من الطريقين الدوليين المعروفين بأم 4 وأم 5.

وكاد الأمر أن يتطور إلى مواجهة مباشرة مع تركيا التي زجت بالمئات من قواتها في المنطقة بذريعة حماية المدنيين ونقاط المراقبة التي استحدثتها بموجب اتفاق سوتشي، قبل أن تضطر أنقرة إلى إعادة النظر في حساباتها في ظل عدم نجاحها في إقناع حلفائها في حلف شمال الأطلسي بدعمها عسكريا، وتصاعد الانتقادات في الداخل نتيجة الخسائر البشرية التي تكبدتها.

وأذعنت أنقرة في مارس الماضي إلى طلبات روسيا ومن ضمنها إعادة إحياء الطريقين الدوليين، وسط حديث عن أن من بنود الاتفاق السرية تحجيم هيئة تحرير الشام، وهذا ما يفسر وفق المتابعين حالة الاستنفار في صفوف الأخيرة ومحاولاتها إفشال الاتفاق من خلال عرقلة الدوريات الروسية التركية المشتركة.

ويقول محللون إن أنقرة تبدي على خلاف الاتفاق السابق الذي جرى في سبتمبر 2018 جدية كبيرة في التعاطي مع التوجسات الروسية، وفي مساعي ردم فجوة الثقة مع موسكو، ومن هنا يأتي تدخلها الصارم حيال المعتصمين على الطريق الدولي أم 4.

أنقرة تبدي على خلاف الاتفاق السابق الذي جرى في سبتمبر 2018 جدية كبيرة في التعاطي مع التوجسات الروسية

ويشير المحللون إلى أن تركيا عمدت على مدار الأسابيع الأخيرة إلى استقدام الآلاف من الجنود رغم التحديات التي يفرضها خطر وباء كورونا، في محاولة منها لفرض تنفيذ الاتفاق بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك في حال استمر رفض الهيئة.

ومعلوم أن هناك حاليا انقساما في صفوف هيئة تحرير الشام حيث أن جزءا مهما من قياداتها يرون بضرورة عدم الثقة في الجانب التركي والتحرك للدفاع عن مركز نفوذهم حتى وإن اقتضى ذلك المواجهة مع تركيا، أما الشق البراغماتي فيفضل مسايرة تركيا.

وانشق في 7 أبريل الجاري أحد كبار قادة الهيئة والعضو في مجلس الشورى التابع لها جمال الزينية المعروف بأبومالك الطليعي، وقال في بيان أصدره “لقد قررت الانفصال عن هيئة تحرير الشام بسبب عدم معرفتي ببعض سياسات المجموعة أو عدم قناعتي بها”.

والطليعي كان أمير جبهة النصرة في منطقة القلمون الغربية بالقرب من الحدود اللبنانية، قبل أن ينتقل مع أفراد مجموعته إلى محافظة إدلب في العام 2017 بعد اتفاق مع حزب الله اللبناني.

ومرجح أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من الانشقاقات في صلب الهيئة، والانتقال إلى جماعات أكثر راديكالية على غرار حراس الدين. وتم تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي في عام 2018، وقد تم فرض عقوبات دولية عليها.

Thumbnail
2