تمرد مفاجئ يقوّض نفوذ الكنيسة البولندية القوية

41 في المئة من البولنديين يعتبرون أداء الكنيسة إيجابيا بتراجع قدره 16 نقطة مئوية منذ مارس الماضي.
الثلاثاء 2020/12/29
ارتخاء القبضة الأخلاقية للكنيسة

وارسو – واجهت الكنيسة الكاثوليكية القوية في بولندا في 2020 تراجعا في الثقة وبوادر تمرد مفاجئ في أمر نادر في بلد يُعتبر متمسكا جدا بتعاليمها.

كما تواجه الكنيسة المتهمة منذ فترة طويلة بالسعي للحصول على امتيازات مادية وسياسية وبدعم السلطة المحافظة المتشددة، فضائح جديدة لتجاوزات جنسية ضد الأطفال تورط فيها ممثلون كبار فيها.

حتى أن الفاتيكان دعا إلى توضيح الشكوك المتعلقة بالكاردينال ستانيسلاف دسيفيش الذي كان من المقربين للبابا البولندي الراحل يوحنا بولس الثاني، ويشتبه بأنه تستر على قضايا اعتداءات على أطفال في الكنيسة الكاثوليكية.

ومنذ أكتوبر، كانت الكنيسة من أوائل الذين استهدفهم تمرد واسع على محاولة الحظر شبه الكامل للإجهاض الذي قررته محكمة تلبية لرغبة الأغلبية اليمينية.

وكشف استطلاع للرأي نشرت نتائجه في منتصف ديسمبر أن 41 في المئة فقط من البولنديين يعتبرون أداء الكنيسة إيجابيا، بتراجع قدره 16 نقطة مئوية منذ مارس الماضي. وقد سجل نصف الانخفاض في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ويؤكد الاستطلاع توجها كشفه تحقيق أجري في نوفمبر وذكر بأن هذه النسبة كانت تبلغ 58 في المئة قبل أربعة أعوام. وحاليا لدى واحد من كل اثنين من البولنديين (47 في المئة) رأي سلبي في الكنيسة.

يريد اثنان من كل ثلاثة بولنديين نقل تعليم التعليم المسيحي إلى الرعية، كما كشف استطلاع للرأي نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي

وقالت كاتارزينا زاليفسكا عالمة اجتماع في جامعة ياغيلونيا في كراكوفا (جنوب) إن تغييرا كهذا “كبير خلال فترة قصيرة”. وأضافت أن “هناك حديثا عن زحف للعلمنة في بولندا لكن المسار تسارع بشكل واضح”.

وتصاعد الاستياء منذ صدور قرار المحكمة الدستورية بحظر الإجهاض في حالات تشوه خطير أو لا يمكن عكسه للجنين. وقد أدى إلى تظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد ودفع السلطات إلى تعليق تطبيق هذا القرار.

وبعد صدور الحكم، لن يكون الإجهاض في بولندا قانونيا إلا إذا كان الحمل يشكل تهديدا على حياة الأم أو صحتها أو عندما يكون نتيجة عمل محظور كالاغتصاب أو سفاح القربى.

ويقول معارضو الحكم القضائي الذي توافق مع موقف الكنيسة، إنه يعرّض حياة النساء للخطر من خلال إجبارهن على الاحتفاظ بأجنة غير قابلة للحياة، لكنّ المؤيدين له يتمسكون به بحجة أنه سيمنع إجهاض الأجنة المصابة بمتلازمة داون.

وتشهد بولندا أقل من ألفي عملية إجهاض قانونية سنويا، أكثريتها الساحقة تحصل بسبب تشوّه الأجنة. لكن المجموعات النسائية تشير إلى أن ما يصل إلى مئتي ألف عملية إجهاض سنويا، تخضع لها بولنديات بصورة غير قانونية أو في الخارج سنويا.

ومنذ ذلك الحين، أطلقت مبادرات “للردة”، أي لصالح التخلي رسميا عن المجتمع الكاثوليكي. وتحدثت وسائل الإعلام عن موجات إلغاء اشتراكات في دروس التعليم المسيحي التي تقدمها الكنيسة كجزء من التعليم العام، وخصوصا في المدن الكبيرة.

ويريد اثنان من كل ثلاثة بولنديين نقل تعليم التعليم المسيحي إلى الرعية، كما كشف استطلاع للرأي نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي.

وحصل عداد “للمرتدين” على الإنترنت يسمى “ليشنيكابوستازي” على ألف موافقة خلال 15 يوما بينما قدر موقع “أبوستازيا” عدد الاستمارات التي تم ملؤها على الإنترنت بأكثر من ثلاثين ألفا.

وصرح مؤسس الموقع كريشتوف غفيزدالا أن العدد “انفجر تقريبا منذ 21 أكتوبر بعد حكم المحكمة” بشأن الإجهاض.

وينوي معهد الإحصاء التابع للكنيسة البولندية استئناف جمع البيانات حول هذه المبادرة التي كان يعتبرها هامشية. وتعود أحدث الأرقام إلى 2010 عندما بلغ العدد 459.

بولندا تشهد أقل من ألفي عملية إجهاض قانونية سنويا، أكثريتها الساحقة تحصل بسبب تشوّه الأجنة. لكن المجموعات النسائية تشير إلى أن ما يصل إلى مئتي ألف عملية إجهاض سنويا، تخضع لها بولنديات بصورة غير قانونية أو في الخارج سنويا

وقال كميل مارسين كاجماريك عالم الاجتماع في جامعة بوزنان “كلما أفرطت الكنيسة في تشبثها بالسلطة، كان ذلك على حساب الاحترام” بين الناس.

ورأى أن سرعة هذا التراجع ستكون مرتبطة بالفضائح المتتالية المحتملة التي تورطت فيها الكنيسة و”قبل كل شيء على رد فعل سلطتها”، مشيرا إلى أنها “تبدو ممزقة بين مصالحها كمؤسسة – وهي ليست محددة بدقة بالضرورة – واحترام تعاليمها”.

وأوضحت زاليفسكا أن الكنيسة “لا تسمع الإشارات” التي تصلها على ما يبدو وتتصرف “كما لو كانت تعيش في نظام منفصل”، من دون أن تشعر بأنها مضطرة للتحرك لأنها مقتنعة بموقعها الثابت.

وتابعت أن وضع الكنيسة “ليس سيئا” بالدرجة التي كانت عليها في الغرب في سبعينات القرن الماضي لكن من الممكن أن يتسارع تراجع الثقة أكثر كما حدث في إيرلندا في التسعينات ما أدى إلى علمنة عميقة.

إلا أنها رأت أن هذا ممكن ما لم يدفع عدم اليقين والوباء والأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، الناس مرة أخرى إلى الكنيسة.

لكن آنا غرزيمالا بوس، أستاذة الدراسات الدولية في جامعة ستانفورد الأميركية، تؤكد أن الكنيسة الكاثوليكية “حازت على قدر وافر من الإدانة والتوبيخ وهو ما قد يُفضي إلى تلاشي سلطتها الأخلاقية في البلاد”.

5