تكليفات رسمية مصرية للوزراء بالتواصل سريعا مع الإعلام ودحض الشائعات

القاهرة - ظهرت السيولة المعلوماتية في وسائل إعلام مصرية منذ تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي لوزراء الحكومة أخيرا بالانفتاح على الإعلام وتقريب المسافات مع المواطنين، وهو ما استثمرته منابر لتنويع مصادر المعلومات وغزارتها.
وأكدت مصادر شبه رسمية لـ“العرب” أن تكليفات صدرت للوزراء بالتجاوب مع وسائل الإعلام فيما يُطلب من مداخلات هاتفية وحوارات صحفية للرد على تساؤلات الرأي العام، وشرح التحديات التي تواجه الدولة ورؤية الحكومة للتعامل معها.
وقالت المصادر ذاتها إن رؤية الحكومة تجاه التعامل مع الإعلام تقوم على تقديم المعلومات في الملفات محل النقاش العام، بحيث لا تكون المؤسسات الرسمية في دفاع عن النفس طوال الوقت، وتسبق الشائعات من خلال تقديم الحقائق بلا تأخير.
ووجه الرئيس السيسي قبل أيام عتابا للوزراء بأنهم لا يتعاطون بجدية مع شواغل الإعلام والرأي العام، بعدها خرج عدد كبير منهم في لقاءات صحفية وتلفزيونية، بينهم من كانت علاقته بالإعلام شبه منقطعة، يظهر الآن للرد على تساؤلات عدة.
ومن هؤلاء وزير التربية والتعليم رضا حجازي، الذي لم يكن يُدلي بتصريحات للإعلام، لكن مصادر مقربة منه، كشفت لـ“العرب” قبوله إجراء حوارات مع عشر صحف ومواقع إخبارية حول خطة الدولة لتطوير التعليم والامتحانات والمنظومة التعليمية.
وما يلفت الانتباه أن ظهور مسؤولين ومتحدثين باسم الوزارات والهيئات والمؤسسات، لم يعد قاصرا على البرامج الشهيرة، وطال منابر أقل جماهيرية، طالما أن المنبر يناقش قضية تحظى بمتابعة الناس، وقد يثار حولها جدل مجتمعي.
انعكست تلك السياسة على التنوع المعلوماتي المقدم للجمهور من الإعلام، بعد وقت من التزامه بطرح رؤية كل وزارة وفق ما يصدر عنها من بيانات رسمية فقط، مع شرح مضمون البيان للناس والاستعانة بخبراء للتعليق دون إضافة معلومات.
هناك توجه داخل الحكومة لتقريب المسافات بينها وبين وسائل الإعلام بعد الاقتناع بأن الجمود في العلاقة بين الطرفين وتهرب المسؤولين من مواجهة الصحف والبرامج لن يفيدا، وسوف تدفع الحكومة فاتورة باهظة إذا استمر هذا الوضع.
يصعب فصل الحضور الإعلامي اللافت لكبار المسؤولين عن حصولهم على ضوء أخضر بتسريع وتيرة التواصل مع الجمهور، حيث كان كل منهم يخشى التطرق إلى أي ملف لتجنب الوقوع في خطأ يغضب مؤسسة الرئاسة.
وبرر أغلب الوزراء عدم ظهورهم إعلاميا بأنهم يتعرضون لأسئلة استفزازية أو تحمل فخا سياسيا، وأصبح بسهولة اكتشاف أن الأسئلة التي تُطرح عليهم مؤخرا منذ معاودة انفتاحهم على الإعلام أنها مرتبطة بتوضيح نقاط معينة محل جدل.
رصدت “العرب” وجود مداخلات هاتفية لوزراء مع برامج تلفزيونية، تبين أن المكالمة برمتها لا تُطرح فيها سوى بضعة أسئلة، مقابل قيام الوزير بشرح كل شيء من وجهة نظر الحكومة بلا مقاطعة أو إحراج باستفسار لا يرغب في طرحه علانية.
ويعبر ذلك عن وجود اتفاق مسبق بين فريق إعداد البرنامج مع المسؤول المختص حول الأسئلة المقرر طرحها في المداخلة الهاتفية، وهي صيغة مقبولة من الطرفين، بحيث تكون المعلومات المقدمة مرتبطة بملف بعينه، ويصبح المصدر ذاته غير مرتبك في طرح ما اتُفق عليه.
وكان التقارب بين المسؤولين والإعلام من الأمور النادرة سابقا، ما ترتب عنه غياب شبه كامل للمعلومات المرتبطة بملفات حيوية، وعرّض الحكومة لمشكلات عدة، لأنها تجاهلت توضيح مواقفها وتفنيد قراراتها وتوجهاتها.
ودفع الإعلام المصري فاتورة باهظة أمام ندرة المعلومات التي يقدمها للجمهور، وعدم استطاعته الرد على أغلب استفساراته، وبدا عاجزا أمام تمسك مسؤولين كبار بتحديد طريقة وتوقيت الإجابة ومضمونها، وبات في نظر الشارع بلا قيمة أو تأثير.
الإعلام المصري دفع فاتورة باهظة أمام ندرة المعلومات التي يقدمها للجمهور، وعدم استطاعته الرد على أغلب استفساراته
ويرى خبراء في قطاع الإعلام أن الاكتفاء بالتعددية المعلوماتية لاستقطاب الجمهور وقت التحديات ليس كافيا، فالأمر يتطلب قدرا من التوازن في طرح الرؤى وتفنيدها، وهذا يحتاج إلى السماح للإعلام بالقيام بدوره الطبيعي في تقديم وجهتي النظر، المؤيدة والمعارضة، من دون اكتفاء برواية الحكومة فقط.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن إفساح المجال أمام كل مسؤول ليشرح وجهة نظر الحكومة في قطاع بعينه ويفصح عن معلومات حيوية يطلبها الناس، هو توجه مطلوب، لكن من الخطأ التعويل على ذلك لإعادة الاعتبار للإعلام المصري، لأن الشارع بحاجة إلى توصيل صوته إلى صانع القرار من خلال نفس المنابر.
وليس منطقيا أن يكون دور الإعلام فتح الهواء لوزير يتحدث عن مزايا رفع الدعم عن قطاعات حيوية، مثل الكهرباء والخبز والمحروقات، ويتعامل المنبر الإعلامي على أنه قام بمكاشفة الناس وشرح لهم الحقائق، لأن الطرف المتلقي للرسالة له رأي مناهض لتلك الرواية ومن المهم مواجهته به.
توجد شريحة من الجمهور لا تمانع وجود اصطفاف إعلامي خلف الحكومة وقت التحديات، لكن ذلك يتطلب توافر معايير معينة، بينها أن يكون المواطن شريكا في إبداء وجهة نظره فيما يتدفق من معلومات مرتبطة بحياته ومستقبله، وليس مجرد من يقوم بتنفيذ ما يُطرح من سياسات.
يرتبط جزء من الانفتاح المعلوماتي من الحكومة على الإعلام بأن هناك دوائر رسمية بدأت تقتنع بأن تطبيق مفهوم الاصطفاف خلف النظام يتطلب غلق الفجوة بين المسؤولين والإعلام كي يجد الجمهور ما يبحث عنه، وعلى الأقل توفير مبررات منطقية لهذا الاصطفاف، وإلا سيُفهم على أنه موجه بتعليمات.
ويخشى إعلاميون أن يكون الانفتاح الحكومي على الإعلام له علاقة بمتطلبات وتحديات المرحلة، ولا يستمر طويلا بالشكل الذي يضمن للصحف والقنوات الحصول على ردود قطعية ومعلومات تضمن حق الناس في المعرفة، وحق الإعلام في أن يكون وسيطا معلوماتيا، وليس كيانات بلا قيمة أو تأثير.