تكاليف التمويل تلتهم أرباح الصناعة التركية

أكدت بيانات رسمية تركية أن تكلفة الاقتراض الباهظة، التهمت نحو 89 بالمئة من أرباح الشركات الصناعية المثقلة بالديون. ويتوقع المحللون أن تتفاقم الأوضاع في الأشهر المقبلة في ظل اندفاع أنقرة لحقن الليرة بالمنشطات واستخدام سياسات مالية ملتوية عالية المخاطر لضمان الفوز في انتخابات اسطنبول في 23 يونيو.
اسطنبول - أظهرت بيانات غرفة تجارة اسطنبول الثلاثاء أن تكاليف التمويل الباهظة شطبت معظم أرباح أكبر 500 شركة صناعية تركية في العام الماضي وأسقطت الاقتصاد في قبضة الركود بعد أزمة انحدار قيمة الليرة.
وأشارت الغرفة في تقريرها السنوي إلى أن الحصول على التمويل أصبح “مشكلة مزمنة” خلال السنوات القليلة الماضية مؤكدة عدم حصول أي تحسن منذ العام الماضي.
وقالت إن تكاليف التمويل التهمت نحو 89 بالمئة من الأرباح التشغيلية للشركات الصناعية الكبيرة خلال العام الماضي، ودفعت 119 شركة من أكبر 500 شركة تركية إلى تسجيل الخسائر ارتفـاعا من 78 شركـة في السنـة السـابقة.
وكانت شركات الصناعات التحويلية من بين الأكثر تضررا من أزمة العملة وارتفاع تكاليف الاقتراض في العام الماضي، حين فقدت الليرة نحو نصف قيمتها مقابل الدولار قبل أن تقف خسائرها عند 30 بالمئة عند مجمل العام الحالي.
ويقول محللون إن تلك الصورة القاتمة تفاقمت خلال العام الحالي بسبب استمرار تراجع الليرة، التي فقدت 14 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام، إضافة إلى بقاء التضخم عند نحو 20 بالمئة وتثبيت سعر الفائدة الأساسي عند 24 بالمئة، وهو ما يفاقم تكاليف خدمة الديون المتراكمة.
وتمثل غرفة تجارة اسطنبول نحو 1800 شركة صناعية في أكبر مدينة ومركز تجاري تركي، حيث أن معظم الشركات الكبرى مسجلة فيها رغم أن مقراتها ونشاطها في مدن أخرى.
وقال التقرير إن نسبة ديون أكبر 500 شركة صناعية تركية ارتفعت إلى 67 بالمئة من قيمتها السوقية في العام الماضي وانحدرت نسبة رأس المال إلى 33 بالمئة. ووصفت الغرفة ذلك الهيكل بأنه “الأكثر سلبية” على الإطلاق.
وتتوجس الأسواق من استمرار لجوء أنقرة إلى الأساليب المالية الاستعراضية الملتوية لحقن الليرة بالمنشطات لأغراض سياسية وانتخابية، وهو ما ينذر بانهيار كبير لسعر الليرة حين تعجز الحكومة عن مواصلة تلك الإجراءات.
وقالت وكالة بلومبرغ للأخبار الاقتصادية إن الخزانة التركية تواصل منع بيع السندات طويلة الأجل بالليرة لما لا يقل عن شهرين آخرين في مسعى منها للتخفيف من انهيار الليرة وتهدئة ارتفاع الأسعار.
وأضافت أن مواصلة السلطات المالية تطبيق تلك الاستراتيجية رغم خطورتها، تثير قلق المستثمرين لأنها تستنزف السيولة من السوق الثانوية لأهداف مؤقتة تتمثل في تفادي رفع أسعار الفائدة.
ويشير المحللون إلى تزايد ميل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لاتخاذ إجراءات ملتوية ذات تكلفة باهظة لخداع الناخبين حتى عبور موعد إعادة انتخابات بلدية اسطنبول في 23 يونيو المقبل.
وكان إلغاء نتائج تلك الانتخابات، التي فازت بها المعارضة، قد أثار قلق المستثمرين من انهيار سيادة القانون في البلاد، الأمر الذي يمكن أن يضع الاقتصاد على طريق الانهيار.
ولجأت أنقرة مرارا وتكرارا لاستخدام وسائل مالية ملتوية قبل مواعيد الانتخابات مثلما حدث في الانتخابات البلدية في نهاية مارس الماضي، وهو ما يدفع المؤسسات المالية العالمية للتشكيك بمستوى شفافية البيانات الحكومية.
ويرجح ذلك أن يكون واقع الاقتصاد التركي أسوأ من الصورة القاتمة التي تقدمها جميع البيانات الرسمية. ويؤكد مراقبون أتراك أن الحكومة تجمل تلك البيانات لأغراض سياسية وانتخابية.
ونسبت بلومبرغ إلى مصادر مطلعة طلبت عدم ذكر أسمائها، أن مسؤولي وزارة الخزانة أبلغوا المصارف في اجتماع شهري عُقد الجمعة الماضية بأنهم لا يخططون لطرح سندات لأجل 5 أو 10 سنوات حتى يوليو المقبل.
وأدت سنوات من النمو المزدهر مع اقتراض كثيف بالعملات الأجنبية إلى إثقال كاهل الشركات والبنوك التركية بديون معدومة، تتفاقم وطأتها مع انزلاق الاقتصاد إلى الانكماش والركود منذ منتصف العام الماضي.
وجرت حتى مارس إعادة هيكلة قروض بقيمة 400 مليار دولار في القطاع المصرفي التركي ويتوقع بعض المحللين أن نسبة القروض الرديئة ستتضاعف بحلول نهاية العام الحالي.
وفي إقرار رسمي أكدت بيانات معهد الإحصاء التركي أمس انحدار مؤشر الثقة الاقتصادية في الشهر الحالي بنسبة 8.5 بالمئة مقارنة بالشهر السابق لتصل إلى 77.5 نقطة وهو أدنى مستوى منذ أكتوبر الماضي.
89 بالمئة من أرباح أكبر 500 شركة تركية التهمتها تكاليف التمويل الباهظة
وتشير أي قراءة للمؤشر فوق 100 نقطة إلى نظرة متفائلة، مقابل نظرة متشائمة لأي قراءة تقل عن ذلك الحاجز، وهو ما يعني أن الأوساط الاقتصادية بلغت ذروة التشاؤم.
وتنزلق الحكومة التركية بوتيرة متسارعة في مستنقع التجميل اليائس لصورة الاقتصاد القاتمة وتدفع ثمنا باهظا لدعم الليرة بشكل مؤقت لأغراض سياسية استعراضية، للتغطية على انهيار ثقة المستثمرين.
وقامت المصارف الحكومية بداية الشهر الماضي ببيع مليار دولار وأوقف البنك المركزي عمليات الاقتراض بين المصارف في إجراءات مخادعة لوقف انحدار العملة المحلية.
وتلوح في كل تلك الإجراءات إملاءات الرئيس التركي، الذي يتصاعد غضبه كلما تراجعت الليرة، والذي يتهم مؤامرة خارجية لتخريب الاقتصاد التركي.
ووجه أردوغان سهام غضبه إلى وسائل الإعلام الغربية، وأشار بالتحديد إلى صحيفة فايننشال تايمز، بعد نشرها تقارير تزوير الاحتياطات المالية التركية، رغم أنها استندت إلى بيانات البنك المركزي التركي.
ويمكن لتصاعد الشكوك باستقلالية البنك المركزي، أن تفاقم مخاوف المستثمرين بعد تصاعد الشكوك بسيادة القانون والقواعد الاقتصادية خاصة بعد قرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول.
ويقول محللون إن قبضة أردوغان على جميع مؤسسات الدولة بعد التحول إلى النظام الرئاسي في يونيو من العام الماضي فتحت الباب لقيام دكتاتورية الحاكم الأوحد.
ويرى محللون أن السياسات الارتجالية التي تتعارض مع القواعد الاقتصادية الراسخة والافتقار للإصلاحات الهيكلية يثير قلق المستثمرين، خاصة في ظل الشد والجذب في ملف الخلافات مع الولايات المتحدة.