تقنين الطب النفسي حاجة اجتماعية في المغرب

مشروع قانون ينظم عمل الأخصائيين النفسانيين ويزيد من وعي العائلات بأهمية الصحة العقلية والنفسية.
الخميس 2024/02/22
النساء أكثر هشاشة وتأثرا بالوصم

طرح البرلمانيون في المغرب مشروع قانون ينظم عمل الأخصائيين النفسانيين ويحدد شروط ممارسة المهنة وزيادة وعي العائلات بأهمية الصحة العقلية والنفسية. ويعاني حوالي 10 ملايين مغربي من اضطرابات نفسية تتوزع بين القلق والاكتئاب والذهان. ويعاني البلد من نقص في أطباء الصحة النفسية وعدد المستشفيات وعدد الأسرة، وهو ما يستوجب، حسب مختصين، تدخلا عاجلا ومراجعة شاملة.

الرباط - مازال قطاع الطب النفسي في المغرب يعاني من مشاكل تنظيمية واجتماعية تساهم في عدم تشخيص وعلاج العديد من الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأفراد، رغم الأرقام والإحصائيات التي رصدت تطور الأمراض النفسية بالبلد بنسب كبيرة.

وحسب إحصائيات رسمية، يوجد 48.9 في المئة من المغاربة فوق 15 سنة أي حوالي 10 ملايين مغربي يعانون من اضطرابات نفسية، منهم 3 ملايين حالة سريرية، موزعة على 26.5 في المئة اكتئاب و9.3 في المئة قلق، و5 في المئة ذهان و1 في المئة انفصام في الشخصية، و6.5 في المئة يعبرون عن أفكار انتحارية.

وأكد البروفيسور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، لـ”العرب”، أن وجود حوالي 400 طبيب في اختصاص الأمراض النفسية في المغرب، 60 منهم بالدار البيضاء، غير كاف للتعامل مع الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المرضى، موضحا أن غياب الاضطرابات النفسية ليس بالضرورة مرادفا للصحة النفسية الجيدة، وعكسها لا يعني بالضرورة ضعف الصحة النفسية، حيث ترتبط الصحة العقلية الأقل من المثالية بانخفاض الأداء، مما يؤدي إلى مشاكل عاطفية ومعرفية مختلفة، ومشاكل صحية، وارتفاع استخدام الخدمات الصحية، وانخفاض الإنتاجية في العمل.

وعلى المستوى القانوني تم طرح مقترح قانون لتنظيم الأخصائيين النفسانيين من طرف برلمانيين اعتبروه ضرورة اجتماعية للاهتمام بالصحة النفسية للمواطن من جهة، ولإضفاء المشروعية على مهنة السيكولوجي المختص، وتحديد شروط ممارستها لتضييق الخناق مع منتحلي الصفة وزيادة وعي العائلات بأهمية الصحة العقلية والنفسية، ومساعدة المرضى النفسيين من جهة أخرى.

الطيب حمضي: وجود 400 طبيب في اختصاص الأمراض النفسية غير كاف
الطيب حمضي: وجود 400 طبيب في اختصاص الأمراض النفسية غير كاف

وبحسب ما جاء في مقترح القانون الذي تقدمت به ثورية العزاوي وباقي برلمانيي حزب التجمع الوطني للأحرار، فإن هذه المبادرة التشريعية تأتي “من أجل رفع المعاناة عن كل من يرزح تحت وطأة الاضطراب النفسي، مع ما يستدعيه ذلك من تأهيل لسيكولوجيين قادرين على تطبيق مشاريع تنموية رائدة، بما فيها مشروع التربية الدامجة”.

كما أوضحت المبادرة التشريعية ذاتها أن “وضع إطار قانوني للسيكولوجي يعد ضرورة اجتماعية لإضفاء المشروعية على مهنة السيكولوجي المختص، حيث يفتح لهذا الأخير أفق التكوين داخل المؤسسات الطبية ويمنحه الفرصة للقيام بتدريب ميداني لتنمية قدراته العلاجية، مما يبعد كل مرتزق يستغل حاجة الأفراد إلى مثل هذه الخدمات”.

وتفاعلت الجمعية المغربية للأخصائيين النفسيين الإكلينيكيين مع القانون المسجل بالبرلمان، مؤكدة في بيان توصلت به “العرب”، أنه يحتاج إلى مراجعة شاملة ودقيقة لمجموع مواده بهدف تجويده، وذلك من خلال فتح نقاش وطني جاد ومسؤول وفقا لمقاربة تشاركية تشرك الأساتذة الجامعيين والأخصائيين الممارسين والجمعيات المهنية في علم النفس، ما يعطي الفرصة لبسط مختلف مطالب أهل القطاع وتصوراتهم، كون “تنظيم المهنة يقتضي وضع إطار قانوني يستوعب جميع مهن الأخصائي النفسي، ويحدد مجالات اشتغالها وحدودها والشروط اللازم توفرها من أجل توفرها”.

واعتبرت الجمعية، في بيانها، أن “مقترح القانون أغفل عددا من الجوانب المهمة التي تحتاج إلى التدارك من أجل تنظيم قانوني أمثل وأنجع لمهن الأخصائي النفسي، فضلا عن اهتمامه حصرا بالأخصائي النفساني الإكلينيكي، في وقت تضم فيه لائحة مهنيي الصحة العقلية تخصصات أخرى؛ كالنفسي العصبي والنفسي المدرسي ونفسي الشيخوخة ونفسي النمو”.

ونتيجة لذلك، وكما ورد في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا، سيكون للإطار التشريعي تأثير إيجابي للغاية على المهنة، وسيشكل حصنا أساسيا قادرا على إرساء الأساس وهيكلة المهنة بشكل فعال من خلال تنظيم عملها ومن خلال وضع إطار مع خطوط عريضة واضحة في ما يتعلق بالأهلية والتدريب وشروط الممارسة، سواء في القطاع العام أو الخاص، والتي بدونها ستظل أي سياسة للصحة العقلية لا يتم تأطيرها في علم النفس هشة وتؤدي إلى بروز ظواهر نفسية اجتماعية خطيرة، مثل معدلات الانتحار المرتفعة أو الإدمان.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الأسِرّة بمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية بالمغرب لا يتعدى 2431 سريرا، موزعة على كامل البلاد، إضافة إلى نقص في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية والتي يبقى عددها محدودا مقارنة بعدد السكان، وهو ما يستوجب حسب مختصين تدخلا عاجلا ومراجعة شاملة في ما يخص تدبير الموارد البشرية بمجال الصحة النفسية والرفع من عدد موظفي الطب والتمريض والأخصائيين النفسانيين في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية وكذلك مصالح الطب النفسي ووحدات مراكز طب الإدمان.

وأكد المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي من خلال دراسته، على ضرورة تحسين جودة الرعاية النفسية والعقلية المقدمة للمرضى، وضرورة مواكبتها لما بلغته المعارف والعلاجات من تطور، مستجيبة للاحتياجات الخاصة للمرضى، لاسيما تلك المتعلقة بالسن والحالة الاجتماعية والاقتصادية ووسط العيش وأشكال الهشاشة التي يعانون منها.

وأوصى المجلس (مؤسسة دستورية)، بتطوير مهنة الأخصائي النفساني، ما يعني أن يفرد الأخصائيون النفسانيون بوضع قانوني ومالي واضح وفريد وأن يقوموا بالتسجيل في القائمة الوطنية الرسمية للأخصائيين النفسانيين.

الأعباء الاجتماعية تؤثر على الصحة النفسية
الأعباء الاجتماعية تؤثر على الصحة النفسية

وتفاعلا مع مطالب الأطباء وحاجة المجتمع، سيتم إنشاء مرافق جديدة للصحة النفسية لرعاية المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية في القنيطرة وفاس وأكادير وبني ملال والقلعة بسعة 920 سريرا لكل منها، كما ستتم زيادة الطاقة الاستيعابية لمركز استقبال المرضى النفسيين في برشيد وخلق خدمات متخصصة في مستشفيات كلميم والقصر الكبير والداخلة وخريبكة وميدلت وأزيلال، وفقا لما أكده وزير الصحة.

وأطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الحملة الوطنية الثانية لمكافحة وصم الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية، إذ يؤكد مختصون وأطباء أن هناك تحسنا طفيفا في الاعتراف بالمرض النفسي على عكس المرض العقلي الذي لا يزال أصحابه ينعتون بالحمقى، وإن هذا الوصم يؤثر على حياتهم اليومية وعلاقاتهم العائلية والاجتماعية، ويشكل عائقا حقيقيا لاندماجهم الاجتماعي، حيث يعد الوصم أكثر وقعا على هؤلاء الأشخاص عندما يصدر من الأقارب وأفراد العائلة، في حين يعتبر الدعم العاطفي الذي يوفره الوسط العائلي ركيزة أساسية لتيسير التعافي.

وأكد البروفيسور حمضي، في تصريح لـ”العرب”، أن نقاط الضعف المتعلقة بمحددات الصحة النفسية تتعلق بالأعراف الاجتماعية الضارة، ووصم المرض العقلي، واستمرار التمييز وعدم المساواة بين الرجل والمرأة ما يجعلها ضعيفة، إضافة إلى الهشاشة المرتبطة بدورة الحياة، وتعرض الأطفال والمراهقين للعنف المنزلي والتعليمي.

وبينت الدراسات الاستقصائية عن تأثير المواقف الاجتماعية السلبية تجاه الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية في الكثير من الأحيان أنهم يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر، منبوذين ومهمشين من طرف المجتمع بسبب وصفهم بالأشخاص العنيفين، العاجزين، عديمي التحفيز.

ولأن علم النفس أصبح ضروريا لمرافقة عملية التنمية الاجتماعية في المغرب، من أجل مكافحة الإشكاليات الصحية بشكل فعال، فقد شددت الجمعية المهنية المذكورة على أن “تنظيم هذه المهنة يتطلب وضع مدونة للأخلاقيات وقواعد للسلوك المهني وفق المبادئ المتعارف عليها دوليا في مجال التدخل والعلاج النفسي والرعاية والتقييم والتشخيص في ما يتعلق بالصحة النفسية والبحث العلمي في مجالات علم النفس”.

وأكد الأخصائي النفسي الإكلينيكي فيصل الطهاري لـ”العرب” أن أفراد المجتمع أصبحوا يتميزون بنوع من الوعي والاقتناع بأن التواصل مع أهل الاختصاص أمر مهم في حالة وقوع أحد أفراد الأسرة في اضطراب نفسي، من أجل تشخيص الحالة واغتنام أكبر وقت ممكن وعدم تضييعه، مستدركا أن قلة الأطباء والمتخصصين في هذا المجال، من بين أسباب عدم لجوء الأفراد إلى مختصين في حالة مرضهم، موضحا أن عددهم قليل مقارنة بما يجب أن يكون عليه، كما طرح إشكالية توزيع الأطباء في مناطق المغرب، إذ يتجمع أغلب المختصين في الدار البيضاء والرباط، مشددا على توفير الأطباء والمعالجين النفسيين في القطاع العام قبل الخاص، لضمان العلاج لجميع الفئات ولتقليص أكبر قدر من المضطربين النفسيين.

ويطالب المهنيون بحماية مهنتهم من أي اختراقات من طرف منتحلي الصفة وأيضا حماية المواطنين المستفيدين من التدخلات المتعددة لعلم النفس، والذين غالبا ما يكونون في حالة من الضيق النفسي والضعف وسوء الاختيار أو حتى الأخطار الكارثية والضارة الناتجة في بعض الأحيان عن الممارسة الفوضوية من طرف هواة ومتطفلين على الميدان دون أي أسس علمية.

15