تقنية جديدة تعالج الأعضاء قبل زرعها في جسم من يحتاجها

يعاني الأطباء، في كل أنحاء العالم، من قلّة في عدد الأعضاء الصالحة للزرع، مباشرة، وارتفاع نسبة المرضى المسجلين في قائمات الانتظار، في الآن نفسه. ويرى العلماء أن إصابة الأعضاء بالفيروسات أو العلل لا يمكن أن تكون سببا في حرمان من يحتاجون إلى أمل ينقذ حياتهم.
تورونتو (كندا)- احتفل ستانلي دي فريتاس، وهو سائق حافلة متقاعد، بعيد ميلاده السبعين عندما بدأ يعاني من السعال وسرعة الشعور بالتعب وضيق التنفس. شخّص الأطباء حالته، في ذلك الوقت، وتأكدوا من إصابته بالتليف الرئوي، وهو حدوث ندب حادة في الرئتين. ثم وضع اسم المريض على قائمة الانتظار لإجراء عملية زرع.
يقول دي فريتاس، الذي أصبح يبلغ 74 عاما الآن، لرويترز عبر الهاتف “أصبحت الحياة لا تطاق. لقد واجهت صعوبة في التنفس منذ لحظة استيقاظي إلى أن أذهب إلى النوم ليلا”.
بعد عامين، عرضت على دي فريتاس رئة، لكن مع جانب سلبي كبير للخبر وهو أن المتبرع كان يشكو من التهاب الكبد سي.
وفي أكتوبر 2017، أصبح أول مريض مسجل في دراسة، أجرتها مستشفى “تورنتو جينرال”، تختبر تقنية تهدف إلى التخلص من فيروس الكبد الوبائي سي وتعطيل نشاطه داخل الرئتين المتبرع بهما، قبل إجراء عملية الزرع.
ويتم إجراء هذا البحث خاصة عند ملاحظة ارتفاع متزايد في إصابة الأعضاء المتبرع بها بفيروس التهاب الكبد الوبائي، نتيجة لسرعة انتشار العدوى عن طريق تبادل الإبر الملوثة والجرعة الزائدة للمواد الأفيونية. ونظرا إلى سهولة انتقال المرض من العضو المتبرّع به إلى المريض، عادة ما يتم التخلص منه رغم الحاجة الشديدة إليه.
وتُظهر بيانات من الشبكة المتحدة لمشاركة الأعضاء (يو.إن.او.إس) والتي تحتوي على تطابق بين المتبرعين والمستفيدين، أن 97 بالمئة من الأشخاص الذين ينتظرون الرئة في الولايات المتحدة العام الماضي كانوا غير مستعدين لقبول عضو من متبرع أثبتت إصابته بالتهاب الكبد الوبائي سي.
ويشار إلى أنه على الرغم من أن التهاب الكبد سي يسبب أضرارا خطرة بالكبد يمكن للفيروس أيضا أن يكون موجودا في الدم وفي الأعضاء الأخرى. لذلك، يختبر الباحثون طرقا مختلفة لإنقاذ الأعضاء المصابة.
لقد أظهرت دراسة سابقة أن إعطاء المرضى العلاج المضاد للفيروسات بعد ساعات قليلة من جراحة زرع الأعضاء يمكن أن يهاجم الفيروس بنجاح قبل أن يسترجع نشاطه.
وقال الطبيب ديفيد كلاسن، كبير المسؤولين في شبكة (يو.إن.او.إس)، إن القضاء على الفيروس قبل عملية الزرع من شأنه تبسيط الإجراءات الخاصة بالمرضى. كما يمكن أن يقلل بشكل كبير من عدد الأعضاء المتبرع بها المهدرة.
التقنية المستخدمة في تورونتو تبقي الأعضاء “حية” خارج الجسم عن طريق ضخها مع سائل مؤكسد غير دموي. استخدم العلماء ضوء الأشعة فوق البنفسجية سي لإشعاع المحلول، بهدف إلغاء تنشيط فيروس التهاب الكبد الوبائي سي وجعله غير مُعد.
يسمح الإرواء للأطباء بتقييم الأعضاء التي يحتمل زرعها وإعادة تأهيلها، وهو ما يربحهم وقتا أطول من عملية التخزين في صناديق الثلج التي قد تتسبب في إتلاف الأنسجة.
دمج باحثو تورونتو تقنية شركة التكنولوجيا الطبية السويدية “اكس فيفو بيرفيوجن آي بي” مع تقنية مستشفى تورنتو، وهي عبارة عن آلة تشبه الفقاعات مصنوعة من مكوّنات جاهزة للاستخدام وجهاز التنفس الصناعي للعناية المركزة.
أسفرت الدراسة التي أجريت على 22 مريضا ونشرت في مجلة لانسيت ريسبيراتوري مديسين، عن نتائج متباينة. فقد أدت إضافة العلاج بالضوء إلى انخفاض كبير في حجم الفيروس. لكن تبيّنت إصابة اثنين من مجموع المرضى بالتهاب الكبد الوبائي والذي أصبح الآن قابلا للشفاء.
تم علاج المرضى المصابين، بما في ذلك دي فريتاس، من خلال دورة مدتها 12 أسبوعا من الأدوية المضادة للفيروسات والتي جعلت الفيروس غير موجود. وتم علاج المريضين بينما توفي أحد المرضى جراء مضاعفات لعملية زرع الرئة.
وقال مارسيلو سيبيل، مدير الجراحين في جامعة هيلث نتووك في تورونتو والذي شارك في دراسة لانسيت ريسبيراتوري مديسين، “كان جميع المرضى في حالة مرضية شديدة”. “ربما لم يكن بعضهم ليصل إلى عملية الزرع في الوقت المناسب إذا لم نوفر له هذا النوع من الأعضاء”. ويخطط الباحثون لدراسة أخرى تجمع بين الإرواء والعلاج الديناميكي الضوئي، وهو نوع من الضوء يعتقدون أنه يمكن أن يكون أكثر فعالية ضد الفيروس من الأشعة فوق البنفسجية لأنه يمكن أن يخترقالعضو.
جدير بالذكر أنه يوجد في الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 113 ألف شخص مدرجين في قائمات الانتظار لزراعة الأعضاء، بما في ذلك أكثر من 1400 في انتظار رئة جديدة. ويموت المئات كل عام أثناء وجودهم في القائمة أو بعد إصابتهم بالمرض بحيث يتعذّر عليهم إجراء عملية زرع.
ويرى الخبراء أنهم يمكن استغلال ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن المواد الأفيونية والمخدرات مثل الهيروين والفنتانيل إلى حل قد ينقذ حياة الكثيرين الذين لا أمل لهم سوى في زراعة الأعضاء. فوفقا لشبكة (يو.إن.او.إس)، أصبح ضحايا الجرعة الزائدة يمثلون الآن 13 بالمئة من تبرّعات الأعضاء في الولايات المتحدة، مقابل 4 بالمئة، خلال العقد الماضي.
يقول الباحثون إن أغلب تلك الأعضاء ستهدر. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تم استخدام رئتي أقل من 4 بالمئة من المتبرعين الحاملين لفيروس الالتهاب الوبائي في عمليات زرع.
ويعمل باحثون آخرون باستخدام تقنية الإرواء على تحسين وظيفة الرئتين والقلب والكبد المتبرّع بها. فقد تمكن العلماء في جامعة أكسفورد من تحسين جودة 16 كبدا وقع التبرع بها، رغم وجود علامات لمرض الكبد الدهني. وعالجوا الأعضاء المتبرّع بها خارج الجسم وقاموا بغسل الكبد لنزع المخدرات والدهون المحيطة بها باستخدام جهاز مصفاة تم تطويره من قبل شركة التكنولوجيا الطبية البريطانية “اورغان اوكس”.
وتتمتع هذه الشركة بتصريح من الاتحاد الأوروبي لاستخدام أجهزتها على الكبد وتأمل في الحصول على موافقة الولايات المتحدة، بحلول نهاية عام 2020. ويبقى استخدام هذا الجهاز محدودا بسبب ارتفاع ثمنه الذي قد يصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، علاوة على نقص الخبرات والتدريب عليه.
رغم ذلك، يشعر دي فريتاس بالامتنان لأنّ الباحثين في تورونتو يختبرون تقنية الإرواء لإنقاذ الأعضاء. ويقول “كل يوم أستيقظ وأشكر الله وأشكر الأطباء لأنه ليس من المفترض أن أكون هنا. لقد كان من المفترض أن أكون في عداد الموتى”.