تقليص الدور الأميركي في العراق يضع إقليم كردستان أمام السيناريو الأفغاني

مخاوف كردية من الوقوع بين فكي كمّاشة تركية – إيرانية.
السبت 2021/08/07
هل سينسحبون مجدّدا؟

أكراد العراق في حال تقلّص الدور الأميركي السياسي والعسكري في العراق وخسارتهم دعم الولايات المتحدة سيكونون في حالة ضعف شديد أمام خطرين داهمين، خطر حلفاء إيران المسيطرين على مقاليد الدولة العراقية، وخطر الأطماع التركية المتزايدة في الأراضي العراقية بما في ذلك أراضي الإقليم، والتي بدأت تتجسّد في تدخلات سياسية وأخرى عسكرية مباشرة.

إربيل (العراق) -  تكشف معارضة القيادات السياسية لإقليم كردستان العراق لما تطالب به القوى السياسية والفصائل الشيعية المسلحة من إنهاء شامل لوجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية عن هواجس كردية بشأن تقلّص دور الولايات المتّحدة في البلد ما سيترك الإقليم لمصيره في مواجهة ضغوط حلفاء إيران المتحكّمين بمقاليد الدولة الاتّحادية، وعرضة لأطماع تركيا التي دخلت بشكل واضح على خطّ المنافسة على النفوذ في العراق وكثّفت من ضغوطها العسكرية على أجزاء من أراضيه لاسيما مناطق الأكراد الذين تكنّ لهم أنقرة عداء قوميا مستحكما.

وبينما اعترضت قوى شيعية عراقية بشدّة على إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخّرا قراره بسحب القوات القتالية الأميركية من العراق والإبقاء على قوات غير مقاتلة تقتصر مهماتها على تدريب القوات العراقية ودعمها في الجوانب المعلوماتية والاستخبارية، رحّبت القيادات الكردية بالقرار الذي أعلن خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى واشنطن، نظرا لكون القرار يضمن حدّا أدنى من الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، والأهم من ذلك أنّه يؤشّر على رغبة أميركية في الحفاظ على دور في العراق وعدم إخلاء الساحة أمام كل من إيران وتركيا.

ورحّب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني بنتائج الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق واصفا ما تمّ التوصّل إليه خلاله بأنّه “خطوة مهمة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد في القضايا الرئيسية مثل الاستقرار الإقليمي”.

وسبق لرئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني أن دعا قوات التحالف إلى البقاء في العراق، قائلا “لطالما أكدنا بأن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديدا وخطرا حقيقيين في الكثير من مناطق العراق ولاسيما في المناطق الكردستانية خارج إدارة حكومة الإقليم مستغلا بذلك الفراغ الأمني في الحدود الإدارية لتلك المناطق. وعليه نجدد التأكيد على أهمية تفعيل التعاون الأمني المشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة هناك”.

وأضاف “نرى أن من المهم أن يواصل التحالف الدولي تدريب ومساعدة قوات البيشمركة والجيش العراقي، كما نشدد على ضرورة بقائه في العراق للتصدي لتنظيم داعش وإنهاء التهديدات الإرهابية المستمرة على إقليم كردستان والعراق عموما”.

مسرور البارزاني: بقاء التحالف الدولي في العراق ضروري لمواجهة داعش
مسرور البارزاني: بقاء التحالف الدولي في العراق ضروري لمواجهة داعش

ومنذ الدخول التركي القوي على خطّ منافسة إيران والولايات المتّحدة على النفوذ في العراق، أصبحت مخاوف أكراد العراق مضاعفة واشتدّت حاجتهم لداعمتهم التقليدية الولايات المتّحدة التي بدأت سياسةُ الانكماش والانسحاب من منطقة الشرق الأوسط التي تتبعها في عهد إدارة بايدن تثير قلق حلفائها في المنطقة.

وتبدو الحالة الأفغانية بمثابة درس بليغ لكردستان العراق الذي يعاني منذ سنوات ضغوطا متزايدة من قبل حلفاء إيران من أحزاب شيعية متنفّذة وميليشيات مسلّحة تحوّلت مؤخّرا إلى التحرّش بأراضيه عن طريق رشقها بالصواريخ ومهاجمة مواقع داخلها بالطائرات المسيّرة، في وقت سلّطت فيه قوى شيعية ضغوطا مالية كبيرة على حكومة الإقليم من خلال محاولتها منع حصوله على حصّة من الميزانية الاتّحادية.

وتوجد في إقليم كردستان العراق أربع قواعد عسكرية أميركية، اثنتان منها في مركز الإقليم أربيل، إضافة إلى قاعدة ثالثة في زاخو ورابعة في حلبجة.

ومختلف تلك القواعد أصغر حجما من القواعد الأميركية الأخرى التي كانت موجودة بشمال وغرب العراق لكنّها قابلة للتوسيع لاستيعاب مختلف القوات التي قد تضطر الولايات المتحدة لإخراجها من باقي القواعد العراقية.

ومن شأن تقلّص الدور الأميركي في العراق أن يشجّع تركيا على التمادي في ما شرعت فيه بالفعل من تدخّل عسكري في عدّة مناطق من إقليم كردستان وتوسيع نطاقه تدريجيا وتثبيته من خلال زرع نقاط المراقبة والقواعد العسكرية الصغيرة في تلك المناطق، وكل ذلك بالتوازي مع التدخل سياسيا في شؤون الإقليم وما يخوضه من صراعات على مناطق متنازع عليها.

ويمثّل التركيز التركي على محافظة كركوك الغنية بالنفط أوضح مثال على مطامع تركيا في العراق، حيث تجاهر أنقرة بدعمها للتركان في المحافظة على حساب الأكراد الذين يطالبون بكركوك كجزء من إقليمهم، وهو ما تعمل تركيا على منع تحقّقه من منطلق عدم رغبتها في امتلاك أكراد العراق والمنطقة عموما لمقدّرات اقتصادية من شأنها أن تشجّعهم على المطالبة بدولة قومية لهم.

ورغم أن التدخّل التركي في العراق مرشّح لأن يتّخذ صبغة تنافسية مع الدور الإيراني هناك، إلاّ أن أكراد العراق كانوا قد جرّبوا وضعا مختلفا يتمثّل في التوافق التركي – الإيراني ضدّهم، وذلك عندما تعاونت أنقرة وطهران مع بغداد سنة 2017 ضدّهم إثر تنظيمهم في السنة نفسها استفتاء شعبيا على استقلال إقليمهم عن الدولة العراقية. وقد سلطت العواصم الثلاث ضغوطا سياسية واقتصادية شديدة على إربيل ما جعل قيادة الإقليم تتجاوز نتائج الاستفتاء وتطوي صفحته وكأنّه لم يكن.

ومنيت القيادة الكردية آنذاك بخيبة أمل كبيرة من الموقف الأميركي غير الداعم للخطوة الاستقلالية ومن تَرْك واشنطن أكرادَ العراق لمصيرهم في مواجهة إجراءات عراقية إيرانية تركية صارمة جاءت ردّا على الاستفتاء المذكور وتضمّنت طرد قوات البيشمركة من كركوك المتنازع عليها والسيطرة على عدد من منافذ الإقليم. وكانت الولايات المتحدة قد وقفت في السابق وراء الدفع بإقليم كردستان العراق نحو الوضع الذي أصبح معه أقرب إلى كيان مستقلّ عن الدولة العراقية، بعد أن تعاون أكراد العراق معها بفعالية في إسقاط نظام الرئيس السابق صدّام حسين.

3