تقدم برنامج دعم الإسكان يحفز صناعة الإسمنت في المغرب

يختزل النشاط المزدهر لصناعة الإسمنت في المغرب حجم تأثير برنامج دعم الإسكان الذي أطلقته الحكومة ضمن مقاربة عقارية لحل مشكلة نقص الوحدات السكنية، وسط توقعات بأن تنمو المجالات الأخرى المرتبطة بقطاع البناء والتشييد في المرحلة المقبلة.
الرباط - تؤكد المؤشرات الرسمية على استمرار مبيعات الإسمنت في السوق المغربية في مسارها التصاعدي مع تحقيق القطاع أرقام نمو ملحوظة في الأشهر الماضية، مدفوعا بالتزام الحكومة بتطوير مجال الإسكان.
واعتبرت وزيرة الإسكان فاطمة الزهراء المنصوري أن الدعم المباشر لشراء المنازل والشقق الذي أطلقته الحكومة كان سببا رئيسيا في ارتفاع مبيعات الإسمنت العام الماضي.
وأظهرت بيانات رسمية لوزارة الإسكان أن المبيعات عرفت ارتفاعا سنة 2024 بالمقارنة مع السنة التي سبقتها. ويتراوح سعر الطن بين 550 درهما و600 درهم (52.6 دولار و57.4 دولار).
ووفق الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت بلغت المبيعات قرابة 13.7 مليون طن العام الماضي قياسا بنحو 12.5 مليون طن على أساس سنوي، بنمو تبلغ نسبته 9.45 في المئة.
وشهد القطاع في شهر ديسمبر الماضي وحده أداء استثنائيا، حيث بلغت التسليمات نحو 1.29 مليون طن، مقارنة بحوالي 1.12 مليون طن قبل عام، أي بزيادة قدرها 15.19 في المئة.
وواصلت قطاعات اقتصادية بارزة في البلاد منحاها الإيجابي بإظهار مؤشرات تعاف مستمر، كما هو الحال بالنسبة إلى سوق الإسمنت التي عرفت ارتفاعا ملحوظا من حيث أرقام الاستهلاك خلال الفترة الممتدة بين يناير وأكتوبر من العام الماضي.
وتتوزع مبيعات الإسمنت على مختلف القطاعات، حيث استحوذ مجال التوزيع على الحصة الأكبر بواقع 7.88 مليون طن، يليه قطاع الخرسانة الجاهزة للاستخدام بكمية بلغت نحو 3 ملايين طن.
وتعكس هذه الأرقام، بحسب الجمعية، الانتعاش المتواصل في قطاع البناء والتشييد بالسوق المحلية وتحفيز النشاط الاقتصادي في ظل حركية ملحوظة للمشاريع العقارية، منها برنامج السكن، مع تطوير البنية التحتية خلال عام 2024.
ويلقى برنامج المساعدة على السكن الممتد لخمس سنوات وينتهي في عام 2028، والرامي إلى تسهيل وصول الطبقتين المتوسطة وذات الدخل المنخفض إلى امتلاك منازل، اهتماما كبيرا من قبَل المغاربة.
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة طلبات المغاربة بلغت 81 في المئة، بينما كانت النسبة المتبقية من الطلبات، وقدرها 19 في المئة، من طرف المغتربين.
واستنادا إلى ذلك، فإن 76 في المئة من مجموع الطلبات المقدمة لدعم السكن موجهة لشراء منزل يقل سعره عن 300 ألف درهم (28.7 ألف دولار)، و24 في المئة من الطلبات تتعلق بشراء منازل تتراوح قيمتها بين 300 ألف و700 ألف درهم (28.7 ألف دولار و67 ألف دولار).
ويدعم هذا الاتجاه نشاط الشركات الصغيرة والمتوسطة مع زيادة مساهمة هذه المشاريع المعتمدة على الإسمنت في تحسين جودة البنية التحتية، ما يعزز القدرة التنافسية للمغرب على المستويين الإقليمي والدولي.
وعلى الصعيد الاقتصادي يهدف البرنامج إلى زيادة العرض السكني، وتحفيز قطاع البناء، وإعطاء ديناميكية للقطاع الخاص، ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل وبث حركية في قطاع يشغل أكثر من مليون مواطن.
ويرى إدريس الفينة، أستاذ الاقتصاد في المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن ارتفاع مبيعات الإسمنت في 2024 يعكس مسارا واعدًا للتنمية الاقتصادية.
وأكد أن الأرقام الأخيرة أسفرت بالفعل عن زيادة طفيفة في المبيعات ومؤشر استهلاك الإسمنت في المغرب من طرف قطاعات وبرامج انخرطت فيها البلاد.
وقال لـ”العرب” إن “المؤشر الأول من دون منازع هو آثار وتداعيات إعادة تعمير مناطق زلزال الأطلس الكبير، لأن مشاريع البنية التحتية زادت استهلاك الإسمنت في المغرب، لاسيما في الأقاليم المتضررة.”
والعنصر الحاسم في ارتفاع مبيعات الإسمنت بالمغرب، بحسب الفينة، هو الإعلان عن برنامج مساعدات وإعانات مالية لدعم قطاع السكن وبداية التسجيل مع أول أيام السنة الجديدة.
وأشار إلى أن المطورين العقاريين المحليين شرعوا منذ مدة في بناء المساكن لعرضها للبيع في سنة 2024، متوقعا استمرار الارتفاع طيلة أشهر السنة الجارية وإنهاء البناء بنسبة زيادة في المبيعات تبلغ 5 في المئة.
ومع ذلك يعتقد الفينة أن الضرورة تقتضي وضع سياسات مبتكرة لمواجهة التحديات الاقتصادية، مثل تعزيز توفير فرص الشغل، وتوفير برامج تمويل مبتكرة للإسكان.
9.45
في المئة نسبة نمو المبيعات في عام 2024 بمقارنة سنوية لتبلغ نحو 13.7 مليون طن
والأهم من ذلك في هذا المسار هو الحفاظ على استقرار الأسعار والاستمرار في تحفيز الاستثمارات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين جودة المشاريع العمرانية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
ومن المتوقع أن يصل متوسط استهلاك الإسمنت إلى 7 في المئة سنويا بين عامي 2024 و2026، وفقاً لما خلص إليه تقرير بحثي عن المساواة الصادر عن المركز التجاري العالمي للأبحاث (أي.جي.آر)، والذي يعتبر نقطة تحول مهمة بعد عقد من الانكماش في سوق الإسمنت بنسبة 1.7 في المئة.
وربط المركز هذا التطور مع التزام الحكومة بإطلاق مشاريع البنية التحتية الكبرى، التي ينبغي أن تكون بمثابة حافز للنشاط في قطاع البناء والأشغال العمومية، وبانتعاش ديناميكية قطاع البناء الذاتي بعد عدة سنوات من التباطؤ والركود بسبب تعاقب سنوات الجفاف.
ويعد استهلاك الإسمنت مؤشرا على قياس صحة قطاع البناء والأشغال العامة في المغرب، والذي ارتفع بنسبة 8.2 في المئة خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024.
وجاء ذلك على عكس الأداء المتباين الذي بصم عليه الفترة ذاتها من عام 2022 بنحو 1.1 في المئة و0.2 في المئة في عام 2023، وفق بيانات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت.
وتنشط في القطاع الكثير من الشركات التي تستحوذ على حصة كبيرة من السوق وهي أعضاء في الجمعية، منها إسمنت تمارة وإسمنت الأطلس وإسمنت المغرب ولافارج هولسيم المغرب ونوفاسيم.
ويظل المؤشر الرئيسي لقطاع البناء والأشغال العمومية من أهم المقاييس لمعرفة مدى رواج نشاط اقتصادي في عدد من البلدان وليس فقط في المغرب.
وأكد مصطفى الزعيمي مدير مصنع لافارج هولسيم تطوان أن الطاقة الإنتاجية للشركة التي ولدت نتيجة اندماج في يوليو 2016، وتستحوذ على 54 في المئة من السوق المحلية، تقدر بنحو 1.6 مليون طن من الإنتاج السنوي للشركة.
وقال “لدينا أحدث الخطوط المجهزة بتقنيات حديثة تمكننا من التحكم في جودة المنتوج والطاقة التي تستعمل ونستغلها أحسن استغلال.”