تفعيل التعاون القضائي بين القاهرة والخرطوم لن يحل مشكلة المطلوبين

مذكرة التفاهم الموقعة بين المنظومتين القضائيتين في الدولتين تستهدف تضييق الخناق على المطلوبين.
الخميس 2021/09/09
الصندوق الأسود

القاهرة - يعد ملف المتهمين من قبل حكومتي مصر والسودان من الملفات المعقدة في غالبية المحادثات التي تمت بين الجانبين وحققت تطورات إيجابية وتمددت في مجالات مختلفة باستثناء المطلوبين، ما منح زيارة النائب العام السوداني مبارك محمود للقاهرة التي بدأت الأحد أهمية في سياق التباحث حول هذا الملف الشائك.

وأعلن المكتب الوطني للإنتربول في السودان الأسبوع الماضي تفعيل “النشرة الحمراء” بطلب من الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) في تعقب مطلوبين رئيسيين من قادة النظام السابق ممن فروا عقب الإطاحة به، ومن بينهم مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبدالله قوش، المعروف بالصندوق الأسود في السودان، والذي تتمسك مصر بعدم التفريط فيه.

أحمد حجاج: تسليم صلاح قوش سيرسخ التعاون الأمني والقضائي

وكشفت مصادر إعلامية أن زيارة النائب العام السوداني للقاهرة جاءت بدعوة من نظيره المصري حمادة الصاوي بهدف تعزيز العلاقات القضائية والعدلية بين البلدين، ورجحت مناقشة تسليم صلاح قوش المقيم في القاهرة منذ سقوط نظام عمر البشير.

ولم تتوقف مصر عن المطالبة بتسليم بعض القيادات الإسلامية المتشددة التي هربت إلى السودان واستقرت بعد سقوط نظام الإخوان في القاهرة، ووجد هؤلاء دعما من الحركة الإسلامية في أوج عنفوانها غير أن الخرطوم لم تتجاوب مع أي من المطالبات في ذلك الوقت.

وصعد ملف المتطرفين بعد سقوط نظام البشير وتولي المجلس العسكري الحكم ثم تشكيل السلطة الانتقالية الحالية، لكنه تعثر من دون تفسير واضح، وهو ما تعاملت معه مصر بمرونة لأن أيا من الأسماء المدرجة لم يعد يمثل تهديدا لأمنها.

وقال الخبير في الشؤون الأفريقية أحمد حجاج إن زيارة النائب العام السوداني متصلة بالتطور الحاصل في العلاقات بين البلدين في مجالات متعددة الذي يمكن توظيفه في عمليات تبادل تسليم مجرمين، وليس مستبعدا حدوث ذلك في حالة صلاح قوش لترسيخ التعاون الأمني والقضائي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مذكرة التفاهم الموقعة بين المنظومتين القضائيتين في الدولتين استهدفت تضييق الخناق على المتهمين في قضايا عدة داخل أي منهما وعدم الهروب إلى الدولة الأخرى وهي لا تنفصل عن المساعي الحثيثة لضبط الحدود المشتركة وعدم تحويلها إلى أداة لتهريب عناصر إجرامية وإرهابية.

وتحتفظ مصر بالجنرال قوش لأنه يمتلك الكثير من المعلومات المتعلقة بخارطة الحركات الإسلامية في السودان والمنطقة المحيطة به، وقام بتسليم عدد من المطلوبين من الجماعات الجهادية لمصر بعد أن فرّت إلى السودان.

وأشار المتحدث باسم التحالف العربي لدعم السودان (حقوقي) سليمان سري، إلى أن من أخرج قوش من السودان بعض القيادات العسكرية التي “خانت الثورة” ولم تقم بتوقيفه والتحفظ عليه، فقد كان معلوما أن القاهرة ستكون محطته الثانية. وذكر لـ”العرب” أن هذه هي المرة الثانية التي يطالب فيها السودان بتسليم مسؤولين سابقين مطلوبين لديه بصورة قانونية، والأمر ليس صفقة سياسية أو أمنية، لكن “مصر لن تتنازل بسهولة في تسليمه وقد تساوم السلطة الانتقالية وربما أي حكومة قادمة”.

ويعد ملف قوش من الموضوعات التي تطفو على السطح من وقت لآخر، حيث وجهت دوائر سودانية أصابع اتهام للقاهرة بأنها تأويه وتوفر له حماية أمنية فائقة وتمتنع عن تسليمه بعد أن مدها بمعلومات حول دخول وخروج قيادات إسلامية وحقيقة الوضع الأمني في البلاد وتشابكاته الإقليمية.

وأصبح الرجل من الشخصيات المثيرة للجدل في السودان، ففي الوقت الذي اعترفت فيه جهات شاركت في الثورة بأنه لعب دورا في تمكينهم من الوصول لساحة وزارة الدفاع، علت أصوات بأنه أحد أبرز القيادات التي يجب محاكمتها بتهم تتعلق بالفساد السياسي لضلوعه في مؤامرات حيكت مؤخرا ضد السلطة الانتقالية.

واتهم نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو مؤخرا رئيس المخابرات السودانية السابق قوش بالوقوف وراء أحداث هيئة العمليات في يناير 2020 التي تعد “تمردا عسكريا كامل الأوصاف”، وتورطه عن طريق ضباط موالين له في التخطيط للانقلاب على السلطة الانتقالية. وبدأ اسمه يتردد في بعض العمليات الأمنية في السودان، ويتم ربطه دائما بفلول النظام السابق بحكم الروابط السابقة ما جعل عملية تسليمه صيدا سياسيا ثمينا للحكومة المدنية.

ولا يزال الملف محيرا في الداخل ما عرّض جهات قضائية للاتهام بالتواطؤ والتراخي في محاكمة الفلول، وجرت تغييرات في قمة الهرم القضائي السوداني لهذا السبب، شملت النائب العام.

وبات النائب العام المكلف حاليا في السودان أمام اختبار صعب لتحريك ملف قوش من عدمه، لذلك حظيت زيارته للقاهرة باهتمام كمقدمة لتسليمه وديا للخرطوم.

سليمان سري: مصر قد تساوم الخرطوم في ملف تسليم المطلوبين

ويقول متابعون إن أهمية قوش تتجاوز الحدود المحلية والإقليمية، حيث صنفته دوائر سياسية بأنه كان رجل الولايات المتحدة القوي في الخرطوم أثناء حكم البشير، ونسج علاقة تعاون مع جهات أميركية معنية بمكافحة الإرهاب وامتلك معلومات عن كثير من القيادات المتشددة التي عبرت من خلال السودان أو مكثت في أراضيه.

وحظرت الولايات المتحدة لاحقا دخوله وأفراد أسرته أراضيها، وأرجعت قرارها إلى اتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن لديها معلومات موثقة بتورطه في عمليات تعذيب خلال عمله في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ما يعني أنها رفعت الغطاء السياسي عنه ولا توجد ممانعات لتسليمه.

ولا يميل المكون العسكري في السودان لممارسة ضغوط على مصر لتسليمه خوفا من أن تؤدي الخطوة لفضح الكثير من المعلومات التي قد تجر بعض القيادات في الجيش ممن انخرطوا في السلطة وقت حكم البشير، وخشية أن تلح القاهرة على تسلم مطلوبيها الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية وفر بعضهم من السودان.

كما أن مصر التي استضافت من قبل الكثير من القيادات السودانية الكبيرة لا تسمح لهم بممارسة أي نشاط سياسي أو أمني، وموقفها ثابت في مسألة رفض التسليم، وبالتالي لا خوف من وجود قوش أو غيره على أراضيها.

وتكمن المشكلة في إلحاح عناصر داخل المكون المدني على وضع ملف قوش في الواجهة السياسية كورقة ضغط أو مناورة ضد المكون العسكري، وأداة يمكن أن تستثمرها الحكومة في تهدئة الرأي العام الذي يراها غير جادة في التعامل مع ملف الفلول، ولعل الضجيج الذي يحيط بعمل لجنة إزالة التمكين يشهد على ذلك.

2