تفشي ظاهرة اغتصاب القصّر يثير الجدل في المغرب

حماية الأطفال مسؤولية مزدوجة تتكفل بها الأسرة والمجتمع.
الثلاثاء 2023/08/22
مجتمع الغد

مع ارتفاع حوادث الاغتصاب التي تطال القصّر في المغرب يزداد الجدل بشأن من يتحمل المسؤولية في تربية الأطفال وحمايتهم من التحرش والاعتداء الجنسي، هل هي الأسرة التي تواكب وتعيش مع الطفل في مراحل حياته الأولى وانشغلت عنه بعمل الزوجين لتوفير متطلبات الحياة، أم المؤسسات التربوية والاجتماعية التي من واجبها توعية النشء بهذا الانحراف ومتابعتهم حتى بلوغ مرحلة النضج.

خلّفت جريمة الاعتداء الجنسي على أطفال من طرف مؤطر رياضي في مخيم بمدينة الجديدة قبل أيام جدلا واسعا حول مدى تحمل الأسرة مسؤولية تعرض أبنائها لمثل هذه الجرائم وتأثيرها السلبي على المجتمع، مع التأكيد على دور التنشئة الاجتماعية باعتبارها مسؤولية الجميع بدءاً من الأسرة والمؤسسات التربوية والشارع والإعلام.

وهناك من يتهم الأسرة بالتخلي عن مسؤوليتها في القيام بأدوارها التربوية وعدم تحملها لواجب تربية الأبناء حتى يكبروا وينضجوا، في المقابل هناك من يحمّل المسؤولية كاملة للمؤسسات المختصة في كل ما يتعلق بحماية الأطفال.

وتفاعلا مع هذه الواقعة أصدر المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين بيانا طالب فيه الجهات المعنية بضرورة اعتماد “مقاربة شمولية تدمج الأبعاد التربوية والحقوقية والنفسية والإعلامية تجاه الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية”، إضافة إلى “دعم كل المبادرات التي يقوم بها مختلف الناشطين في مسار التنشئة الاجتماعية بشكل متكامل لبناء مجتمع منفتح مؤمن بثقافة الاختلاف ومتشبع بقيم الأخلاق والمواطنة”.

ودعا المرصد في بيانه النيابة العامة إلى “تعميق البحث في الأحداث بأسبابها وظروفها واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لتطبيق مقتضيات الدستور والقانون الملائم لخطورة الأفعال تجاه طفولة بريئة”.

منظمة "ما تقيش ولدي" تطالب الحكومة بالإسراع في غلق مواقع إلكترونية للتعارف بين المراهقين والقاصرين من 13 إلى 25 سنة

ويرى خبراء في علم الاجتماع أن خروج الزوجين إلى العمل من أجل تحقيق متطلبات الحياة صاحبه تقصير في أدوارهما في تربية الأطفال، والاتكال فقط على ما تقدمه المدرسة في بناء وتطوير شخصية الطفل وهي رعاية يسيرة مقارنة مع ما يفترض أن يقدمه الآباء في حماية أطفالهم من أي فعل غير أخلاقي.

ورغم توعد وزير العدل عبداللطيف وهبي بتنزيل أشد العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد في حق مغتصبي الأطفال، إلا أن هذه الجرائم ما زالت في تزايد مستمر وسط قلق الأسر المغربية، وفي هذا الإطار أكدت رابطة الأمل للطفولة على “ضرورة تكثيف الجهود من أجل تحسيس وتوعية الأسرة بخطورة هذه الظاهرة، وأخذ المزيد من الحيطة والحذر من الغرباء”، مضيفة أن “من بين الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة لامبالاة بعض الأسر”.

وأكد عمر الشرقاوي أستاذ القانون العام أن الأسرة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، فأصابع الاتهام في ما يقع من جرائم مقززة للأطفال متجهة للأسرة لتقصيرها في القيام بأدوارها التربوية على خير وجه والتفريط في غيابها وتخليها عن تنشئة وصون الأبناء حتى يكبروا وينضجوا.

وأوضح الشرقاوي لـ”العرب” أن الخطأ الذي ارتكبه بعض الآباء والأمهات هو فهمهم غير المناسب لدورهم في الولاية، الذي اعتبروه فقط مقتصرا على تأمين السكن والأكل والشرب والملابس وعدم الوعي بالدور الحاسم في التربية والحماية بشموليتها لكل مناحي حياة الطفل.

خروج الزوجين إلى العمل صاحبه تقصير في أدوارهما في تربية الأطفال

وفي السياق ذاته قالت نجاة أنوار رئيسة منظمة “ما تقيش ولدي” (لا تلمس طفلي) إنها راسلت النيابة العامة ووزارة الداخلية بسبب مواقع إلكترونية للتعارف بين المراهقين والقاصرين من 13 إلى 25 سنة، مطالبة في عريضة نشرتها على صفحتها الرسمية على فيسبوك بحجب وغلق هذه المواقع الإلكترونية التي تَخلق بيئة خصبة للاغتصاب والاعتداء، مما يعرض سلامة الأطفال العاطفية والجسدية للخطر.

وارتباطا بمسؤولية المجتمع المدني في حماية الطفولة، تساءلت المنظمة حول “قدرتنا على حماية الجيل القادم في العالم الرقمي”، مطالبة بضرورة “أن تتحرك السلطات بسرعة لإغلاق هذه المنصات المشبوهة، ووضع لوائح صارمة لمنع استغلال القاصرين ومضايقتهم عبر الإنترنت”.

ومع أهمية القوانين والتشريعات المتوفرة التي تحمي القاصرين من الاغتصاب والاستغلال بكل أشكاله، إلا أن ذلك غير كاف ولا يعادل الحماية والدفء والتربية التي تقدمها الأسرة لأفرادها، بحسب الشرقاوي، فالقانون يتدخل حين تسوء الأمور وتنفجر الفضائح، وفي كثير من الأحيان تبقى الجرائم المرتكبة في حق الأطفال في طي الكتمان، أما الأسرة فلها دور استباقي لوقوع جرائم الاغتصاب.

وتساهم الهشاشة الاجتماعية للتلاميذ المقيمين في الداخليات ودور الطلبة في تعرضهم للعنف، إذ أبرز تقرير جديد للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن بعض التلاميذ والتلميذات يقضون في هذه المؤسسات شهورا دون زيارة أسرهم، وفي ظروف هشة، رغم أنهم في سن جد مبكرة أحيانا، منبّها في تقريره إلى خطر العنف في الوسط المدرسي، واحتمال أن يكون تلاميذ هذه المؤسسات “ضحايا العنف والتحرش والاغتصاب، بما في ذلك من قبل الكوادر التربوية”.

j

وأشار المجلس إلى أن هؤلاء التلاميذ “أكثر عرضة للخطر بسبب بعدهم عن وسطهم العائلي، ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي الهش”، داعيا إلى تطوير آلياتٍ لحماية الأطفال داخل هذه الفضاءات لتلافي حالات العنف والحد منها.

وقالت سميرة موحيا رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء إن ما نشهده اليوم من ارتفاع في نسب الاعتداءات الجنسية في حق الطفولة مؤسف، مضيفة أن “تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المغربي يكشف عن وجود وحوش آدمية يجب أن تتخذ في حقها أقصى العقوبات”، مؤكدة على “ضرورة تدخل الدولة بالإضافة إلى جميع المؤسسات التابعة لها من أجل توفير الحماية اللازمة لهؤلاء الأطفال، مع وجوب إحاطتها بالضحايا وتقديم الدعم المادي والمعنوي لأسرة الضحية”.

ويقول الشرقاوي إن حماية الطفل هي مسؤولية الآباء، وإذا لم يقوموا بأدوارهم فسيكون أطفالهم عرضة للانتهاكات من طرف وحوش آدمية، فحينما تتخلى الأسرة عن حماية أطفالها فإن ذلك يحولهم إلى لقمة سائغة في أفواه المجرمين والمغتصبين.

وأكدت الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب على أهمية إطلاق حملات توعية شاملة لتثقيف المجتمع والآباء والمعلمين والأطفال حول التعرف على حالات الإساءة المحتملة والإبلاغ عنها، و”تطبيق آليات إبلاغ ذات شفافية، تمكن الحاضرين والموظفين وأولياء الأمور من الإبلاغ عن أي سلوك مشبوه أو ضار دون الخوف من العقاب”.

وعلى غرار عدد من الحقوقيين، دعا خالد الشرقاوي السموني رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال في تصريح لـ”العرب”، السلطات القضائية إلى “عدم التساهل أو التسامح في جرائم اغتصاب الأطفال، نظرا إلى خطورتها وآثارها الجسدية والنفسية على الضحايا، إذ تبقى لصيقة بهم مدى الحياة”، وطالب في الوقت نفسه بإعادة النظر في التشريع الجنائي لتشديد العقوبات في مثل هذا النوع من الجرائم، وتفعيل آليات حماية الأطفال ومواكبتهم الطبية والنفسية في حالة الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب.

15