تفشي الإساءات الجنسية بحق الأطفال في المدارس الدينية في تركيا

حزب العدالة والتنمية الحاكم يحظر ظهور أيّ تقارير إعلامية أو مناقشة هذه الحوادث في البرلمان.
الثلاثاء 2019/09/24
مدارس دينية بغطاء سياسي

تكشّفت خلال الفترة الماضية سلسلة من فضائح الإساءات الجنسية داخل المدارس الدينية في تركيا، لكن وبسبب صلات تلك المدارس بحزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتم التستّر على جرائمها.

كثرت المدارس التركية التي تُعنى بتدريس مناهج إسلامية مثل مدارس الإمام الخطيب التي تديرها الدولة طيلة السنوات السبع عشرة التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية البلاد، وهو الذي سعى إلى تأصيل قيم دينية في الشباب التركي، وعمل على تمويل سيل من المؤسسات الإسلامية في القطاع التعليمي.

ولطالما تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سطع اسمه في تسعينات القرن العشرين في إطار صعود الحركة الإسلامية، عن هدفه لتنشئة “جيل متدين”. وأدى هذا إلى زيادة هائلة في عدد مدارس الإمام الخطيب، وكذلك زيادة في عدد ساعات التعليم الديني لجميع الطلبة.

ويضطلع بتدريس المناهج الدينية عادة موظفون من المؤسسات الدينية التي توفّر أماكن لإقامة أطفال المدارس، وهي أماكن أصبحت ساحة للعديد من فضائح الإساءة الجنسية.

برزت أحدث هذه الفضائح في وقت سابق هذا الشهر في مؤسسة دير الفقيه الدينية في منطقة العمرية بإسطنبول، حيث وُجّهت لثلاثة معلّمين اتهامات بالإساءة الجنسية لأكثر من 20 من الطلبة.

مسعود أتاي، وهو أستاذ علم نفس الأطفال في جامعة أوكان في إسطنبول، قال إن النظام في هذه المدارس قد خذل الأطفال بعد أن نقل إليهم كيفية الحكم الأخلاقي على الناس بناء على عوامل ظاهرية ذات صلة بالدين، ومن بنيها مواظبة الشخص على الصلاة.

ويقول أتاي إن الأطفال يحضرون دروسا إلزامية عن الإسلام في سن لا يحتاجون فيها بالضرورة لامتلاك القدرة على فهم مفاهيم معقّدة، مضيفا أن الأطفال سيحصلون على ما هو أفضل إن تلقّوا تعليما دينيا داخل نطاق الأسرة.

لكن بدلا من ذلك يتلقّى الأطفال ذلك في المدرسة، وأظهرت تقارير إعلامية في السنوات الأخيرة كيف يتربص بهم معلمون خلت قلوبهم من الرحمة. وحالة مدرسة دير الفقيه هي أحدث مثال ضمن سلسلة طويلة من حوادث الإساءة الجنسية التي تكشّفت في مؤسسات مماثلة. ومرة أخرى، تتعامل الحكومة مع هذه الفضائح من خلال محاولة إخفائها ومنع الكشف عنها.

وشهدت مدرسة فنية عليا اغتصاب معلم لفتاة في السابعة عشرة من العمر. وتحدثت الضحية عام 2014، لكنّ السلطات فرضت حظرا على النشر. وفي يوليو عام 2015، اعتقل إمام عمره 52 عاما متهما بالإساءة الجنسية لثلاث طالبات في مدرسة صيفية لتعليم القرآن، في إقليم بارتين بشمال البلاد.

أصبح المواطنون الأتراك بلا ملاذ إعلامي حقيقيّ، لكنّهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف العالم بهذه الإساءات الجنسية

وفي الشهر الماضي، أوردت وسائل إعلام تركية أن إماما في مسجد أفيون في غرب تركيا قد تحرش بتلميذين في السابعة والتاسعة من العمر. ومرة أخرى كان رد الفعل من قبل الحكومة هو فرض حظر على نشر أيّ معلومات عن هذا الحادث.

كما اتهم معلم في مدرسة داخلية لتعليم القرآن في بيربازاري بوسط تركيا بالإساءة الجنسية بحق ذكر عام 2013.

ووصلت القضية إلى المحكمة في نوفمبر عام 2017، لكن السلطات فرضت مرة أخرى حظرا على النشر في القضية. ووقع أحد أكثر حوادث الإساءة قسوة في مقر إقامة في كرمان بوسط إقليم أناتوليا.

واتهم معلم عمره 54 عاما وعضو بارز في مؤسسة الأنصار الإسلامية باغتصاب عشرة من تلاميذ المدرسة الثانوية، والإساءة الجنسية إليهم في مقرّ الإقامة الداخلي.

ووفقا للائحة الاتهام، فإنّ الاعتداءات وقعت بين عاميْ 2012 و2016. وقال الضحايا إن أعمارهم كانت تتراوح بين العاشرة والثانية عشرة حين تعرّضوا للتحرش للمرة الأولى، مثلما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي).

لكنّ المؤسسة، التي تعرف بصلاتها الوثيقة بأردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، لا تزال تحصل منذ ذلك الحين على عقود كبيرة من الحكومة للتدريس لتلاميذ المدرسة، كما تحصل المؤسسة أيضا على تمويل سخيّ من البلديات.

في الوقت نفسه، يحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم ظهور أيّ تقارير إعلامية أو مناقشة هذه الحوادث في البرلمان. ولا شك أنّ أي وسيلة إعلام حرة ستطالب بأجوبة، لكن الإعلام التركي الذي يعتقد أن 90 بالمئة من وسائله التي تحظى بالمشاهدة تتمتع بصلات مع الحكومة، وتواجه أيّ وسائل إعلام مستقلة مرارا بإجراءات قضائية إذا نشرت مثل هذه الحوادث الحساسة.

ومع هذه الحالة أصبح المواطنون الأتراك بلا ملاذ إعلامي حقيقيّ، لكنّهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف العالم بهذه الإساءات الجنسية.

ومثلما ظهر في قضية مؤسسة الأنصار، فإن تويتر أصبح صوت الملايين من المستخدمين الذين يعارضون الرقابة التي تفرضها الحكومة، وتردّدها في التصدي لهذه الجرائم الجنسية لأسباب عقائدية.

هذه الأسباب العقائدية ذاتها هي التي دفعت حزب العدالة والتنمية للتردّد في التصدي للمشاكل في نظام تعليم تولّى بنفسه إعادة هيكلته منذ صعوده للسلطة عام 2002، رغم حقيقة أن الطلاب في مدارس الإمام الخطيب على سبيل المثال لا ينجح منهم في الالتحاق بالجامعات التي تبلغ مدة الدراسة بها أربع سنوات إلا نصف من يلتحقون بالجامعات من الطلاب الآخرين.

12