تغذية الاحتقان الطائفي سلاح المتشددين لتقويض النظام المصري

القاهرة- لم يعد الاحتقان الطائفي في بعض المحافظات المصرية بعيدا عن أن تغذيه عناصر إسلامية متطرفة، في محاولة لممارسة نوع جديد من الإرهاب لا تستخدم فيه الأسلحة بقدر ما يسعى أصحابه إلى محاولة تقويض النظام السياسي، وضرب علاقته القوية بالأقباط.
الكثير من المراقبين لمشاهد الاحتقان الطائفي بين المسلمين والأقباط في مصر توقفوا عند تفسير الأحداث الأخيرة، والتي لم تكن لها أي مقدمات تشير إلى وقوعها، ما يعني أن هناك جهات تريد إشعال فتنة، خاصة أنها تركزت في محافظة المنيا بجنوب مصر، والتي تعيش فيها نسبة كبيرة من الأقباط، ومعروفة بنشاط الحركات الإسلامية المتشددة أيضا.
ما جرى خلال الأيام الماضية في هذه المحافظة كان لافتا للانتباه، حيث اتسع نطاق العنف ووصل إلى حد الاعتداء على أسرة قبطية داخل منزلها، ومقتل شاب وإصابة 5 آخرين، بعد شائعة تحويل منزلها إلى كنيسة، ومن قبلها تعرية امرأة قبطية، على خلفية شائعة وجود علاقة عاطفية بين ابنها وفتاة مسلمة.
معروف أن محافظة المنيا، من المعاقل القديمة التي خرج منها إسلاميون متشددون، سواء في الدعوة السلفية أو الجهاد الإسلامي أو حتى جماعة الإخوان، وما زالت جذور هذه الجماعات موجودة، ولم يتم تجفيف منابعها بالكامل، ما تسبب في أن تصبح هذه المنطقة في صدارة محافظات الصعيد التي تشهد حالات احتقان طائفي، لأسباب قد تبدو غير منطقية، ثم تتحول إلى أزمة سياسية وأمنية داخل مجتمع تسيطر عليه القبيلة وانتشار ثقافة حمل السلاح.
غياب تطبيق القانون وفرض ثقافة الصلح بصورة اجتماعية بين الأطراف المتنازعة يرفعان من عوامل التوتر والاحتقان
الإسكندرية في شمال مصر وعلى البحر المتوسط، يمثل السلفيون فيها، التيار الإسلامي الأكثر حضورا، وعلى الرغم من كونها منطقة “كوزموبوليتانية” أي كانت تتعايش فيها ثقافات عدة، ومشهود لها بالتحضر والتمدن والتحرر النسبي، مقارنة بالمجتمع الصعيدي، غير أن شيوخ الدعوة السلفية استطاعوا أن يجعلوها قبلتهم، ويفرضوا سطوتهم على بعض المساجد، وتجاوزوا عمليات التضييق عليهم من قبل وزارة الأوقاف.
وهو ما يفسر فوز حزب النور السلفي بـ6 مقاعد برلمانية في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، لأنه استفاد من القاعدة الإسلامية في هذه المحافظة. وقد أشارت أصابع الاتهام إلى ضلوع عناصر سلفية في حادث الاحتقان الطائفي الذي وقع قبل أسابيع في منطقة العامرية بغرب الإسكندرية، عقب اندلاع مشاجرة بالأسلحة مع أقباط بعد انتشار شائعة تحويل منزل إلى كنيسة.
كان نزول الملايين من الأقباط في ثورة 30 يونيو 2013 أحد عوامل الدعم الرئيسية لها، والتي ضاعفت من المرارات بينهم والتيار الإسلامي عموما، الذي اعتبرهم شريحة مهمة في دعم نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي لاحقا، وبدأت عملية استهدافهم تأخذ شكلا أكثر عنفا.
وأضاف كمال زاخر أن ما يحدث لا يعدو أن يكون إلا فاتورة يدفعها الأقباط لمشاركتهم في ثورة 30 يونيو والدفاع عن وجودهم، ولنجاح الثورة في الإطاحة بنظام الإخوان الإسلامي، والدليل على ذلك أن مدبّري الفتن الطائفية يختارون توقيتات دقيقة لإشعال الأزمات، فتراهم يؤججون الفتنة في ذكرى ثورة 30 يونيو للوقيعة بين السيسي والأقباط، ومن ثم مدّ ألسنة الفتنة والأعمال الإجرامية في البلاد كلها، فيختار من يخطط لها الأقباط أولا، ثم مناطق الفقر بقرى الصعيد النائية، والهدف الواضح هو محاولة إسقاط نظام السيسي.
الإسلاميون يحاولون الانتقام من الأقباط لسببين، أحدهما الخلاف السياسي معهم جراء التأييد المطلق للسيسي، والآخر يتعلق بالخلاف الديني حول العقيدة
أشار زاخر إلى أن محافظة المنيا تعيش فيها أعداد كبيرة من الجماعات المتطرفة دينيا، لذلك من الضروري أن تتعامل الحكومة المصرية مع قضايا الاحتقان الطائفي بنفس تعاملها مع ظاهرة الإرهاب، وأن تلغي جلسات الصلح العرفية في القضايا الطائفية وتقصي عن هذه الأمور، ما يسمى بـ”بيت العائلة” الذي يتكوّن من أزهريين ورجال كنيسة، فهؤلاء دورهم تنويري وليس التستر على إرهابيين ومجرمين.
يرى البعض من المراقبين أن عددا من مؤسسات الدولة يخدم مخطط الإسلاميين المتطرفين بتغذية الاحتقان بشكل غير مباشر؛ فهناك البرلمان الذي يتجاهل مناقشة قانون بناء الكنائس الذي قد يقضي على الكثير من أسباب الاحتقان، وهناك قاض يحكم على طفل قبطي في محافظة المنيا بتهمة ازدراء الأديان، وكلاهمها من الأسباب التي تثير حفيظة الأقباط.
أوضح سامح فوزي، الباحث في الشؤون الاجتماعية أن هذه الجهات يمكن أن تعدّل من سياساتها بسهولة، سواء بإقرار قانون بناء الكنائس أو تعديل قانون ازدراء الأديان، لكن التيارات الإسلامية المختلفة تظل مؤمنة بأن تغذية الاحتقان الطائفي، هي إحدى أدواتها لزيادة الانقسام داخل المجتمع والإيحاء بأن النظام الحاكم فقد قدرته على حماية الأقباط، فضلا عن أنها تسعى لتصل الأمور بين الأقباط والنظام إلى حدّ الكراهية، ويظهر الرئيس السيسي أمام المجتمع الغربي في صورة “غير القادر على حماية المواطنين أصحاب الديانات الأخرى”.
وأكد لـ”العرب” أن المشكلة تكمن في أن الإسلاميين يحاولون الانتقام من الأقباط لسببين، أحدهما الخلاف السياسي معهم جراء التأييد المطلق للسيسي، والآخر يتعلق بالخلاف الديني حول العقيدة. ما يعزز كلام فوزي بشأن ضلوع الإسلاميين في هذه المؤامرات، أن فترة حكم الإخوان لم تشهد حادثة واحدة للاحتقان الطائفي بين المسلمين والأقباط، بينما زادت خلال السنة الأخيرة.
المشكلة الأكبر أن غياب تطبيق القانون وفرض ثقافة الصلح بصورة اجتماعية بين الأطراف المتنازعة والدفع بأي ثمن تجاه الحل السلمي، من خلال بيت العائلة المصري، ترفع كلها من عوامل التوتر والاحتقان في المجتمع، بدلا من تخفيفها.