تعويضات الحبس الاحتياطي تثير أزمة بين الحكومة والمعارضة في مصر

القاهرة - وافق البرلمان المصري على مجموع مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وأرجأ التصويت النهائي عليه إلى جلسة قادمة دون أن يحدد موعدها، بعد أن شهدت جلساته حالة من الجدل حول عدد من المواد، أبرزها تعويضات الحبس الاحتياطي التي يتم إقرارها لأول مرة استجابة لنصوص الدستور، وخلقت هذه المسألة أزمة بين الحكومة ومعارضين وجهوا لها اتهامات بأنها أفرغتها من مضمونها.
وحظيت نصوص مواد الحبس الاحتياطي بالجزء الأكبر من النقاشات قبل إقرارها بشكل نهائي من جانب البرلمان، وتم التطرق إليها باعتبارها مكسبا سياسيا سعت إليه المعارضة منذ بدء جلسات الحوار الوطني قبل ثلاث سنوات، والذي كان دافعا إلى تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية الذي يوصف في مصر بـ”الدستور الثاني”.
وتصاحب دائما خطوات الحكومة المصرية نحو وضع النصوص الجديدة الخاصة بشأن الحبس الاحتياطي التي قلصت مددها وأتاحت الفرصة للتظلم منها، انتقادات حقوقية، ما انعكس على نقاشات داخل البرلمان وصولا إلى الجدل المصاحب لتعويضات تعتبرها الحكومة مكسبا حقوقيا وسياسيا للمحبوسين على ذمة قضايا مختلفة.
وحددت المادة 523 من قانون الإجراءات الجنائية حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي “إذا كانت الواقعة محل الاتهام معاقبًا عليها بالغرامة، أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس مدة تقل عن سنة، وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم في جمهورية مصر العربية،” وتتحمل الخزانة العامة للدولة التعويضات.
وتضمنت حالات التعويض صدور أمر نهائي بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم صحة الواقعة، وهو البند الذي اعترض عليه نواب المعارضة وطالبوا بحذف عبارة “عدم صحة الواقعة” بحيث ينطبق التعويض على كل الحالات التي صدر فيها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وقال عضو مجلس النواب عبدالعليم داوود إن هذه المادة تفرغ الفلسفة الأساسية للقانون من مضمونها، فـ”ما يُمنح باليمين يُسحب بالشمال، وإن هناك أجزاء ليست بحاجة إلى الحذف إنما بحاجة إلى النسف،” وطالب بتعديل البند الثالث الذي ينص على أنه “إذا صدر حكم بات بالبراءة من جميع الاتهامات المنسوبة إليه” وحذف “مبينًا على أن الواقعة غير معاقب عليها أو غير صحيح أو حالات أخرى.”
ويستند نواب محسوبون على الحكومة إلى أن الدستور لم يحصر حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي ونصوصه فوضت المُشرع في تنظيمها، وأن حذف الضوابط قد يؤدي إلى تعويض في جميع حالات عدم إقامة الدعوى، حتى لو كان ذلك لأسباب عدم كفاية الأدلة، بينما التعويض يجب أن يكون عن الوقائع غير الصحيحة يقينًا.
وتسببت طريقة إدارة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بما في ذلك نصوص مواد الحبس الاحتياطي في أزمات عدة تحت قبة البرلمان إذ لم يتم النقاش حولها بشكل إيجابي يضمن كسب ود المعارضة وإحداث قدر من التقارب الحكومي معها، وأن اللجنة الفرعية التي شكلها البرلمان لوضع تصور بشأن مشروع القانون الجديد لم تحظ بتمثيل واسع من أحزاب المعارضة.
وأكد المحلل السياسي المهتم بالشأن البرلماني عبدالناصر قنديل أن إدخال تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي والنص على التعويض بشأن الحبس الخطأ كان مطلبا رئيسيا للمعارضة جرى التعبير عنه في جلسات الحوار الوطني واستجابت الحكومة له وكان هناك توافق واسع بين المؤيدين والمعارضين على تلك التعديلات التي أفضت في النهاية إلى تقليص مدد الحبس.
وأوضح قنديل في تصريحات لـ”العرب” أن المشكلة تكمن في النقاش حول هذه المواد الذي جرى على نطاق ضيق للغاية ولم يتم السماح لشريحة كبيرة من المعارضة التي لديها رؤية متكاملة حول مواد الحبس بأن تشارك فيه.
وأضاف أن الحكومة كانت أمام فرصة مواتية لخلق توافق مشترك مع التأييد اللافت من جانب معارضين لتقليص مدد الحبس ومدد المنع من السفر، وأن مواد مثل التي تتعلق بتعويضات الحبس الاحتياطي وإجراءات المحاكمة والإطلاع على الأوراق أثناء سير القضية بحاجة إلى المزيد من العناية لأن الاعتراضات عليها كانت كبيرة.
وأشار إلى أن تزايد وتيرة الاعتراضات من معارضين يرجع إلى أن تمثيل المعارضة في البرلمان محدود، وكان يمكن الاستجابة لمطالب إقامة حوار مجتمعي حول القانون قبل إقراره والآلية التي أقرها البرلمان عبر لجنة مصغرة يتشارك فيها برلمانيون.
وتوقع قنديل في حديثه لـ”العرب” أن يولد القانون بعد إقراره مطالب متجددة بإدخال تعديلات عليه، في حين أنه كان يمكن تجاوز ذلك لو جرت نقاشات أوسع حول المواد التي تحظى باهتمام سياسي واسع كي ينعكس إيجابا على تحسين الحالة السياسية.
ووافق مجلس النواب في ديسمبر الماضي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية من حيث المبدأ، والذي سبق أن تعرض لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحافيين التي أعدت دراسة، وأرسلت تعليقات إلى مجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.
وأكد عضو الهيئة العليا لحزب الوفد الليبرالي ياسر حسان أن البرلمان لم ينجح بصورة كبيرة في أن يخرج قانون الإجراءات الجنائية بتوافقيْن سياسي ومجتمعي كبيرين، وأن بعض المواد التي كانت مثار جدل حظيت باهتمام من جانب الأحزاب السياسية التي قدمت اعتراضات عليها، وفي الأغلب لم يتم الأخذ بها، ما يجعل الجدل حولها مستمرا وإن جرى تمرير القانون بشكل نهائي.
وذكر حسان في تصريح لـ”العرب” أن الميزة الإيجابية التي حققها البرلمان كونه تعامل مع قانون قديم به عوار كبير وكان من الضروري الخروج بآخر جديد يتماشى مع التطورات الراهنة، وأن الاعتراضات على القانون لم تكن فقط من منظور سياسي، لكن الكثير من المسائل الإجرائية المرتبطة بإجراءات نقابة المحامين وشهادات الشهود وكيفية الحفاظ على استقلاليتها لم تتم مراعاتها، غير أن العبرة ستكون في النهاية بتطبيق القانون وما إذا كان سيصب في صالح المواطن أم لا.