تعليم يدر الثروات وآخر يخلف الفقر مدى الحياة

أصبحت الأحلام التي تتردد على شفاه الأطفال عند سؤالهم عن الوظائف التي يرغبون في امتهانها عند كبرهم تثير في أغلبها مخاوف أسرهم، بعد أن فرضت ظروف الحياة والتكنولوجيا الحديثة مهنا أكثر طلبا في سوق الشغل وأفضل من حيث الدخل المادي والرفاه الاجتماعي، وعوضت الآلات الموظفين في الكثير من المجالات.
وأشارت بحوث إحصائية واستطلاعات للرأي إلى أن أغلب طلاب الجامعات بمختلف دول العالم، يعتقدون أن الشهادة الجامعية التي يقضون سنوات طويلة من عمرهم لنيلها، لم تعد تحقق لهم طموحاتهم في الحياة.
وقوض استطلاع للرأي أجرته هيئة حكومية بريطانية الاعتقاد السائد في أغلب المجتمعات بأن الشهادة تمكّن صاحبها من الحصول على وظيفة تدر عليه المال الوفير، بعد أن كشف عن وجود فارق كبير في الراتب بين حملة الشهادات الجامعية ونظرائهم ممّن لا يحملونها.
وبينت الإحصائيات الحديثة أن راتب المدرس في بريطانيا يتراوح بين 29 و37 ألف دولار سنويا، وهو مبلغ مشابه لما يتقاضاه العاملون في مجال التمريض، إلا أنه لا يقارن مع المرتب الضخم الذي يحصل عليه العديد من اللاعبين في الدوري الإنكليزي مثلا، والذي وصل في المتوسط إلى 2.11 مليون دولار في موسم 2012-2013.
196 ألف دولار أميركي معدل راتب الموظف في مجال صناعات التكنولوجيا
ويبرر العاملون في هذا المجال ذلك، بأن نجومية لاعب كرة القدم لا تقل في مستواها عن بطل فيلم سينمائي تكلف إنتاجه الملايين من الدولارات، أو مطرب يمتع جمهوره بنبرات صوته العذب. وتتلخص تبريرات هؤلاء في الإجماع على أن متوسط عمر عطاء لاعب كرة القدم الذي لا يتجاوز 10 سنوات قبل أن يتقاعد، وبالتالي وجبت مكافأته على خدمته.
وفي المقابل يواجه الملايين من الشباب العربي من خريجي الجامعات معضلة الحصول على وظيفة تتناسب مع مستواهم التعليمي، وتجبر الظروف الاقتصادية الصعبة الكثير منهم على العمل في قطاعات لا تمتّ بصلة إلى مجالات اختصاصهم في بلدانهم. وأشارت منظمة العمل العربية في تقرير سابق لها إلى أن أكثر من 30 بالمئة من الشبان في البلدان العربية يعانون البطالة، جراء النزاعات في بلدانهم والنقص في الاستثمارات، إضافة إلى سوء التدبير والتخطيط السياسي والاقتصادي.
وأوضحت أن عددا كبيرا من حملة الشهادات لا يتمكنون من إيجاد عمل لأن اختصاصاتهم لا تتماشى مع العصر ومتطلبات التنمية. وبالرغم من انتشار فروع لجامعات عالمية مرموقة في الوطن العربي، وخاصة في دول الخليج، إلا أن هناك العشرات من الجامعات الخاصة تخرّج طلابا لا يجدون فرصا في سوق العمل. وبالتوازي مع ذلك برز في العقود الأخيرة العديد من الأغنياء الذين نشطوا ونجحوا في مجالات متعددة، من دون أن يحصلوا على شهادات جامعية عالية.
76 بالمئة من هؤلاء المليارديرات لديهم شهادات في ما بعد المرحلة المدرسية، وانخفض هذا الرقم إلى 47 بالمئة حصلوا على درجة البكالوريوس
ولكن الخبراء لا يؤيدون الصورة النمطية، بأن هؤلاء عصاميون وكوّنوا أنفسهم بأنفسهم، واعتمدوا على ذكائهم وخبرتهم الشخصية، أكثر من تنويههم بقيمة الفرص التي يتيحها التعليم العالي لجمع الثروات.
وبيّن تحليل أجري حول الخلفية التعليمية لكبار أصحاب المليارات أنهم في الغالب من خريجي الجامعات ومن الحاصلين على درجات علمية عليا مثل الماجستير والدكتوراه. وقامت بالتحليل شركة “غوكومبير للتأمين” وتضمن فحص الخلفية التعليمية في ما بعد المرحلة المدرسية للأشخاص الذين جاءوا في قائمة أغنى مئة شخص في العالم التي تصدرها مجلة “فوربس”، وذلك على مدى الـ20 عاما الماضية.
وأظهرت الأرقام أن 76 بالمئة من هؤلاء المليارديرات لديهم شهادات في ما بعد المرحلة المدرسية، وانخفض هذا الرقم إلى 47 بالمئة حصلوا على درجة البكالوريوس، و23 بالمئة حصلوا على درجات الماجستير، و6 بالمئة فقط ممّن حصلوا على درجات الدكتوراه. وكانت أكثر الموضوعات التي أقبل على دراستها أولئك الأثرياء، مقررات تعليمية مرتبطة بالاقتصاد والهندسة، كما درس الكثير منهم العلوم التطبيقية مقارنة بعدد قليل ممّن درسوا الآداب والعلوم الإنسانية.
وربطت دراسة أخرى، أعدها مركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، بين الشهادة الجامعية والقدرة على تحصيل المال بعد التخرج في بريطانيا.
عدد كبير من حملة الشهادات لا يتمكنون من إيجاد عمل لأن اختصاصاتهم لا تتماشى مع العصر ومتطلبات التنمية
وفي العام 2013، كان معدل راتب الموظف في مجال صناعات التكنولوجيا 196 ألف دولار أميركي، بحسب الأرقام التي جُمعت من مكتب إحصائيات العمل في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المعدل خلال السنوات المقبلة.
وفي الوقت نفسه لم تفقد بعض الوظائف التقليدية بريقها، بل مازالت تحمل مستقبلا مشرقا في عيون الكثيرين، ويزداد الطلب عليها الطلب حول العالم وتتمتع بدخل متصاعد على الدوام في سوق الشغل، مثل مهنة المحاماة التي وصل معدل دخلها في العام 2014 إلى ما يقارب الـ530 ألف دولار سنويا.