تعقيدات مجتمعية وقانونية ودينية تعيق تصحيح وضع المتحولين جنسيا في مصر

يواجه المضطربون جنسيا في مصر قائمة من التعقيدات حتى مع التفهم الأسري لهم من المجتمع إلى المؤسسة الدينية والقانون الذي يفرض موافقة رجال الدين على تصحيح أوضاعهم التي من المفترض أنها حقوق شخصية وإنسانية، غير أن أي حديث تنويري وتثقيفي بهذا الشأن معرض للتشكيك والطعن في جدواه وأهدافه من المجتمع والبيئة المحيطة.
القاهرة - عكست واقعة تحول فتاة مصرية إلى شاب في عمر الثالثة عشر ورفض استخراج أوراق ثبوتية لإجراء جراحة لها، حجم المعاناة التي يتعرض لها المضطربون جنسيا داخل المجتمع في ظل التحفظ الأسري والرفض الديني والتعقيد القانوني، وتمسك شريحة كبيرة بالتعامل مع تلك الفئة باعتبارهم “شواذا جنسيا”.
وأثيرت القضية عقب تحول أنثى بمحافظة الدقهلية شمال القاهرة إلى ذكر، ولم تكتشف ذلك إلا وهي في عمر الثالثة عشر، بعد أن خضعت لفحوصات طبية أثبتت أن لديها أعضاء تناسلية ذكورية، وتتمتع جسديا بجميع جينات الرجولة، لكن أسرة الشاب لم تتمكن من استخراج أوراق ثبوتية تؤكد أنه ذكر.
لقبته عائلته باسم عمر بدلا من دعاء، ومع أن زملاءه من الفتيات راعين هذا التحول، لكنه تعرض لتنمر بالمدرسة دفعه إلى التسرب من التعليم، وامتهان بعض الحرف اليدوية للذكور، بعد أن أخفقت الأسرة في أن تستخرج ما يثبت تحوله جنسيا.
وخضع الشاب الذي بلغ عامه السابع عشر لعملية جراحية لاستخراج الخصية المعلقة، لكنه لم يستطع إجراء جراحة أخرى تساعده على أن يعيش حياته بشكل طبيعي كذكر أمام التعقيدات القانونية والطبية والحاجة إلى استخراج بطاقة هوية شخصية تؤكد ذكوريته، قبل أن يخضع لجراحة أخيرة.
وأكدت تفاصيل الواقعة إلى أي درجة يعاني المضطربون في مصر أو أي مجتمعي عربي آخر محافظ، في ظل استمرار الرفض المرتبط بالعادات والتقاليد والدين، بل إن هناك من ينظر إليهم كأنهم مجرمون أو يروجون للشذوذ الجنسي داخل المجتمع، من دون إدراك بأن هؤلاء ضحايا لذنب لم يقترفوه.
بلا ضجيج أسري
تظل المشكلة الأكبر عند المجتمع المصري أنه يتعامل مع قضية المضطربين جنسيا من منظور أخلاقي بحت، بحكم أن النبش في هذا الملف من المحظورات، على مستوى التقليد والعرف والدين، ومطلوب من أي أسرة لديها أزمة في الهوية الجنسية لأحد أبنائها أن تتعامل مع الأمر بسرية تامة بعيدا عن العلانية أو الضجيج.
وهناك مراكز طبية متخصصة في جراحات التجميل وتصحيح العيوب الخلقية وزراعة الأعضاء، لكنها لا تعلن صراحة ضمن إعلاناتها في الشوارع والميادين وعبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، أنها تستقبل حالات الاضطراب الجنسي خشية التعرض لها أو التضييق عليها واستهدافها من البعض.
وأصبح الكثير من الأطباء يلجأون إلى علاج هؤلاء تحت مسميات يمكن تقبلها مجتمعيا، برغم أن القانون نفسه لا يحظر تلك الجراحات كحق من حقوق هذه الفئة، لكن ثمة تعقيدات إدارية ودينية تسبق إجراء العملية الطبية تساعد المضطربين على أن يستكملوا حياتهم بشكل طبيعي بعيدا عن الصراع النفسي.
ومهما بلغ الدعم الأسري لضحية الاضطراب الجنسي داخل العائلة، فإن المشكلة لا تزال مع المجتمع نفسه، وهذا يتطلب المزيد من الاحتواء العائلي بعيدا عن السخرية والعنف اللفظي والجسدي، حيث يقود البعض إلى الانتحار انتقاما من النفس، وبالتالي أول طريق العلاج يبدأ من الأسرة مدفوعة بشجاعة في مواجهة المجتمع.
ورغم وجود أعداد ليست بالقليلة في مصر لديها حاجة ملحة إلى إجراء جراحات التحول الجنسي، لكن يظل قرار القبول داخل العائلة يرتبط بمنسوب الوعي الثقافي والفكري والمستوى التعليمي، أما لو كانت هناك أمية تعليمية وثقافية فإن الشاب أو الفتاة، كل منهما يواجه معاملة سيئة تصل أحيانا حد التعذيب الجسدي.
غياب الوعي المجتمعي والتعقيد القانوني والتحفظ الديني يطارد كل الراغبين في التحول إلى جنسهم الحقيقي مع الخوف من وصمة العار
وقال جمال فرويز استشاري الطب النفسي في القاهرة إن المضطربين جنسيا لم يختاروا هذا المسار بمحض إرادتهم، وقد فُرض عليهم فرضا، وهذا لا يستوعبه المجتمع بسهولة، في ظل تراجع مستوى التعليم والثقافة والفهم لأبسط حقوق الجسد، والتعامل مع هذه الفئة على أنهم شواذ يحملون خطرا على حياتهم ومستقبلهم.
وأضاف لـ”العرب” أن علانية المواجهة أقصر طرق جذب الحقوق للمضطرب جنسيا، لأن ذلك يمنحه دعما نفسيا واحتواء مجتمعيا، ويجب أن تتم توعية المحيطين بأن هذا الشخص ليست لديه ميول للتحول إلى الجنس الآخر، بقدر ما هو مريض ويحتاج إلى العلاج السريع لأنه يتعذب من داخله ويرغب في الثبات على جنس معين.
وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يكون المجتمع نفسه غير مثقف طبيا، ولا يدرك أن المضطرب جنسيا يتعرض إلى ضغوط نفسية يصعب على أي أحد تحملها، ويكفي أنه يتعايش مع جسد ليس جسده، واسم ليس اسمه، وأفراد ليسوا من جنسه، ولا يملك سوى القبول بالأمر الواقع خوفا من التنمر والإقصاء.
ويتذكر الاستشاري النفسي جمال فرويز أنه التقى بعض الحالات المرضية المضطربة جنسيا، وكانت أغلب الشكاوى حول كيفية التعامل مع المجتمع ومواجهة السخرية والتنمر والأذى النفسي، قبل أن يسألوا عن العلاج الطبي لحالاتهم، لافتا إلى أنه لا بديل عن مناقشة القضية بشكل أكثر شجاعة كبداية للتوعية بها.
شروط صارمة
وإذا تجاوز أفراد تلك الفئة النظرة المجتمعية السلبية لهم وحصلوا على دعم من عائلاتهم، يصطدمون بالأزمة الأكبر التي ترتبط بالتعقيدات الإدارية لتقنين أوضاعهم وفق المستجدات التي أصبحوا عليها، مع وجود عراقيل كثيرة لاستخراج أوراق ثبوتية بالحالة، وتسجيلهم في السجلات الرسمية للدولة، وحصولهم على فرصة عمل.
ولو حدثت معجزة وتعامل معهم المحيطون والحكومة برأفة، تأتي المشكلة الأكبر التي ترتبط بالمؤسسة الدينية نفسها، حيث تضع شروطا صارمة لمنح المضطربين جنسيا موافقة لتحولهم إلى جنس آخر، إذ في مصر هناك لجنة أزهرية مختصة بدراسة كل حالة مضطربة جنسيا، وإما تمنح الأطباء مشروعية التدخل الجراحي، أم لا.
وتتبع تلك اللجنة مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر وتختص بالتصديق الديني للفريق الطبي من أجل إجراء الجراحة كي يتحول الولد إلى فتاة، أو العكس، رغم أن هناك لجنة مختصة بتصحيح الجنس مقرها نقابة الأطباء المصرية، لكن الأخيرة لا تستطيع البت في أي حالة قبل العرض على الأزهر، والحصول على فتوى رسمية بالتصديق على التدخل الجراحي.
ويتناقش الأزهر مع الأطباء المختصين في مجال تصحيح الجنس حول كل حالة، وما إذا كانت تُعاني من خلل نفسي يدفعها إلى التحول إلى جنس آخر، أم أن الأمر بحاجة إلى تدخل جراحي حقيقي متعلق بأعضاء الذكورة والأنوثة، ويتم رفض التصديق على التحول الجنسي إذا لم تكن هناك ضرورة طبية لذلك، أو لم تقتنع جهة الفتوى.
ويعتقد متابعون للقضية أن تدخل رجال الدين في تصحيح الجنس للمضطربين أحد الأسباب الرئيسية التي عمقت أزمتهم مع المجتمع، وكرست لدى الأغلبية قناعة راسخة بأن هذه الفئة لديها شذوذ، وهذه معضلة تتحملها الحكومة وحدها لأنها هي من سمحت لرجل الدين أن يتدخل في قضية لا تخصه وجعلت الإنقاذ الطبي مرهونا بفتوى.
ولأن التدخل الديني لا يزال مستمرا، فإن أي خطاب تنويري وتثقيفي للمجتمع والبيئة المحيطة بالمضطربين جنسيا معرض للتشكيك والطعن في جدواه وأهدافه، لأنه محاط بأفكار رجعية وفئات متشددة تجاه الجنس والأخلاق والفضيلة.
وفي أي مجتمع تحكمه الوصاية يكون من الصعب على أي فرد أن يتحرر أو يتصرف بالطريقة التي يستريح لها، وحتى إذا بادرت أي منظمة أو وسيلة إعلامية بتوعية الناس بحقوق المضطربين جنسيا وتستعين بأطباء متخصصين في المجال لتبصير المجتمع بأبعاد القضية، تأتي ردة الفعل عنيفة ويتم وصم دعاة التنوير بأنهم يروجون للشذوذ.
الجرأة والشجاعة
أكد الاستشاري النفسي جمال فرويز أن المجتمعات العربية بحاجة ملحة إلى الخلاص من ثقافة العيب كي تناقش قضاياها الحساسة بجرأة وشجاعة، وللأسف تسببت تلك الثقافة في أن بعض الأسر تنكر اضطراب الهوية الجنسية عن عمد، وتصر على اللجوء إلى فكرة التعذيب الجسدي والنفسي للابن أو الابنة، كأحد حلول الشفاء، لتجنب وصمة العار من المحيطين.
وجزء من المشكلة عدم وجود إرادة حكومية لتدريس الثقافة الجنسية في المدارس والجامعات لتوعية الشباب والمراهقين والأهالي أنفسهم بأبعاد القضية، لكن التحفظ المجتمعي ضد الفكرة دفع الأنظمة السياسية المتعاقبة إلى الابتعاد عن كل ما هو جنسي في المناهج التعليمية، استجابة للآراء التي ترى أن ذلك يفتح عقول الشباب على أمور معيبة.
ويلعب الشق الاقتصادي دورا في رفض مساعدة الشخص على اختيار الجنس الذي ينتمي إليه، فهناك بعض الأهالي ليست لديهم قدرات مالية كافية لإجراء تدخلات جراحية لأولادهم المصابين باضطرابات، ما يجعلهم يتعايشون مع الحالة على وضعها، ما يدفع الأبناء إلى التأقلم مع أجسادهم والقبول بالأمر الواقع.
وإذا كانت الأسرة أكثر تحضرا ووعيا وساعدت الابن على التحول سوف تظل الأزمة الأكبر في البيئات الريفية والقبلية والشعبية، إذ يمكن أن تُجبر الأسرة على ترك مكان إقامتها، والهرب بعيدا لإنقاذ الابن أو الابنة، أو الخوف من وصمة العار التي تلاحقها، في ظل غياب الوعي المجتمعي والتعقيد القانوني والتحفظ الديني الذي يطارد كل الراغبين في التحول إلى جنسهم الحقيقي.