تعثر نشر الكتاب إلكترونيا في مصر رغم تصاعد أزمات الورق والطباعة

حركة القراء تؤثر في التوجه العام.. وانتقادات للناشرين لعدم مواكبة التطور.
الاثنين 2023/08/21
الكتاب الورقي هو المهيمن

مازال الكتاب الورقي هو المهيمن على سوق الكتاب في العالم العربي رغم المشاكل الكبيرة التي يواجهها القطاع. ولنأخذ مصر البلد العربي الراسخ في صناعة الكتاب، فقد تضاعفت أسعار الكتب وأصبحت تنأى شيئا فشيئا عن المقدرة الشرائية للقراء، وإن كان بعضهم يرى في الكتاب الإلكتروني الحل البديل، فإنه مازال متعثرا ولا يلقى الاهتمام الكافي.

القاهرة - يحافظ النشر الورقي المطبوع في مصر على حضوره الفاعل بين جمهور القراء والمهتمين، على الرغم مما تعانيه صناعة الطباعة ومستلزماتها التي تدخل فيها أسعار الورق والأحبار وتكاليف الطباعة، ما ينعكس على استمرار محدودية النشر الإلكتروني الذي يأخذ في التصاعد عالميا، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول بقاء المعادلة في ظل مجموعة من المتغيرات الداخلية والخارجية.

انشغل الرأي العام في مصر الأيام الماضية بارتفاع أسعار الكتب الدراسية الخارجية التي تقدمها دور نشر متخصصة في مجال التعليم، وشهدت زيادات تراوحت بين 50 و60 في المئة، مقارنة بما كانت عليه العام الماضي، وترتب على ذلك ارتفاع أسعار بعض الكتب حتى وصلت إلى 700 جنيه (نحو 20 دولارا) للكتاب الواحد.

ارتفاع الأسعار

أحمد القرملاوي: القارئ في مصر يتمسك بالكتاب الورقي كعادة ثقافية
أحمد القرملاوي: القارئ في مصر يتمسك بالكتاب الورقي كعادة ثقافية

ينتظر سوق الكتاب في مصر زيادات جديدة، حيث ستتزايد حركة النشر قبل موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب المقرر في يناير المقبل، وسط تراجع مستمر في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وتوقعات رجحت تخفيضا قريبا في قيمة العملة المحلية.

تصاعد مؤشر أسعار طن الورق الأيام الماضية، ووصل إلى 38 ألف جنيه (1200 دولار) بعد أن استقر منذ أشهر ليسجل 30 ألف جنيه للطن (1000 دولار)، ما ينعكس على ارتفاع تكاليف الطباعة بوجه عام، مع إمكانية أن تسجل الكتب المطبوعة ارتفاعا بنسبة تتماشى مع زيادة تكاليف الطباعة والعمالة.

مازالت غالبية دور النشر في مصر تعول على الكتاب المطبوع، وترى أنه السبيل لنمو صناعة النشر، وتبني خططها على كيفية التوسع في الطبعات التي تقدمها بما يحقق لها عوائد مهمة، ونظمت معرضا خاصا للكتاب المطبوع أخيرا، في محاولة لإحداث نوع من الرواج، لكن غاب عنها تطوير الخطط التسويقية التي تحقق مكاسب لها حال تمكنت من تقديم طبعات إلكترونية، والاكتفاء بطبعات إلكترونية من خلال تقديم النسخ الورقية عبر صيغة “بي.دي.أف” عبر منصات رقمية دشنتها.

يواجه البعض من الناشرين انتقادات بسبب إغفالهم الجوانب الخفية في صناعة النشر وكيفية بناء علاقات مع الناشرين الأجانب وتوفير قدر من الثقة مع مؤسسات لها انتشار حول العالم، ما يدعم تطور حركة النشر وعدم ارتباطها بالجانب الورقي فقط، ودون أن يقصر اهتماماتها على التواجد في معارض دولية كمتنفس جيد لها.

ويفرض استمرار دور النشر المصرية في تحقيق أرباح عبر النشر المطبوع مع الإقبال على الكتب الورقية تبني خطط لتطويرها، لكن ذلك لا يخدم مستقبل انتشارها مع التقدم الحاصل على مستوى التعاون المشترك بين دور نشر كبرى حول العالم وضعت أسسا للنشر للانتشار عبر الإنتاج الرقمي، ما أسفر عن التوسع في تقديم كتب بترجمة مشتركة بين العديد من دور النشر في دول مختلفة، في حين تظل الثقافة العربية بوجه عام تعاني من انغلاق على الذات.

سوق الكتاب في مصر تنتظره زيادات جديدة حيث ستتزايد حركة النشر قبل موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب

وتدعم ثقافات المؤلفين الاستمرار في الإنتاج الورقي، مع عدم توفر الإدراك اللازم الذي يساعدهم على التواصل مباشرة مع أسواق الكتب الإلكترونية المنتشرة في العالم، دون حاجة إلى وسيط، ومحدودية انتشار النشر الذاتي الذي يأخذ في التوسع عالميا مع تقليل الاعتماد على قنوات التسويق التقليدية.

يقول مدير النشر والعضو المنتدب لمكتبة “ديوان” الأديب أحمد القرملاوي إن النشر الإلكتروني أخذ في التصاعد، لكنه يرتبط بوجود نسخ عربية، ويرجع ذلك إلى أن القارئ في مصر يتمسك بالكتاب الورقي كعادة ثقافية وارتباط تاريخي لم يتغير بعد، إلا أن ذلك لا ينف حدوث انكماش في المشتريات دون تأثير كبير على دور النشر.

ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن تراجع الإقبال على الكتاب لا يرتبط بكونه مطبوعا أم إلكترونيا، لأن الطبعات الرقمية الأصلية بمقابل مادي، وما يحدث له علاقة بأولويات قطاعات كبيرة من المواطنين لديهم احتياجات يسعون لتوفيرها أولا مع الصعوبات المعيشية، مشيرا إلى أن “ديوان” من دور النشر التي تضع في اعتبارها الأوضاع الاقتصادية عندما تقوم بتسعير الكتاب، ولها هدف رئيسي يتمثل في انتشار الكتب والحصول على هامش ربح بسيط يحقق مكاسب أكبر على المدى البعيد.

ويتوقع القرملاوي أن تتزايد أسعار الكتاب المطبوع أسوة بما حدث مع الكتب الخارجية، وأن معدلات الزيادة سوف تصبح أكبر، لأن الأوراق المستخدمة في الكتب الثقافية والمخصصة للكبار تختلف عن نوعية الأوراق زهيدة الثمن المستخدمة في الكتب المخصصة للأطفال.

هيمنة الورقي

Thumbnail

ترتبط عملية التحول إلى النشر الإلكتروني بوجود تحولات قوية ترغم دور النشر والقراء على هجرة الكتاب الورقي، لم تحدث بعد على الرغم من انكماش الإصدارات المقدمة على مدار العام بنسبة قد تصل إلى 50 في المئة، وفقا لتقديرات سابقة لعدد من أصحاب دور النشر.

بالتالي فطبيعة الأزمة هي التي تقود إلى إحداث تغيير مماثل في السوق، وهو أمر تتجاوب معه الدور التي لديها قاعدة نشر إلكترونية قوية بشكل أسرع، وربما يؤدي ذلك إلى خسائر فادحة لدور أخرى ليست لديها خبرات النشر الإلكتروني ومتطلباته.

اتجهت بعض دور النشر في مصر لتقديم إصداراتها بأسعار زهيدة على عدد من المنصات الرقمية لتشجيع القراء عليها، لكنها في المقابل ترى أن ذلك يسهل السرقة والتزوير مع انتشار العديد من المنتديات الثقافية التي تقدم الكتب بصيغة “بي.دي.أف” مجانا، والتي تشهد إقبالا من جمهور الشباب، ومن ثم فالإبقاء على النسخ الورقية يمثل عامل جودة إضافيا يميز دار النشر ويدفع القراء إلى شرائها.

يؤكد الناقد الأدبي مسعود شومان أن عدم وجود الحاجة الملحة إلى التخلي عن الكتاب الورقي أحد أبرز أسباب استمرار حضوره، وأن القوة الشرائية للكتاب الورقي مستمرة وأن المصريين لديهم شعور قد يجعلهم ينشغلون أكثر بفكرة الخيال والتأمل، وهو ما يوفره الكتاب بشكل أكبر مقارنة بالنسخ الإلكترونية، وأن استمرار القناعات الخاصة بأفكار احتضان الكتاب وتصور شكل الحرف وعلاقته بالورق يدعو إلى الاحتفاظ به.

مسعود شومان: ليست هناك تقنيات تجذب الجمهور إلى البدائل الإلكترونية
مسعود شومان: ليست هناك تقنيات تجذب الجمهور إلى البدائل الإلكترونية

ويشير في تصريح لـ”العرب” إلى خطورة عدم توفر التقنيات التي تساعد على جذب الجمهور إلى البدائل الإلكترونية، فعدم القدرة على خلق منصات تفاعلية مع القراء والمحتوى الثقافي والأدبي يزيد الجمود، ويظل التطور قاصرا على مستوى الكتب البحثية لأن المواقع تسهل مهمة الباحثين في الوصول إلى معلومات يحتاجونها مع تنوع مصادر المعرفة عالميا، والأمر لا يرتبط مباشرة بالثقافة، وتراجع الحفاظ على الحقوق الملكية إلكترونيا سوف يجعل النشر على المنصات هاجسا لدى الناشرين.

يبدو الكثير من المثقفين في مصر على قناعة بأن التوسع الملحوظ على مستوى ظهور دور نشر جديدة يبرهن على أن النشر الورقي مهيمن، واتجاه عدد من المثقفين لتبني مشاريع خاصة بهم من خلال تلك الدور يبرهن على تحقيقها مكاسب.

ويرى هؤلاء أيضا أن زيادة مساحات الوعي إلى جانب الزيادة التصاعدية في أعداد المواطنين وعدم توفر دور نشر تلبي احتياجات السوق، تدعم هذا التوسع، لكن يبقى قائما على النشر الورقي اعتمادا على حسابات السوق والعرض والطلب.

يحظى النشر الورقي في مصر بدعم جهات حكومية تعتقد أنه مازال يشكل رافدا للثقافة، وتدخلت بعض البنوك الحكومية لتقديم مبادرات تقضي بشراء الكتب بأنظمة التقسيط، ما دفع ما يقرب من 150 ناشرا إلى الاشتراك في المبادرة التي قد تأخذ في التوسع مستقبلا، مع اقتناع بأن صناعة النشر المعتمدة على الورق تحقق عوائد مهمة.

13