تعثر مفاوضات السلام يهدد تماسك المسار الانتقالي في السودان

الخرطوم- بدأ وفد رفيع بقيادة رئيس آلية الوساطة الجنوب سوداني، توت قلواك، برفقة ممثلين للحركات المسلحة، زيارة للخرطوم الخميس في مسعى جديد لردم الهوة في القضايا العالقة، بعد تعثر لافت عند مناقشة قسمة السلطة، لتضاف إلى ما هو حاصل من تباين في الرؤى حول آليات التفاهم بشأن الترتيبات الأمنية اللازمة.
يلتقي الوفد بكل من رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ورئيس الحكومة عبداللـه حمدوك، لحثهم على اتخاذ قرارات حاسمة تدفع إلى معالجة الملفات العالقة، وتجاوز أزمة التوقيتات.
واستأنفت جنوب السودان الخميس وساطتها في المفاوضات بين وفد الخرطوم والحركة الشعبية شمال – بقيادة عبدالعزيز الحلو، عبر تقنية فيديو كونفرانس، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا السياسية العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها مبدأ فصل الدين عن السياسة وعلمانية الدولة التي تعد شرطا أساسيا وضعه الحلو للانخراط في المفاوضات بعد أربعة أشهر من مقاطعتها.
إحداث حالة من التوافق السياسي بين الحركات والحكومة على إدارة المرحلة الانتقالية أحد مطبات السلام الرئيسية، في ظل رفض الجبهة اقتراح الحكومة تقاسم مؤسسات السلطة الانتقالية
يتوقع مراقبون أن تأخذ هذه الجولة حيزا زمنيا طويلا في ظل تقسيم المفاوضات إلى ثلاثة ملفات، تبدأ بالقضايا السياسية، ثم المشكلات الإنسانية، ونهاية بالقضايا الأمنية المعقدة، والتي تراوح مكانها في المباحثات بين الجبهة الثورية والحكومة منذ عدة أشهر، ما يعني إطالة أمد المفاوضات.
وكانت جوبا قد أعلنت تأجيل التوقيع النهائي على اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان مقررا في 20 يونيو الجاري، ما يهدد بإطالة أمد المرحلة الانتقالية التي يعد السلام أحد أبرز أعمدتها، والدخول في مشكلات جديدة مع تباعد الرؤى بين القوى السياسية.
يتفق العديد من المراقبين على أن انسداد أفق المفاوضات يجعل من خيار الانتخابات المبكرة أمرا مطروحا قبل انقضاء المرحلة الانتقالية، في ظل عدم القدرة على الوصول إلى تفاهمات مشتركة بين مكوناتها، وعدم وجود ظهير شرعي مباشر من الشعب يمكن لأي طرف أن يستند إليه في المفاوضات، وأن حكومة ذات شرعية منتخبة قد تستطيع حسم الملفات العالقة.
تواجه الحكومة والحركات المسلحة مأزقا مشتركا بسبب ضعف آمال السلام لدى المواطنين، والذين يعتقدون أنها تسير في دوائر مفرغة منذ أن انطلقت رسميا في نوفمبر الماضي بجوبا، كذلك فإن تأخر السلام يعطي فرصة لفلول النظام البائد لترسيخ رؤيتهم بأن الأزمة لا تكمن في نظام عمر البشير، وأن الحركات المسلحة تسعى لإفشال الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
دخلت محادثات السلام في دروب سياسية وفنية وأمنية، واستغرقت وقتا طويلا في مناقشة قضايا فرعية بعيدة عن جوهر قضايا السلام الحقيقية، والتي لم ينجح الطرفان في إنجازها منذ الانخراط فيها بالتزامن مع تهديد الحركة الشعبية شمال باللجوء إلى حق تقرير المصير أسوة بجنوب السودان، وعدم انخراط حركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد محمد نور، في المفاوضات من الأساس، وإصرارها على تغيير الحكومة الحالية.
تعد الحركة الشعبية بقيادة الحلو من أكبر الحركات المسلحة السودانية وأقواها عسكريا على الأرض، وتسيطر على مناطق واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتتخذ من مدينة “كاودا” عاصمة لها، الأمر الذي يجعل مفاوضاتها مع الحكومة حاليا حاسمة في تحديد إمكانية الوصول إلى سلام شامل من عدمه.
وأكد رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس يحيى أن مفاوضات السلام وصلت إلى مرحلة دقيقة يصعب استمرارها من خلال مؤتمرات الفيديو، وأن الملفات الملغمة في مباحثات الحكومة والحركة الشعبية إلى جانب القضايا العالقة في مسار الجبهة الثورية، خاصة الترتيبات الأمنية والموضوعات القومية وتمثيل الحركات المسلحة في السلطة بحاجة إلى حوارات مباشرة بين الأطراف المختلفة.
وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن قيادات الجبهة توافدت إلى جوبا خلال الأيام الماضية بالرغم من صعوبة حركة الطيران، وهناك مشاورات مع وفد الوساطة لتكون المفاوضات المقبلة مباشرة في انتظار موافقة وفد الحكومة على هذا الطلب، بما يساهم في تسريع وتيرة المفاوضات.
يعتقد سياسيون أن المفاوضات بين قيادات الحركات المسلحة ووفد الحكومة لا تغيب عنها التفاهمات السرية أو ما يسمى بمباحثات “تحت الطاولة”، وهو أمر لا يتحقق من خلال مؤتمرات الفيديو، بالتالي فالاجتماعات المغلقة بين الطرفين أكثر إيجابية، غير أن ذلك يضفي المزيد من القلق في الداخل السوداني بشأن إمكانية تحقيق مصالح قيادات الحركات من دون مراعاة أصحاب المصلحة الحقيقيين.
وأوضح الهادي إدريس يحيى أن مخاطبة كافة المعنيين بالسلام تعد سببا رئيسيا في إرجاء المفاوضات أكثر من مرة، لمنع الوصول إلى سلام هش، وأن العراقيل تكمن في عدم التوافق بشأن الدمج التدريجي للحركات المسلحة والجيش وقوات الدعم السريع تحت قوة قومية واحدة، مهمتها تأمين عودة النازحين وحفظ الأمن في دارفور بعد انسحاب قوات “يوناميد”، وأنه لم يجر الاتفاق حتى الآن على شكل ومهام هذه القوة المشتركة.
كما أن إحداث حالة من التوافق السياسي بين الحركات والحكومة على إدارة المرحلة الانتقالية أحد مطبات السلام الرئيسية، في ظل رفض الجبهة اقتراح الحكومة تقاسم مؤسسات السلطة الانتقالية، وهي: مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي، وحكام الولايات، وإصرار الحركات المسلحة على مناقشة طريقة إجراء الانتخابات خلال التفاوض وعدم تنظيمها إلا بعد عودة النازحين.
وتختلف الحركات المسلحة مع تحالف الحرية والتغيير بشأن جوهر القضايا التي من المفترض أن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات، وهناك رغبة من قبل المكون المدني في ترحيل العديد من القضايا إلى المؤتمر الدستوري ومؤتمر نظام الحكم المقرر عقدهما في عقب التوصل إلى سلام، وهو أمر ترفضه الحركات المسلحة وترى أن القضايا المعقدة بحاجة إلى تفاوض مباشر معها وليس بمشاركة موسعة عبر مؤتمرات، بما يؤدي إلى عدم إحلال السلام في مناطق الهامش.
مراقبون يتوقعون أن تأخذ هذه الجولة حيزا زمنيا طويلا في ظل تقسيم المفاوضات إلى ثلاثة ملفات، تبدأ بالقضايا السياسية، ثم المشكلات الإنسانية، ونهاية بالقضايا الأمنية المعقدة
تهدد الخلافات بين الطرفين تمرير المرحلة الانتقالية بعد أن أعلنت الحكومة الشروع في تعيين المجلس التشريعي وحكام الولاة المدنيين واعتزامها إدخال تعديلات وزارية، وهو أمر لن تقبل به الحركات المسلحة طالما لم تجر الاستجابة لنسب التمثيل التي طالبت بها في مؤسسات الحكم الانتقالي، ما يهدد باندلاع معارك كلامية جديدة بين الطرفين.
أوضح نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة حسن الإمام حسن أن السلطة الانتقالية لديها رغبة في التوصل إلى سلام بأي مستوى وطريقة ومعادلة حتى تكون أعمدة الثورة الثلاثة مكتملة، لكن يبدو أن الطرفين لم يدخلا المفاوضات باستراتيجية محددة، بل إن الانخراط في المفاوضات بهذا الشكل لم يكن يحدث بعد إسقاط البشير الذي كان خصما للقوى السياسية والحركات المسلحة.
وأشار لـ”العرب” إلى أن تقسيم السلام إلى مسارات مختلفة جعل الحكومة كأنها تتفاوض بشكل فردي مع كل حركة على حدة من دون أن تكون هناك قضايا قومية متفق عليها، وأصبحت المحادثات قضية حركات وليست مشكلة هامش، والجميع يبحثون عن مشكلات بسيطة من الممكن حلها.