تطوير محتويات الطفل في الإعلام المصري.. ضجيج بلا تنفيذ

مدونة سلوك تضاعف المحاذير وتتجاهل وضع رؤية لبرامج ومسلسلات جديدة.
الاثنين 2021/12/06
إنذار لأبله فاهيتا

تصدرت قضايا حقوق الطفل في الإعلام الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدتها جهات حكومية على صلة بملف الإعلام أخيرا تماشيا مع حالة القلق المتصاعدة جراء اختطاف عقول الأجيال الصاعدة وعدم القدرة على توجيهها بما يخدم توجهات الدولة السياسية، غير أن هذا الضجيج الذي يستمر للعام الثاني على التوالي لم تتم ترجمته على الأرض في إعلام يناقش قضايا الطفل بأساليب متطورة.

القاهرة- يمضي العام الجاري دون أن تخرج للنور القناة المخصصة للطفل التي خططت الهيئة الوطنية للإعلام المسؤولة عن إدارة الإعلام الحكومي لبعثها، وتوقفت بعض البرامج التي كانت تُعرض على فضائيات متعددة لعدم وجود تمويل كاف.

واكتفت مدونة سلوك الطفل في الإعلام التي أعلنها المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام الثلاثاء الماضي بوضع محاذير إعلامية مرتبطة بالطفل وحظر بث محتوى وصفته بـ”الفاحش” في وسائل تستخدم “لغة خارجة وتلميحات جنسية”، ووجهت انتقادات للبرنامج الساخر “أبله فاهيتا” باعتباره أحد البرامج التي تجذب الأطفال، ووضعت لافتة تعني أن مشاهديه لا تقل أعمارهم عن 18 عاما.

ونبهت إلى ضرورة أن يحمل محتوى البث التلفزيوني المخصص لأغراض الترفيه، ويتضمن محتوى غير لائق رمز +18، وبثه خلال الأوقات التي لا يكون فيها احتمال لوجود مشاهدين من الأطفال. وبرهنت المحاذير الجديدة عن عدم وجود رؤية يمكن أن تشكل أساسا لتقديم محتوى يواكب تطور المادة الإعلامية التي يتعرض لها الأطفال عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة، وبدا أن هناك مخاوف من أن يتورط التلفزيون المصري في تقديم أعمال تشجع على العنف، في حين أن المحتويات المخصصة للأطفال باتت نادرة.

نرمين خضر: الارتباك الحالي يرجع إلى أن هناك أولويات أكثر أهمية

ويتفق البعض من الخبراء على أن الجهات المسؤولة عن ملف الإعلام تدور في حلقات مفرغة ولم تحرز تقدما ملموسا بعد أن تباينت وجهات النظر بين من يرى ضرورة تقديم برامج ومسلسلات جديدة وتقييم مدى انجذاب الأطفال لها قبل تدشين فضائية جديدة، في حين يذهب قطاع آخر لضرورة أن تكون هناك قناة تلفزيونية تعبر عن الهوية المصرية دون إضاعة المزيد من الوقت.

وكرر رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر خلال المائدة المستديرة التي نظمها المجلس تحت عنوان “تعزيز السياسات والمساءلة في إطار المسؤولية المشتركة” قبل أيام خطابات سابقة أكدت على “ضرورة أن يقوم الإعلام بأدواره في إعداد الطفل بشكل سليم وأهمية الوصول إلى محتوى إعلامي متطور يساعد الطفل ويحافظ عليه”، من دون أن يتحدث عن خطوات فعلية يمكن اتخاذها عمليا.

وتوالت وعود الهيئة الوطنية للإعلام المسؤولة عن إدارة التلفزيون الحكومي بإطلاق ورش عمل وفقا لبرامج محددة وعمل مسابقات لإنتاج محتوى درامي ملائم لثقافة الطفل مدعوم من جهات رسمية.

ولا تحظى برامج الأطفال القليلة التي يقدمها التلفزيون الحكومي بانتشار واسع مع عزوف المواطنين عن مشاهدتها بجانب اعتمادها على نفس الصيغة التي حققت نجاحات في السابق عبر برامج المسابقات ومزجها بعرض قصص للأطفال يقوم بإلقائها المذيع، وتعيد تكرار مسلسلات وأفلام سابقة ملت الأجيال الصاعدة من مشاهدتها.

وتغفل الجهات القائمة على ملف الإعلام في مصر حقيقة تتمثل في انجذاب الأطفال نحو قنوات يجسدها أشخاص على يوتيوب تغوص في تفاصيل حياتهم اليومية، وبالتالي فإن هناك إمكانية للتغلب على مشكلات غياب التمويل ومخاوف الخسارة عبر إنتاج مسلسلات زهيدة التكلفة وعرضها على التلفزيون، وهو ما يشكل أحد الحلول في ظل شكاوى تلك الجهات من ارتفاع تكاليف أفلام الرسوم المتحركة.

وقال نائب رئيس مجلة “نور” للأطفال عبدالمنعم حسين إن المؤسسات المرتبطة بالطفل في مصر لن تصل إلى رؤية واضحة للتعامل مع المحتويات الإعلامية للنشء طالما لا وجود لقناة مخصصة للأطفال تدار بلا مجاملات يجري من خلالها تقديم أشكال ترفيهية وتعليمية عديدة واختيار أنسبها مع الأجيال الصاعدة.

عبدالمنعم حسين: تداخل الجهات المسؤولة يفسر أحد أوجه الجمود الحالي

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تداخل الجهات المسؤولة عن ملف الطفل بين جهات إعلامية وأخرى حكومية تتولى مسؤولية رعاية حقوق الطفل يفسر أحد أوجه الجمود الحالي، والوضع بحاجة إلى مشروع قومي يبرهن على أن هناك اهتماما بعقول الأجيال الجديدة يترجم ما يظهر من خطط ورؤى لتطوير الخطاب الإعلامي إلى إنتاج تلفزيوني يجري التسويق له بالشكل الأمثل.

وتطرق حسين إلى نقطة أخرى ترتبط بتراجع الكوادر والخبرات التي عملت من قبل في المجال الإعلامي الخاص بالطفل نتيجة ندرة الإنتاج لسنوات طويلة، وأضحى هناك إدراك عام بأن هذا المجال مغلق وليس مسموحا العمل به، وبالتالي فإن جيل الشباب الذي يعد أكثر قدرة على مخاطبة عقول الأطفال لم يخض تجاربه، ولم تعد لديه خبرات يمكن البناء عليها مستقبلا.

ويذهب العديد من خبراء الإعلام للتأكيد على أن عدم وجود برامج مخصصة للأطفال في الإعلام المصري أفرز مشكلة تتعلق بعدم قدرة الجهات الإعلامية على تقييم ما يحتاجه الأطفال في المراحل العمرية بين 3 إلى 8 سنوات، الأمر الذي انعكس سلبا على مجلات الأطفال التي أقدم بعضها على تغيير توجهاتها لمخاطبة العقول الصغيرة وبين أخرى اختارت الاستمرار على النهج القديم انتظارا لدراسات إعلامية أدق.

وحسب تقديرات سابقة للمجلس الأعلى للإعلام فإن هناك تشتتا في هوية الأطفال يتطلب تدخلا عاجلا في محتويات إعلامية تركز على الهوية، وطالبت بأن تكون المواد المتقدمة مصحوبة بوجود خبراء للسلوكيات وعلم النفس لتقديم رسالة تتصدى لما تروج له الألعاب الإلكترونية المحفزة على العنف وتقديم رسالة مقنعة للأجيال الصاعدة تجعلها تنجذب إليها بسهولة.

وأكدت عميدة كلية الإعلام بالجامعة العربية المفتوحة نرمين خضر أن الارتباك الحالي يرجع إلى أن هناك أولويات أكثر أهمية بالنسبة إلى صانع القرار الإعلامي تقود إلى تأجيل المشروعات المرتبطة بالطفل، على الرغم من تزايد الاهتمام بالنقاشات الدائرة حولها، كما أن الأمر يرتبط بوجود رؤى عديدة لا تجد من يترجمها في شكل سياسات إعلامية قابلة للتطبيق على الأرض.

برامج الأطفال القليلة التي يقدمها التلفزيون الحكومي لا تحظى بانتشار واسع مع عزوف المواطنين عن مشاهدتها بجانب اعتمادها على نفس الصيغة التي حققت نجاحات في السابق

وأوضحت لـ”العرب” أن هناك عاملا ثانيا يتعلق بالاستسهال في شراء حقوق بث الأعمال المدبلجة التي بحاجة للمزيد من الضبط لأن بعضها يحرض على العنف، في حين أنه يمكن تقديم قوالب للأطفال بشكل غير مباشر داخل البرامج والمسلسلات وأفلام الكارتون بما يواكب اهتماماتهم عبر المنصات الإلكترونية.

وأشارت إلى أن وسائل الإعلام بإمكانها الاستعانة بخريجي أقسام الفنون المتحركة بكليات الفنون الجميلة وتطوير مهاراتهم وتوظيفهم في تقديم محتويات لن تكون بحاجة إلى تكاليف باهظة، تستهدف تشجيع هؤلاء على توجيه طاقاتهم نحو محتويات الطفل التي تأتي في ذيل اهتمامات هؤلاء الشباب.

16