تطوير إعلام الخدمة العامة مؤجل في مصر إلى إشعار آخر

الترفيه والقضايا الاجتماعية يهيمنان على خطة عمل الإعلام خلال الفترة المقبلة.
الجمعة 2022/04/08
إعلام في حاجة إلى إصلاحات حقيقية

تجاهلت الهيئات المسؤولة عن تنظيم الإعلام في مصر الأسباب الرئيسية التي قادت إلى عزوف الجمهور عن وسائل الإعلام المحلية ووضعت رؤيتها لإدارة الملف على أسس ثانوية لا تشكل أولوية مطلوبة لإدخال إصلاحات يمكن أن تجذب الجمهور مرة أخرى، وغابت الأطر الرئيسية القائمة على إتاحة الحريات العامة وتقويم الخطاب السياسي، كما أن هذه الهيئات لم تراع التطورات الرقمية التي نشهدها ولم تواكبها.

القاهرة - استعرض رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر ملامح خطته لتطوير الإعلام المصري الأحد أمام رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وركزت الخطة على المسائل الاجتماعية وقضايا البيئة والمناخ واهتمت بتطوير المحتوى الفئوي المقدم للشباب والمرأة والأطفال، إلى جانب قضايا الوعي التي تأخذ الحيز الأكبر من اهتمامات الهيئات المعنية بالإعلام.

ولم يكن من المعتاد تقديم خطة عمل سنوية تتضمن أطرا عامة يلتزم بها الإعلام المصري، غير أن عودة منصب وزير الدولة للإعلام قبل ثلاثة أعوام شهدت تقديم رؤية لإدارة الملف الإعلامي عرضها في ذلك الحين الوزير المستقيل أسامة هيكل، وبدت الخطة الحالية محاولة لسد الفراغ الذي تركته وزارة الدولة للإعلام التي لم يتم حسم موقف استمرارها بعد نحو عام من استقالة هيكل.

وتضمنت الاستراتيجية الجديدة التي جاءت متسقة مع أداء الإعلام المصري بوجه عام تسليط الضوء على الإنجازات التنموية للحكومة وإبراز المشروعات الخدمية التي تنفذها الدولة ضمن المبادرة الرئاسية المعروفة بـ”حياة كريمة” لتطوير القرى المصرية وغيرها من المبادرات القومية، فضلا عن تعزيز الوعي ومواجهة الشائعات ونبذ الكراهية ودعم تقديم إعلام الروح الرياضية.

ومن الملاحظ أن هناك ما يمكن وصفه بالردة بعد أن تضمنت رؤية تطوير الإعلام التي جرى عرضها أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ عامين عدة محاور لتحقيق المزيد من الانفتاح على كافة القوى والأطياف السياسية.

يحيى قلاش: الرؤية ليست الروشتة السليمة التي تحتاجها الصحف والقنوات

ورغم أن الخطة لم تجد طريقها إلى التطبيق إلا أنها عبّرت عن وجود اتجاه رسمي لإعادة صياغة السياسات الإعلامية، وبدا ذلك دليلا على إمكانية حدوث انفراجة في ملف الحريات بوجه عام، وتعد مؤشرا أساسيا على قياس المساحة التي يتحرك فيها الإعلام.

ويقول خبراء في مجال الإعلام إن استراتيجية الإعلام المصري الجديدة – القديمة تواجه عدة مشكلات، أبرزها أنها جاءت من المجلس المنظم لعمل وسائل الإعلام دون إجراء دراسات مستفيضة ونقاشات موسعة مع الصحافيين والإعلاميين، وأوحت بأن الترفيه والتسلية والقضايا الاجتماعية ستظل مهيمنة على المشهد الإعلامي خلال الفترة المقبلة.

وانعكست رؤية رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على نوعية البرامج المقدمة في موسم رمضان الجاري وغاب عنها حضور السياسيين بشكل كامل.

وتصدرت البرامج الفنية والترفيهية والدينية المشهد دون وجود أفكار يمكن أن تقدم جرعة سياسية بشكل غير مباشر، وكأن هناك اعتمادا كاملا على الدراما في توصيل الرسائل الرسمية دون الحاجة إلى استقطاب وجوه سياسية لمخاطبة الجمهور.

وأكد نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن الرؤية التي قدمها مجلس تنظيم الإعلام لرئيس مجلس الوزراء ليست الروشتة السليمة التي تحتاجها الصحف والقنوات المصرية، وأن الأولويات التي كان يجب التركيز عليها غائبة على مستوى إتاحة المعلومات وتطوير الخطاب الإعلامي في مجالات مختلفة وإتاحة هامش من الحرية، وبدا أن هناك استسلاما لحالة الموت السريري الحالية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “استراتيجية الإعلام المصري لم تضع حلولاً لإمكانية تحول وسائل الإعلام المحلية إلى ذراع قوية داعمة للنظام الحاكم في مشروعاته الكبرى، ورغم أن هناك وعيا رسميا بأنها لا تؤدي الحد الأدنى من هذا الدور لم يتم التطرق إلى ضرورة إدخال إصلاحات حقيقية في هذا التوقيت، وهو ما ينعكس على أداء الهيئات المعنية ونقابتي الصحافيين والإعلاميين”.

إبراهيم الصياد: الأوضاع الراهنة في حاجة ماسة إلى وزير معه صلاحيات واسعة

وأشار إلى أنه في عام “المجتمع المدني” الحالي كان من المنتظر حدوث انفراجة سياسية، لكن نحن أمام مفارقة تجعل الإعلام غير قادر على التحرك بحرية، بينما هناك توجهات حكومية نحو تعزيز العمل المدني بوجه عام، وبالتالي يصعب النظر إلى الرؤية المقدمة باعتبارها استراتيجية شاملة لأنها لم تصب الهدف، فهي محاولة لملء الفراغ دون أن تكون جوانبها سليمة ومدروسة.

ويتطلب تحقيق أي استراتيجية إعلامية لأهدافها أن تضع في حساباتها احتياجات الجمهور الذي لن يتفاعل مع وسائل الإعلام التي تخاطبه إلا إذا كانت لديه مصلحة مباشرة ستعود عليه بالنفع، ومن المطلوب توفير البيئة الداعمة لتحقيق مصداقية الإعلام، وأن يكون ذلك عبر قرارات حاسمة وسريعة تغير الصورة الذهنية السلبية الراهنة بعد أن أثبتت السياسات الإعلامية التقليدية عدم قدرتها على جذب الجمهور.

وثمة قناعة بأن الاتجاهات التي تطرقت إليها خطة عمل الإعلام المصري، وطالت “تقديم المضامين الإعلامية المتعلقة بتجديد الخطاب الديني وتقديم إعلام هادف بالدرجة الأولى يحقق طموحات الدولة المصرية ويدفع المواطن للمشاركة في أعباء التنمية”، لا تشكل أولوية بالنسبة إلى الجمهور الذي يبحث عن متنفس يعكس طبيعة المشكلات الحياتية اليومية التي تواجهه، وكان من الواجب أن تراعي الخطة اهتمامات القطاعات الشعبية التي تشكل عصب نجاح أي وسيلة إعلامية.

وذكر رئيس قطاع الأخبار الأسبق في التلفزيون المصري إبراهيم الصياد أن وجود خطة عمل واضحة، بغض النظر عن تحقيق أهدافها من عدمه، يشكل خطوة إيجابية من المتوقع أن تؤدي إلى إنجاز أفضل لتحسين صورة الإعلام المصري الذي عانى كثيراً من العمل العشوائي، مع أهمية البناء على تلك الخطوة لتكون أشمل من مجرد توجيهات في مجالات عدة، وتصبح ذات أهداف واضحة للتنفيذ على المدى البعيد.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن غياب التطرق إلى تطوير إعلام الخدمة العامة، وفي مقدمته وسائل الإعلام التابعة للحكومة، يجعل الرؤية ناقصة، حيث يحتاج إنجاز الرؤية إلى وجود وزارة للإعلام تشرف على أداء الهيئات المعنية بالإعلام، خاصة أن الأوضاع الراهنة بحاجة ماسة إلى وزير معه صلاحيات واسعة، ما يسهم في عودة وسائل الإعلام المصرية إلى المنافسة في ظل التطورات العديدة التي يشهدها الإعلام العربي.

ويفرض نجاح الاستراتيجية تخليص الإعلاميين من الضغوط التي قد يتعرضون لها بشكل مستمر، وهو ما يقود إلى تقديم الرسالة بموضوعية ومهنية، والإسراع في إقرار قانون تداول المعلومات لإنهاء وضعية التعتيم التي تعاني منها وسائل الإعلام.

16