تطورات الأوضاع في سوريا تعمق حالة الانقسام في ليبيا

عمقت التطورات الطارئة في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد حالة الانقسام السياسي في ليبيا، فبينما سعت سلطات شرق ليبيا إلى توطيد علاقاتها مع نظام الأسد، سارعت سلطات طرابلس إلى الاعتماد على ميليشيات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا في سوريا.
تدفع تطورات الأوضاع في سوريا إلى تعميق حالة الانقسام السياسي في ليبيا بسبب تناقض التحالفات والخلاف بين طرفي النزاع الرئيسيين في ليبيا على تقييم الأوضاع في دمشق بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري.
وأدى وفد من غرب ليبيا، السبت، زيارة إلى دمشق اجتمع خلالها مع أحمد الشرع قائد المرحلة الانتقالية في سوريا، وذلك لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين لاسيما في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وفق بيان صادر عن الحكومة الوطنية. وضم الوفد الليبي وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي، ووزير العمل علي العابد، ومدير الاستخبارات العسكرية اللواء محمود حمزة.
وقال البيان إن اللافي نقل خلال اللقاء “تحيات رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى القيادة والشعب السوري”، مؤكدا دعم الشعب السوري وموقفها الداعم لحقوقه وحريته. وأضاف أنه جرت مناقشة المخاطر التي تشهدها المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك التي تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، حيث شدد الطرفان على أهمية تطوير آليات العمل المشترك وتعزيز الحوار بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الليبي والسوري.
وأوضح اللافي أن التنسيق الأمني بين ليبيا وسوريا ضروري من أجل تفعيل أكثر للعلاقات بين الدولتين، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد نشاطا أكبر بين الجانبين في مجالات عدة.
وتابع في تصريحات إلى قناة “الجزيرة” أن “الزيارة مهمة لتفعيل العلاقات، إذ إننا ندعم الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية والقيام بدور تجاه الشقيقة سوريا بوجود الكثير من التقاطعات الإقليمية المعروفة للجميع (الأمنية والعسكرية)”، لافتا إلى الربط بين ما يحدث في سوريا وما حدث في ليبيا، مضيفا “وهذا يتطلب قدرا أعلى من التنسيق الأمني والتواصل بين الجانبين.”
◙ الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب الليبي ومقرها بنغازي، أعادت في مارس 2020 فتح سفارة بلادها في دمشق
وكان وزير الخارجية بالإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني تلقى الأربعاء الماضي اتصالا هاتفيا من وليد اللافي، أكد فيه دعم بلاده للشعب السوري وإدارته الجديدة عقب سقوط نظام بشار الأسد. وذكرت وزارة الخارجية السورية في بيان أن اللافي نقل خلال اتصاله مع الشيباني رسالة من الدبيبة أكد فيها “موقف ليبيا الثابت في دعم الشعب السوري والحكومة السورية الجديدة”.
وأشار اللافي إلى حرص الدبيبة على “تعزيز العلاقات الثنائية من خلال تبادل الوفود بين البلدين بهدف تعزيز التعاون في مختلف المجالات”، كما شدد على “أهمية التنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والتحويلات الراهنة بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة.”
من جانبه، عبر الشيباني عن تقديره “لمواقف حكومة الوحدة الوطنية الليبية” إزاء سوريا، وأشاد بـ”روابط الأخوة والتاريخ التي تجمع الشعبين الشقيقين”، مبديا “تطلع سوريا إلى المزيد من التعاون والتنسيق مع ليبيا.”
وكانت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب الليبي، والتي تتخذ من بنغازي مقرا لها، أعادت في مارس 2020 فتح سفارة بلادها في دمشق، بعد إقفال منذ العام 2012 على وقع النزاعين اللذين مزقا البلدين، وقال نائب وزير الخارجية السوري آنذاك فيصل المقداد “عندما تتخذ سوريا قرارا حاسما بعودة العلاقات مع الأشقاء في ليبيا، فهذا اعتراف بأن المعركة التي نقودها نحن في سوريا وفي ليبيا هي معركة واحدة موجهة ضد الإرهاب وضد من يدعم الإرهاب”، في إشارة إلى تركيا.
واعتبر أن “النظام التركي وزعيمه الفاقد للصلة مع الواقع يصعّدان من هجمتهما.” وأكّد أن “نضالنا في سوريا وليبيا واحد ورفع العلم مقدّمة طبيعية لكي يصحو بعض المترددين”، مضيفا “نأمل أن يستعيد هؤلاء الذين جمدوا عضوية سوريا عروبتهم.”
وجاء افتتاح السفارة في سياق الوضع الذي كان سائدا خلال تلك الفترة، عندما كانت تركيا ترسل الآلاف من المرتزقة الناشطين في الميليشيات المسلحة السورية الموالية لتركيا، والتي تم الدفع بها إلى ساحات المعارك في غرب ليبيا لدعم وإسناد ميليشيات “بركان الغضب” التابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في مواجهة قوات الجيش الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر.
ونظرا لطبيعة التوازنات والتحالفات التي فرضتها قوانين الصراع، فإن سلطات شرق ليبيا سعت إلى توطيد علاقاتها مع نظام بشار الأسد بينما اعتمدت سلطات طرابلس على ميليشيات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا في الشمال السوري، والحديث آنذاك عن وجود تنسيق وتعاون أمني ومخابراتي وعسكري بين بنغازي ودمشق مقابل التحالف القائم بين طرابلس وأنقرة وامتداداته داخل الأراضي السورية الخارجة عن سلطة النظام.
◙ خلال العامين 2012 و2013 تحدثت تقارير دولية عن نقل كميات من السلاح الليبي إلى سوريا عبر تركيا والأردن
ويرى مراقبون أن هناك دافعا آخر أدى إلى تمتين العلاقات بين بنغازي ودمشق وهو الحليف الروسي المشترك، فيما كان لتيارات الإسلام السياسي بالمنطقة دور مهم في تكريس التحالف بين طرابلس والمعارضة السورية ومنها هيئة تحرير الشام التي شارك عدد مهم من الليبيين بالقتال في صفوفها عندما كانت تحمل اسم جبهة النصرة مع بدايات الحرب الأهلية السورية.
وخلال العامين 2012 و2013 تحدثت تقارير دولية عدة عن نقل كميات كبيرة من السلاح الليبي إلى مواقع المعارضة السورية عبر تركيا والأردن، لكن محاولة نقل السلاح عبر لبنان فشلت، وفي أبريل 2012 صادر الجيش اللبناني حمولة ثلاثة مستوعبات من الأسلحة كانت على متن باخرة قادمة من ليبيا ومخصصة للمسلحين السوريين، تم اعتراضها وسوقها إلى مرفأ سلعاتا في شمال لبنان، وهي تشمل “رشاشات ثقيلة ومتوسطة وقذائف مدفعية وقذائف وقاذفات آر.بي.جي وكميات من أل.تي.أن.تي وذخائر”.
وبحسب المراقبين، فإن تطورات الأوضاع في سوريا زادت من تعميق الانقسام بين الفرقاء الليبيين، وخاصة بين غرب البلاد وشرقها، حيث تعمدت سلطات طرابلس التظاهر بوجودها ضمن خندق الفريق المنتصر، لاسيما في ظل العلاقات المتطورة بينها وبين تركيا وتحالفها مع قوى الإسلام السياسي التي تعتبر الإطاحة بنظام الأسد نصرا مؤزرا لها بعد خيبات مرحلة ما بعد الربيع العربي وخاصة في مصر وتونس.
وازدادت حدة الانقسام مع وجود معطيات عن انتقال عدد من مسؤولي وضباط النظام السوري المنهار إلى بنغازي، وكذلك بعد أن نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين وليبيين قولهم إن روسيا تسحب عتادا عسكريا متطورا من قواعدها في سوريا وتنقله إلى ليبيا بعد أيام على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث أظهرت بيانات ملاحية أن طائرات شحن روسية أجرت رحلات عدة إلى قاعدة الخادم الليبية.
وقال المسؤولون للصحيفة الأميركية إن طائرات شحن روسية نقلت معدات دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك رادارات لأنظمة الدفاع الجوي “أس – 400” و”أس – 300”، من سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا الخاضعة لنفوذ قوات الجنرال حفتر، مشيرين إلى أن روسيا تدرس تطوير منشآتها في طبرق شرقي ليبيا لاستيعاب السفن الروسية، لكن ليس واضحا إن كانت الأسلحة الروسية ستبقى في ليبيا أم ستنقل جوا إلى روسيا.