تطلعات تركيا شرق المتوسط تحيي تحالف الكالاماتا

رسائل مصرية - يونانية - قبرصية تستبق ترسيم أنقرة لحدودها البحرية مع دمشق.
الخميس 2025/01/09
تركيا تضع مصر مجددا في موقف صعب

تواجه مصر وقبرص واليونان تحديا جديدا في علاقة برغبة تركيا في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، مستفيدة في ذلك من الوضع الراهن في دمشق ووجود سلطة جديدة هناك موالية لها.

القاهرة - عاد "تحالف الكالاماتا" بين مصر واليونان وقبرص لعقد اجتماعاته مرة أخرى بعد ثلاث سنوات من آخر قمة عقدت بين الدول الثلاث ضمن آلية التعاون التي جرى إطلاقها عام 2014.

وجاء الاجتماع بعد تلميحات تركية عن اعتزامها ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، ما يشي بأن القمة استبقت ترتيبات للتأكيد على موقف الثلاثي الرافض لأي تطورات خارج إطار اتفاقيات البحار الدولية.

واستضافت القاهرة، الأربعاء، قمة بمشاركة الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والقبرصي نيكوس خريستودوليديس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وناقشت آليات التنسيق المشترك لتحقيق التهدئة في المنطقة ومنع التصعيد، مع السعي نحو تحقيق السلام والاستقرار بما يضمن الحفاظ على مقدرات الدول وشعوبها.

وقال الرئيس المصري إن القمة تمثل شراكة راسخة لتعزيز الاستقرار في المنطقة ومواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مؤكدا على أهمية التعاون المشترك بين الدول الثلاث، والتنسيق بشأن التطورات في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق الاستقرار ووقف تصعيد الصراعات.

أحمد قنديل: الإدارة الحالية ليس من حقها أن تصل لتفاهمات مع تركيا
أحمد قنديل: الإدارة الحالية ليس من حقها أن تصل لتفاهمات مع تركيا

وقد تترتب على القمة مآلات عديدة، إذ جاءت بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا وتبادل زيارات رؤساء الدولتين العام الماضي، ويرى متابعون أن القاهرة تجد نفسها مضطرة هذه المرة للعمل على فرملة طموحات أنقرة في شرق المتوسط من دون أن يقود ذلك للتأثير سلبا على التطور الحاصل على مستوى العلاقات بينهما.

ويقول المتابعون إن القاهرة يمكن أن تقدم المزيد من التطمينات للجانبين اليوناني والقبرصي بأنها ستتخذ موقفا واضحا يرفض أي تجاوزات على الحدود البحرية وسوف تتشارك في أي تصعيد يهدد البلدين، حال أصرت أنقرة على طموحاتها الإقليمية.

وهدفت القمة لتبادل وجهات النظر بشأن التطورات الإقليمية في كل من سوريا ولبنان وغزة، ومتابعة العلاقات بين الدول الثلاث، ووضع الإطار التنفيذي للاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها لتعزيز التعاون، وأن شرق المتوسط على رأس القضايا المشتركة.

ولدى الدول الثلاث موقفا موحدا مفاده أن تعيين الحدود البحرية بين تركيا وسوريا يجب أن يتم بطريقة علنية ويحظى باحترام واعتراف دوليين، بما يوفر معايير الشفافية كي لا تصطدم بالحقوق السيادية لدولة اليونان.

وقللت مصادر عربية من إمكانية تأثير عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة على موقف مصر تجاه دعم اليونان وقبرص، وأن الحقائق الإستراتيجية بشأن تعقيدات العلاقة بين البلدين مازالت مستمرة، خاصة بعد الدور التركي المتعدد في سوريا.

ولم تعلق مصر على تصريحات وزير النقل والبنية التحتية التركي عبدالقادر أورال أوغلو نهاية ديسمبر الماضي حول استعداد بلاده للتفاوض مع الإدارة الجديدة في سوريا على ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط.

وأصدرت وزارتا الخارجية في اليونان وقبرص بيانات حادة وصفت الاتفاق المحتمل بأنه “غير قانوني”، وينتهك القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

توقيت قمة القاهرة ورقة تُمسكها الدول الثلاث لمواجهة التطلعات التركية شرق المتوسط، دون أن يشكل ذلك مساسا بالتقارب المصري التركي

كما وصفت وزارة الدفاع الوطني اليونانية الخطوة بأنها “غير ودية”، محذرة من تداعياتها السلبية على العلاقات بين تركيا واليونان.

وأكد الوزير التركي أن أنقرة تأمل التوصل إلى تفاهم مع دمشق لترسيم حدود الصلاحيات البحرية شرق المتوسط، وبيّن أن الاتفاقية المحتملة تتيح للبلدين “توسيع وتقاسم مناطق التنقيب عن النفط والهيدروكربونات في إطار قواعد القانون الدولي.”

قال رئيس وحدة الدراسات الدولية وبرنامج الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل إن الدول الثلاث بينها مصالح مشتركة والعديد من الملفات في مقدمة اهتمامات القمة في ظل مساعي مصر لتصبح مركزا لإنتاج وتبادل الطاقة، وثمة مشروعات مشتركة لنقل الغاز والكهرباء ورغبة لتعزيز الاستقرار في شرق المتوسط والتخفيف من تداعيات الممارسات الإسرائيلية والتطورات في سوريا وليبيا.

وأضاف قنديل في تصريح لـ”العرب” أن مصر تنظر إلى تركيا كلاعب مهم يساعد في زيادة الاستقرار بالمنطقة، وأن دفع المشروعات المشتركة بين الدول الثلاث قد يشجع تركيا على التعاون، وهناك فرصة لتلعب القاهرة دورا أكثر فاعلية في الوساطة بين أنقرة وأثينا، في ظل قناعة بأنه ليس من مصلحة الدول الثلاث التصعيد.

وشدد على أن القاهرة تدرك بأن الحديث عن تعيين الحدود البحرية بين تركيا وسوريا في طور النقاش ولا توجد حكومة سورية يمكن التفاوض معها، والإدارة الحالية ليس من حقها أن تصل لتفاهمات مع تركيا، وتعيين الحدود كاتفاقية سيادية لابد أن يوافق عليها الشعب السوري أولا، وبحاجة لوجود مؤسسات راسخة في سوريا.

بشير عبدالفتاح: توجد رغبة لدى القاهرة في عدم العودة إلى الوراء
بشير عبدالفتاح: توجد رغبة لدى القاهرة في عدم العودة إلى الوراء

وتنبع مخاوف اليونان وقبرص من كون مقترح تركيا بشأن ترسيم الحدود مع سوريا يُعيد للأذهان الاتفاقية التي أبرمها الرئيس رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج عام 2019، لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.

وأثارت الاتفاقية وقتها موجة من الجدل الإقليمي، إذ لم تكن حكومة السراج تمثل الدولة الليبية بأكملها، ورأت بعض الدول أن الحكومة لا تملك التفويض أو الشرعية القانونية لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات.

وتحاول أنقرة الإيحاء بمشروعية اتفاقها بعد أن أضفى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعدا قانونيا دوليا على الاتفاقية مع ليبيا بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ومصادقة البرلمان التركي عليها، وقاد ذلك لتوقيع اتفاق بين مصر واليونان وقبرص بهدف التصدي للتحركات غير المشروعة في شرق المتوسط.

وأكد الباحث في شؤون العلاقات الدولية بشير عبدالفتاح أن الموقف المصري يتناغم مع موقفي قبرص واليونان بشأن رفض أي اتفاقيات خارج إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وهي المرجعية القانونية الرئيسية في مجال ترسيم الحدود البحرية، وأن قمة القاهرة وجهت رسائل غير مباشرة لتركيا وسوريا بأن عليهما الانضمام للاتفاقية الدولية أولا، والتي لم يوقعا عليها، وأن الاعتراضات القوية التي صاحبت اتفاقية تعيين الحدود مع ليبيا جعلت أنقرة تفكر كثيرا قبل اتخاذ الخطوة.

وأوضح عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” أن الاجتماعات بين الدول الثلاث تخفف من تأثير توجيه رسائل التهديد المباشرة لتركيا، لكن هناك رسالة مفادها أن التنسيق المصري القبرصي اليوناني في مواجهة أية خروقات شرق المتوسط على مستوى عال، وعلى أنقرة مراعاة دول الجوار وعدم الانفراد بتوجيه الإدارة الجديدة في دمشق لتوسيع نفوذها، فسوريا تعاني أزمة اقتصادية وبحاجة لدعم جماعي وليس دعما تركيا فقط.

ولفت إلى أن توقيت قمة القاهرة ورقة تُمسكها الدول الثلاث لمواجهة التطلعات التركية شرق المتوسط، دون أن يشكل ذلك مساسا بالتقارب المصري التركي، وتوجد رغبة لدى القاهرة في عدم العودة إلى الخلف والتأكيد أن لديها الحق في تنويع علاقاتها واتخاذ مواقف تخدم مصالحها، مثلما تفعل تركيا عبر علاقاتها مع إثيوبيا والصومال.

وتنبع خطورة التلميحات التركية بشأن تعيين الحدود مع سوريا من أن مسحا جيولوجيا أميركيا قدّر إجمالي ما تحتويه منطقة حوض الشام من جهة البحر المتوسط، التي تطل عليها مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وتركيا وإسرائيل بـ3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من النفط، ما يخلق صراعات دولية مستقبلا في تلك المنطقة للاستفادة من مواردها الطبيعية.

2