تصوير الجنازات يجدد الهجوم على الصحافة المصرية واتهامها بعدم المهنية

القاهرة - تقف الصحافة المصرية في مرمى الاتهامات الشعبية بالغياب عن المهنية وتجاوز ضوابط التغطيات الإعلامية مع كل حدث يتدافع فيه بعض المحسوبين عليها للحصول على صورة مثيرة، وهي مشاهد تتكرر في جنازات المشاهير والنجوم التي تشهد إقبالاً ممن يعملون بصحف وفضائيات ومواقع إلكترونية، بجانب تواجد بعض مقدمي المحتويات الإعلامية على المنصات الرقمية أو ما يعرفون بـ”بلوجرز” أو “يوتيوبير”، ما وضع المسؤولين عن الإعلام يجدون صعوبة للدفاع عن أنفسهم.
وعاد الهجوم على الصحافة المصرية مجدداً أثناء التغطية الإعلامية لجنازة الفنان الراحل صلاح السعدني الجمعة، ومع انتشار فيديوهات ظهر فيها عدد من نجوم الفن يحاولون الوصول إلى موقع الجنازة نتيجة التزاحم عليهم من قبل أشخاص يمسكون هواتف محمولة ويقومون بتصويرهم حظي الهجوم الذي شنه بعض الفنانين بتأييد مواطنين تعاطفوا معهم مع غياب أدنى معايير المهنية في التعامل مع مثل هذه المواقف، خاصة أن مراسم التشييع تطغى عليها الجوانب الإنسانية.
وانتقد الإعلامي عمرو أديب، مقدم برنامج “الحكاية” على فضائية “ام بي سي- مصر”، تزاحم الصحافيين في جنازة الفنان الراحل، مشيراً إلى أن الصحافة تطارد المشاهير حتى دفن الجثمان، في حين لا يوجد خبر يستحق، وقال “أناشد المواقع والشباب اللي عايز يبقي صحفي، مينفعش كده، هي دي الصحافة.. إحنا عندنا كل المواقع دي، هما كام موقع اللي ممكن تشوف فيه خبر؟، سبعة ثمانية تسعة عشرة، مين دول”.
وقررت نقابة المهن التمثيلية، الأحد، حظر التغطية الإعلامية لمراسم العزاء، وناشدت الصحافيين والمراسلين بعدم الحضور باعتباره قاصراً على العائلة والزملاء، ووعدت بإجراء نقاش مع نقابة الصحافيين على أسس وقواعد تحدد آليات حضور مراسم الدفن والجنازات، واعترفت بوجود قلة تسيء لمهنة الصحافة.
وعلى مدار السنوات الماضية كانت جنازات المشاهير مدخلاً للهجوم على الصحافة والعاملين في ظل عدم القدرة على وضع ضوابط تنظيمية يمكن إلزام الجميع بها.
ومع أن هناك ميثاقا للشرف الصحفية، إلا أن غياب متابعة تنفيذه من جانب نقابة الصحافيين يساهم في استمرار تجاوزه، كما أن وجود دخلاء على المهنة يتواجدون في الأحداث المهمة بحثًا عن صورة لهم عوائد مادية نتيجة انتشارها على منصات التواصل أمر تدفع ثمنه الصحافة التي تتدنى مكانتها الاجتماعية.
ويجد مسؤولون عن الصحافة في مصر أنفسهم في مأزق، لأن التراجع عن التغطيات الإعلامية للجنازات التي تحظى باهتمام قطاعات شعبية، إذا ارتبطت بأحد النجوم البارزين، يشكل تراجعًا عن قيامها بأحد أدوارها الإعلامية، لكن ذلك لن يحل المشكلة لأن آخرين سيكونون متواجدين في الحدث.
كما أن هؤلاء ليس بإمكانهم التحكم في تصرفات المواطنين الذين لديهم رغبة في توثيق مثل هذه اللحظات، أو مشاهير اليوتيوب ممن يبحثون عن محتوى يقدمونه بعيداً عن الوعاء الرسمي والقانوني للعمل الصحافي.
وقال رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية مجدي إبراهيم إن الأزمة تتعلق بأطراف مختلفة، ويصعب الاعتماد على جهة واحدة لحل المشكلة، فشعبة المصورين ليس لديها حق قانوني في أن تتعرف على هوية من يقوم بعملية التصوير ومن خالف المواثيق المهنية، وتوجد مواقع إلكترونية ليست لنقابة الصحافيين ولاية عليها، وغالبية من يتواجدون في الجنازات مصورون غير معلومين ولا يعرف أحد الجهة التي ينتمون إليها، وما إذا كانوا مواطنين عاديين أم صحافيين؟
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن بعض من يتواجدون في الجنازات للتصوير يتسببون في مشكلات للمصورين الصحافيين الحقيقيين ومعهم كاميرات احترافية خاصة بهم ويعرفون أبجديات التعامل في مثل هذه المواقف، ومثلما يتضرر الفنانون فالصحافة تتضرر أيضا، وفي كل المرات التي تثار فيها مشكلات بسبب التصوير هناك مراجعة للفيديوهات والصور، ويتضح أن من قاموا بتحميلها على مواقع التواصل ليسوا مصورين تابعين لصحف ومواقع إلكترونية معترف بها.
ويطالب قانون تنظيم الإعلام الخاص بالمجلس الأعلى للإعلام الصادر في العام 2018 المصورين الصحافيين بالحصول على تصريح للتصوير في الأماكن المفتوحة، ولا يشترط الوضع ذاته بالنسبة للمواطنين العاديين أو الأجانب.
وثمة قناعة عامة بأن نقابة الصحافيين المصرية لديها دور مهم في ضبط الأمر عبر إصدار ضوابط صارمة لتغطية الجنازات ومتابعة تنفيذها، وليكون ذلك مقدمة للاهتمام بتحسين الأوضاع المهنية للصحافيين.
ودعا نقيب الصحافيين خالد البلشي في مايو الماضي الصحف المختلفة وشعبة المصورين الصحفيين بالنقابة لوقف تغطية الجنازات وقصرها على حدود ضيقة جدًا، ووعد بوضع الضوابط اللازمة في هذا الشأن، لكن تلك الضوابط لم تر النور.
وطالب مجدي إبراهيم في حديثه لـ”العرب” أن يحسم المشاهير موقفهم من تواجد الصحافيين في الجنازات، حال كان هناك اعتراض على ذلك يمكن الإعلان من خلال نقابة أسرة المتوفى أو نقابة المهن التمثيلية والاكتفاء بوجود وكالة إعلامية تتعاقد معها النقابة كي لا تتكرر هذه المشاهد، وفي غياب تعاون النقابة مع الأجهزة الأمنية والجهات الإعلامية الرسمية لن توجد حلول ملموسة للأزمة.
وقارن رئيس شعبة المصورين بين المشكلات التي كانت تنشب بين الأندية الجماهيرية والمصورين الصحافيين أثناء مباريات كرة القدم وبين مشكلات تغطية الجنازات، وأنه جرى التوصل لاتفاق مع الجهات المنظمة للمباريات بأن يكون دخول المصورين من مسؤولية شعبة التصوير وهي التي تحدد الأسماء والأعداد المسموح بدخولها، ما ساهم في اختفاء غالبية المشاكل، وتتولى الشعبة مسؤولية معاقبة من يخطأ مهنيا.
على مدار السنوات الماضية كانت جنازات المشاهير مدخلاً للهجوم على الصحافة والعاملين في ظل عدم القدرة على وضع ضوابط تنظيمية يمكن إلزام الجميع بها
ووجهت شعبة المصورين من قبل نصائح لأعضائها بشأن تغطية الجنازات، أكدت فيها على ضرورة اختيار مصورين وصحافيين من ذوي الخبرة، ويكون حضورهم للجنازات والعزاء عبر مجموعات، وانتقاء بعض الزملاء ليمثلوا الجميع مع مراعاة التنوع بين الصحف الرسمية والخاصة والوكالات، ويتم التناوب بين المصورين في تغطية الأحداث التالية، مع أهمية الاستعانة بأحد كبار المصورين في كل حدث لقيادة الجميع، ونهاية بتخصيص مكان ثابت لتواجد الصحافيين والمصورين.
ويتفق متابعون على أن توالي توجيه الانتقادات لمهنة الصحافة انعكس سلبًا على مكانتها الاجتماعية، وما يصدر من توبيخ إثر تغطية الجنازات يأتي ضمن توجه عام يجد الإعلام فيه نفسه محاطًا بسلسلة اتهامات شعبية، فالرأي العام لديه قناعة أن وسائل الإعلام المحلية لا تقوم بدورها في نقل طبيعة ما يعانونه من مشكلات وعرضها وتسليط الضوء عليها، وتقتنع السلطة بأن الإعلام لا يقوم بأدواره التوعوية على أكمل وجه، وقد ينشغل بمشكلات أخرى أقل أهمية.
ويسود توافق بين الصحافيين حول تأثير غياب المعايير المهنية الحاكمة ومتابعة تنفيذها، باعتبارها جوهر المشكلات الراهنة، فضلا عن ضيق مساحة الحريات التي تجعل وسائل الإعلام تولي اهتمامًا بأحداث وفعاليات لا تشكل أهمية قصوى لكنها مضطرة إلى ذلك لأنها تشكل مدخلاً لجذب الجمهور إليها بدلاً من التطرق إلى قضايا شائكة، كانت تمثل مدخلاً مهمًا في علاقة الصحافة بالرأي العام والمجتمع.